مصيدة الأخطبوط جنوب سيدي الغازي .. البلاستيك السام الخطر المسكوت عنه ..!

بقلم : عمار الحيحي *

يعيش مهنيو الأساطيل الثلاث (الأعالي، الساحلي، والتقليدي) لصيد الأخطبوط جنوب سيدي الغازي، قلقا وتوجسا شديدين بسبب تدهور حال مخزون الأخطبوط بالمنطقة، والدليل على ذلك أن الكوطا الإجمالية للموسم الشتوي المنفرط لم تبرح الثلثين على أقصى تقدير من طرف الأساطيل الثلاث، في إنتظار الأرقام الرسمية..

يتقاذف مهنيو االأساطيل الثلاث الإتهامات فيما بينهم حول أسباب تدهور مخزون الأخطبوط من جهة، و من جهة أخرى تعزي الدوائر الرسمية سبب ذلك إلى ما هو طبيعي (التغييرات المناخية)وما هو بشري (السلوكات المهنية).. إلا أن
من وجهة نظري المتواضعة بصفتي ربان صيد لمدة ناهزت 35 سنة ؛ أعزي تراجع مخزون الأخطبوط لثلاث أسباب منها ما هو (طبيعي (المناخ) ؛ وبشري ( السلوكات المهنية) وإداري ( تواريخ إستئناف مواسم الصيد غير موفقة ).

فلا يتجادل شخصان على أن التغييرات المناخية ، أدلت وتدلي بظلالها على المصيدة لا من حيث درجة حرارة الماء في الأعماق و عدم ثبات التيارات البحرية، لكن ذلك ليس سببا وحيدا لهذه المعضلة، لأن هناك فترات يكون فيها المناخ مواتيا للصيد وتكون فيه المنطقة خاضعة لفترة الراحة البيولوجية.. أما فيما يخص السلوكات المهنية، فهذه من أهم أسباب تدهور المخزون . وللأمانة وبدون مزايدات يتحمل مهنيو الصيد التقليدي المسؤولية القصوى في ذلك، بسبب إستعمال البلاستيك السام (القوارير البلاستيكية) في الماضي، والتخلي عنها في عرض البحر، حيث أن آلاف الأطنان من هذه المادة السامة تلوث الأعماق وستبقى كذلك لعشرات السنين، قبل أن تتحلل في شريط واسع يمتد من رأس كارني Cap garnet خط عرض 25 درجة 10 شمالا حتى 22 درجة 30 شمالا رأس بارباس Cap Barbas، خصوصاً قبالة خليج الذاخلة. وهذا فقط ما لاحضناه بصفة يومية أثناء نشاطنا بالمنطقة ما فوق 10 أميال بحرية ( أدنى مسافة من اليابسة المسموح النشاط بها للأسطولين الأعالي و الساحلي) و يعلم الله وحده كيف حال الأعماق ما دون 10 أميال بحرية..؟؟

 ما هو معلوم و مؤكد أن الشريط الساحلي الشاسع الممتد من رأس كارني حتى رأس بارباس ما دون 10 أميال بحرية على طول يناهز 500 كلم، قبل مخطط التهيئة لسنة 2004 La matrice ظل هو المشتل الذي يفرخ الأخطبوط بالمصيدة، لكن منذ ذلك التاريخ لم يعد كذلك، والدليل أن أسطول قوارب الصيد التقليدي لجهة الذاخلة وادي الذهب والمحددة في 3080 وحدة غاليا ما يمارس نشاطه لصيد الأخطبوط ما فوق 10 أميال بحرية، مع العلم أن مخطط التهيئة لسنة 2004 حدد مسافة نشاطه ما فوق 3 أميال ومادون 8 أميال بحرية من اليابسة.. كل هذا لا يجعلنا نتجاهل سلوكات الأسطولين الأعالي و الساحلي، بإستعمالهم عيون شباك غير قانونية بسبب عدم تطابق القياسات المحددة من طرف الإدارة مع الممارسة المهنية ( 70 ملم للأعالي و 60 للساحلي) وما ينجم عن ذلك من مرميات بالبحر Rejets en mer وإبادة لصغار الأحياء المائية….

أما فيما يخص ما هو إداري فمرد ذلك لعدم توافق تواريخ إستئناف مواسم الصيد مع توافق المناخ بالمصيدة، خصوصاً الموسم الشتوي. و هذا من النقاط التي أفاضت الكأس في إستقالة مدير المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري السابق INRH، حيث أن مسح المصيدة جنوب سيدي الغازي يكون في نونبر ، حيث المناخ يكون مواتيا وتكون التقارير في غالبيتها إيجابية، ولا يسمح بالصيد غالبا إلا في فاتح يناير لمدة ثلاثة أشهر ، إذ يبقى شهري فبراير ومارس غير مواتيين إطلاقا لذلك بسبب تدهور المناخ..

كما أن إطلاعنا على ما يزيد عن 32 تقريرا للمسح Balayage الذي قام به المعهد الوطني للبحث في الصيد في البحري INRH في مصيدة الأخطبوط جنوب سيدي الغازي، تفيد أن المخزون ظل متمركزا في المناطق التي دأب الأسطولين الأعالي و الساحلي النشاط بهما . وهذا يحيلنا على عدم جدوى المنع الذي ظلت تفرضه القرارات الوزارية ما دون 10 أميال بحرية منذ 19سنة من تاريخ تنزيل مخطط التهيئة..

ختاما من وجهة نظري بعد 19 سنة من إعتماده، يجب على الجميع التحلي بالجرأة اللازمة إدارة و مهنيين للجلوس لطاولة الحوار ، لتنقيح مخطط التهيئة لسنة 2004 من الشوائب وتلقيحه بجرعات جديدة قبل فوات الأوان، مع الأخذ بعين الإعتبار البحث عن الحلول لتنقية أعماق المصيدة من آلاف الأطنان من البلاستيك السام المسكوت عنه..

• عمار الحيحي : فاعل كنفدرالي ومدون مهتم بشؤون الصيد الساحلي بالجر