فاتح بنجدي*
وزعت الأمانة العامة للحكومة حديثا على الوزراء مشروع مرسوم مثير للاستغراب يحدد عدد البحارة من جنسية مغربية الواجب استخدامهم على متن السفن المجهزة التي تحمل العلم المغربي. ووجه الغرابة أنه يسير في الاتجاه المعاكس لواقع الصيد البحري في المغرب إذ يسمح بتشغيل ضباط صيد أجانب على متن البواخر التى ترفع العلم المغربي رغم المنع المنصوص عليه في مرسوم سابق صادر بتاريخ 20أكتوبر 2006 و رغم وفرة الكفاءات المغربية في هذا المجال. و للأمانة فإن الادارة المكلفة بالصيد البحري لم تفتح الباب على مصراعيه أمام تشغيل الضباط الأجانب في مشروع المرسوم المذكور إنما استحدثت ثغرة في جدار المنع الذي أقامه المرسوم السابق و ذلك بالتنصيص على أنه « في حالة الضرورة ، يمكن أن تمارس مهام قبطان سفينة أو ربانها و مهام ضابط ميكانيكي لمدة لا تتجاوز ستة أشهر من طرف بحارة أجانب مؤهلين يتوفرون على الشهادة أو الدبلوم المطلوب من أجل ممارسة هذه المهام طبقا للتنظيم الجاري به العمل « . و هي ثغرة يسهل استغلالها من طرف تحالف شركات الصيد الذي نسج علاقات وطيدة مع الادارة الوصية على القطاع من أجل إغراق بواخر الصيد بالضباط الأجانب و رمي الضباط المغاربة -الذين أنفق الوطن على تكوينهم الكثير- في أحضان البطالة.
و للإشارة، فإن القرار الصادر في عهد سلطات الحماية في نفس الموضوع بتاريخ 07أبريل 1934كان أشد حرصا على مصالح البحارة المغاربة من المشروع الحالي الذي أعدته الإدارة المكلفة بالصيد البحري، إذ استعمل كلمة الندرة المثتبت منها للبحارة المغاربة كسبب لتشغيل بحار أجنبي، و هي تعتبر أكثر دقة من كلمة الضرورة التي استعملها مشروع المرسوم الحالي التي يمكن أن تحتمل جميع التفسيرات الممكنة. فالضرورة المذكورة ضرورة من؟ هل هي ضرورة المجهز أم ضرورة البحار أم ضرورة السفينة أم ضرورة الادارة الوصية على القطاع أم هناك ضرورات أخرى؟
في عهد المغرب المستقل، صدر مرسوم رقم 2.60.389 في الجريدة الرسمية عدد 2532 بتاريخ 5ماي 1961 يقصر ممارسة مهام ضابط فقط على المتوفرين على الجنسية المغربية ، و ذلك رغم علم الإدارة بأن المغرب لا يتوفر حينها على الكفاءات اللازمة. و لذلك أشار المرسوم المذكور الى أن المغاربة المتوفرين على شهادات أقل مباشرة من الشواهد المطلوبة يحق لهم تولي مهام ضابط بالأفضلية على أجنبي يمتلك الشهادة المطلوبة. بعد ذلك، استثمر المغرب الكثير في بناء معاهد عديدة في كل من الدار البيضاء و أكادير و اسفي و الحسيمة و طانطان و العيون و الداخلة و ذلك من أجل سد الخصاص الحاصل في مثل هذه الكفاءات، فتخرجت أفواج عديدة من الضباط المغاربة الذين أثبتوا كفاءتهم بشهادة الجميع الى درجة أن الأطر الساهرة على التكوين في هذه المعاهد مغربية بالكامل منذ مدة طويلة.
و كتتويج لهذه المسيرة الطويلة من التكوين و الخبرة الميدانية، صدر مرسوم 20أكتوبر 2006 الذي منع تشغيل الضباط الأجانب على ظهرالبواخرالمغربية التي تمارس الصيد في المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تمتد الى 200 ميل بحري من الساحل المغربي، و ذلك بسبب وفرة الكفاءات المغربية و إثباتها لتفوقها على الضباط الأجانب، و هو ما تشهد به الاحصائيات التي تصدر سنويا عن مندوبيات الصيد البحري.
