دعا مهنيو الصيد وزارة الداخلية إلى إيفاد لجنة تحقيق للنظر في الأثمنة التي يتم بها بيع المحروقات لمجهزي الصيد الساحلي، والتي تختلف بشكل كبير على ما هو معمول به لدى أسطول الصيد في أعالي البحار. مؤكدين أن من غير المعقول استمرار هذا التفاوث الحاصل في أسعار المحروقات، التي باتت تثقل كاهل أرباب وبحارة الصيد الساحلي كواحد من الإشكالات، والإرهاصات التي تحتاج لنوع من التدقيق.
ونددت مصادر جد مطلعة بما قالت عنه تواطؤ مكشوف بين الشركات الموزعة والوسطاء الذين وصفتهم ب “مالين الشكارة”. هؤلاء الذين أصبحوا اليوم يتحكمون في شركات المحروقات نفسها، وكذا في مجهزي مراكب الصيد الساحلي، التي تحولت إلى ضحية للمغالات المتزايدة، أمام جشع هؤلاء الأغنياء الجدد، الذين راكموا ثروات خيالية في ظرفية قياسية دون أن تستفيد منهم الدولة أدنى خدمة.
فالمتعارف عليه تؤكد المصادر أن الدولة عمدت منذ أمد بعيد، إلى تحفيز قطاع الصيد بوضعه ضمن نطاق الإعفاءات الكلية، المطبقة بخصوص الرسوم الداخلية على الإستهلاك المتعلق بالمنتجات الطاقية، وذلك في إطار سياسة المساهمة في تخفيض ثقل المصاريف وكلفة عوامل إنتاجه. وفي هذا السياق تم إعفاء مواد الوقود والمحروقات والزيوت الملينة المستهلكة، خلال عمليات الملاحة البحرية، من طرف سفن الصيد الحاملة للعلم المغربي، ضمن التدابير الإستثنائية المتعلقة بالإجراءات الواردة في النفقات الجبائية.
وأوضح فؤاد بنعلالي عضو غرفة الصيد البحري الأطلسية الوسطى بأكادير و رئيس لجنة تتبع ملف المحروقات داخل الموانئ التابعة للدائرة البحرية، بأن الدولة أعطت أهمية كبيرة لهذا القطاع، بكونها لا تستخلص عليه الضرائب من الشركات الموزعة. لكن بالمقابل تقوم هذه الشركات بتفويت كميات كبيرة من الكازوال، لوسطاء أصبحوا اليوم الآمر الناهي، في تدبير عملية التوزيع، بأثمنة غير تلك التي إلتزمت بها الشركات الموزعة، على إعتبار أن هذا القطاع ليس فيه حرية الأسعار. ومن غير المعقول أن الدولة، لاتستفيد، بل تنازلت عن حقها. والوسطاء يستفيدون بشكل رهيب وبطريقة غير مهيكلة.
وأفاد المصدر أن المحروقات الموجهة لقطاع الصيد، لم تكن مطبوعة بالتمييز بين الأساطيل، لكن بقدرة قادر تحكم فيها منطق الشكارة والربح الغير مشروع، أصبحت الشركات تقبل البيع المباشرة لسفن أعالي البحار، فيما أصبحت تعاني ضغوطات كبيرة في تعاطيها مع الصيد الساحلي. فسرعان ما تصطدم باللوبي القوي، الذي تشكل مع الوقت ليصبح الماسك بزمام الأمور، إما من خلال شركات تم إنشاؤها بالأقاليم الجنوبية هروبا من الضرائب أو عبر أشخاص ذاتيين، هم اليوم يراكمون في الأرباح، من دون رقيب ولا حسيب. إذ شدد المصدر على أن تكون تسعيرة البيع موحدة بين أساطيل الصيد البحري بدون استثناء، لضمات تكافئ الفرص، والتشجيع على مواجهة التحديات التي تعرفها المصايد البحرية، وما يرافقها من إرتفاع في كلفة رحلات الصيد.
ونبه المصدر المهني إلى أن الثمن الذي تشتري به شركات أعالي البحار بأكادير المحروقات يتأرجح اليوم بين 3.25/3.50 درهم، في حين أن الصيد الساحلي بذات المدينة، يجد نفسه أمام أثمنة تتراوح بين 4.60/4.80 درهم، أما الصيد الساحلي بالعيون فيشتري الكزوال بأثمنة تتراوح بين 5.50 /5.70 درهم. وهو ما يعني وجود زيادة تتراوح بين درهم ودرهمين. هي من نصيب الوسيط. هذا في وقت كانت ستشكل هذه المبالغ ، قيمة مضافة على مستوى تدبير العملية الإنتاجية، وإستفادة المكون البشري الذي هو البحار. وهو الذي ظل يبكي حظه العاثر في السنوات الأخيرة، بأنه “ما كيشيط ليه والو” لأن جزءا من مداخيله تأخدها المحروقات، عفوا وللأسف يأخذها الوسطاء.
ويؤكد مهنيو الصيد الساحلي أن أثمنة الكازوال تبقى مرتفعة ومتباينة من ميناء لآخر، لاسيما وأن هذه المادة تلتهم لوحدها أزيد من 50 بالمائة من تكاليف الإبحار ورحلات الصيد. وهو المعطى الذي يكون له الأثر السلبي على المردودية المحققة في السنوات الآخيرة، والتي تراجعت بشكل رهيب، مع اعتماد مجموعة من الإصلاحات والتدابير، المتسمة بهاجس الإستدامة والمحافظة على التنوع البيولوجي للمصايد. إذ يطالب المهنيون والحالة هذه، بإيجاد صيغة عادلة للتخفيف من أعباء ارتفاع ثمن المحروقات المستعملة في قطاع الصيد البحري.
ويتقاضى الألاف من البحارة العاملين بأسطول الصيد الساحلي بالمغرب، الذي يناهز عدد مراكبه قرابة 1800 وحدة، مستحقاتهم عن طريق الحصة، ما يعني أن أطقم هذه المراكب، تتقاسم الأرباح مع أرباب المراكب، بعد خصم مصاريف رحلات الصيد، التي تشكل فيها المحروقات عبئا ثقيلا، وفق تصريحات متطابقة لفاعلين مهنيين.