فهل يمكن بعد كل هذا تبرير التراجع الى الوراء و فتح باب إمكانية تشغيل الضباط الأجانب على متن البواخر المغربية كأن هذا البلد لم يبذل أي جهد في تكوين هذه الأفواج من الضباط ؟
لكن على مايبدو أن أسبابا أخرى تقف وراء هذا التراجع الخطير الذي يعد في أدناه رميا بأفواج من الضباط المغاربة الى البطالة و في أقصاه تمكينا للأجانب من التصرف في مستقبل ثرواتنا البحرية الكامنة في المياه المغربية. فيبدو أن لبعض المجهزين مصالح غير مرئية مع القباطنة الأجانب دفعتهم الى التوسط لدى الادارة الوصية على قطاع الصيد البحري قصد استبقائهم رغم المنع المنصوص عليه قانونيا بخصوص تشغيلهم. و بهذا الخصوص يمكن الاستشهاد برسالة موجهة من مندوبية الصيد البحري بطانطان بتاريخ 07 يونيو 2012 تحت رقم 160/05الى الشركات الثلاث العاملة في الميناء المذكور تخبرهم فيها أنه بإمكانهم تشغيل الضباط الأجانب على متن بواخرهم ليس كضباط و لكن كوكلاء (جمع وكيل) للمجهز Subrécargues)) دون أن يتجاوز العدد ضابطين إثنين. و تزيد الرسالة توضيحا أن الوكيل المذكور مهمته تمثيل مصالح المجهز و السهر على تسيير الصيد، و هي نفس مهام الربان. فأيهما سيكون الربان الحقيقي: المغربي الذي يفرضه القانون أم الأجنبي الذي له نفس مهام القبطان و يتمتع يثقة المجهز؟
بكل بساطة، إن استبقاء الضباط الأجانب كوكلاء للمجهزليست الا حيلة مكشوفة للالتفاف على منع الأجانب من العمل على ظهر سفن الصيد المغربية ، و هي تخريجة غير قانونية و غير واقعية تتحمل الادارة الوصية على قطاع الصيد البحري مسؤوليتها. و ذلك لأن مقتضيات مرسوم 2006 واضحة و لا تحتمل أي تفسير في أن كل الطاقم يجب أن يكون مغربيا بما في ذلك هذا الوكيل المزعوم على فرض الحاجة إليه.
و الغريب في الأمر أن الرسالة تشرح لمديري الشركات المذكورة من يكون وكيل المجهز السالف الذكر كأنهم مبتدئون في الميدان ، و ذلك لأنه مصطلح غريب عن ميدان الصيد البحري و مستورد من قطاع الملاحة التجارية بهدف ادخال الضباط الأجانب من النافذة بعد أن تم اخراجهم بالقانون من الباب.
و توضح الرسالة السالفة الذكر أن مصادقة الادارة الوصية على اتفاقية المساعدة التقنية بين الشركة المشغلة و الضابط الأجنبي كما تنص على ذلك قوانين مكتب الصرف لم تعد إلزامية. و هو ما يفيد أننا أمام عقد مساعدة تقنية تصرف بموجبه شركة الصيد للوكيل أجرا بالعملة الصعبة الى خارج المغرب. فهل بعد كل المجهود الذي بذلته الدولة في تكوين الضباط المغاربة نحتاج الى مساعدة تقنية من الأجانب تسبب نزيفا في رصيد البلد من العملة الصعبة ؟
لكن يبدو أن هذه التخريجة غير القانونية التي أعادت الضباط الأجانب الى قيادة سفن الصيد المغربية لم تكف شركات الصيد، بل أصروا على ممارسة ضغط على الادارة الوصية على قطاع الصيد من أجل إزالة المنع القانوني في وجه تشغيل الضباط الأجانب. و هو ما أدى الى تضمين مشروع المرسوم هذه الفقرة التي تشكل خطرا على الكفاءات المغربية في قطاع الصيد و تسبب نزيفا في العملة الصعبة للبلد. فهل توافق رئاسة الحكومة على هذا العبث بموارد البلد و مصير كفاءاته في قطاع الصيد البحري؟
* فاتح بنجدي باحث في القانون الخاص و عضو الجمعية المغربية لربابنة صيد الرخويات