بقلم : د سيدي ابراهيم فعراس
رئيس المرصد الوطني للصحة والبيئة والسلامة البحرية
لقد دأب المغرب منذ حصوله على الاستقلال على الانخراط في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان ، وذلك بمصادقته و انضمامه للعديد من الاتفاقيات و المعاهدات الدولية ، كما يشكل حرص المغرب على تسجيل انخراطه الدائم في المنتظم الدولي أحد المحددات الأساسية لسياسته الخارجية ، والتي تتخذ عدة تمظهرات في مقدمتها الاستناد إلى احترام المواثيق الدولية المصادق عليها و دسترتها في الوثائق الدستورية للمملكة، كما سارع المشرع المغربي في اتجاه ترجيح الاتفاقيات الدولية على القانون الداخلي المغربي منذ مدة طويلة، ومن ملامح الأولوية في التشريع المغربي يمكن ذكر قانون الجنسية، ،القانون المتعلق بالمسطرة الجناية،قانون المحاماة، القانون المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة والذي نص صراحة من خلال منطوق المادة 68 على أن مقتضيات أي معاهدة دولية متعلقة بالحقوق المتعلقة بهذا القانون تعتبر قابلة للتطبيق على الحالات المنصوص عليها في هذا القانون ، وفي حالة وجود تعارض بين مقتضيات هذا القانون و مقتضيات معاهدة دولية صادقت عليها المملكة ، تطبق مقتضيات المعاهدات الدولية.
حسما لكل خلاف مرتبط بهذه المسألة ، يشير الدستور المغربي لعام 2011 على التزام واضح بقواعد القانون الدولي المصادق عليها من طرف المغرب ”….فإن المملكة المغربية …. تؤكد و تلتزم بما يلي: ”جعل كل الاتفاقيات الدولية ، كما صادق عليها المغرب، و في نطاق أحكام الدستور، و قوانين المملكة ، وهويتها الراسخة، تسموا، فور نشرها ، على التشريعات الوطنية،والعمل على ملاءمة هذه التشريعات ،مع ما تتطلبه تلك المصادقة” .
يبدو لنا جليا من هذه النصوص تفاوت القيمة القانونية للقانون الدولي على التشريع الوطني ،وذلك بمجرد الإحالة عليه ، أو من خلال الاعتراف الصريح بسموه على القانون الداخلي عند التعارض .
في هذا الإطار حاولنا إثارة هذا الموضوع لحساسية الأوضاع والظروف التي أصبحت تعيشها الموارد البحرية من موارد بشرية ومائية لعل وعسى أن يكون له صدى عند الساهرين على تدبير الشأن العام البحري المحلي والوطني ، و مرجعا لحل كل الإشكالات العالقة سواء المرتبطة بالجانب القانوني،الإداري،التنظيمي،الإجتماعي،الصحي،الحقوقي،أو القضائي،وإشارة لضرورة إعادة النضر في طريقة تدبير ملفات الصيد البحري، بعيدا عن لغة المساومة والصراع و الإنتقام و التشهير و محاولة شل وتشتيت انتباه الرأي العام عن بعض القضايا العالقة !
على سبيل مثال اتفاقيات العمل البحري نجد معايير العمل الواردة في الاتفاقية رقم 188 لعام 2007 لمؤتمر العمل الدولي والتي دخلت حيز التنفيذ و التي صادق عليها المغرب و المتعلقة بالعمل في مجال الصيد تسهم في حماية الصيادين من أشكال العمل غير المقبول ومن انتهاكات حقوقهم، كما تحوي هذه المعايير أحكاما تهدف إلى ضمان تحسن الصحة والسلامة المهنية والرعاية الطبية المقدمة للصيادين في عرض البحر وحصول الصيادين المرضى أو المصابين على الرعاية ، وعلى راحة كافية لاستعادة صحتهم وسلامتهم، وحماية يؤمنها عقد للعمل ، وعلى حماية الضمان الاجتماعي.
تشير الاتفاقية رقم 188 في المادة 08 على مسؤوليات ملاك سفن الصيد والربابنة وصيادي الأسماك حيث تلزم الفقرة ماقبل الأخيرة من المادة السالفة لمؤتمر العمل الدولي الدول الأعضاء ، بأنه ”لا يقيد مالك سفينة الصيد حرية الربان في اتخاذ أي قرار يكون في تقدير الربان من الناحية المهنية ، ضروريا لسلامة السفينة وسلامة ملاحتها ، و سلامة تشغيلها أو سلامة الصيادين على متنها إضافة إلى عدة مسؤوليات أخرى تحددها المادة الثامنة من هذه الاتفاقية”، كذلك تشير المادة 33 من نفس الاتفاقية على أن عمليات تقييم المخاطر فيما يتصل بصيد الأسماك، تجري عند الاقتضاء بمشاركة الصيادين أو ممثليهم ، من جهة أخرى تؤكد المادة 40 على ضرورة ممارسة كل دولة عضو بالاتفاقية رقم 188 بشكل فعال الولاية القضائية والرقابة على السفن التي ترفع علمها ،وذلك بإنشاء نضام لضمان الامتثال لاشتراطات هاته الاتفاقية ،بما في ذلك عند الاقتضاء،عمليات التفتيش والإبلاغ والرصد وإجراءات الشكاوي و الغرامات والتدابير التصحيحية الملائمة ،طبقا للقوانين واللوائح الوطنية ، كما تلزم الاتفاقية نفسها في المادة 43 الدول الدول الأعضاء في الاتفاقية التي تتلقى شكوى أو تحصل على بينة تفيد بأن سفينة صيد تحمل علمها لا تمتثل لاشتراطات هاته الاتفاقية ،الخطوات اللازمة للتحقق من الأمر وضمان اتخاذ التدابير اللازمة لتقويم ما يكتشف من مواطن القصور.
من جهة أخرى يشير المعيار ألف 5-1-5 لمؤتمـر العمـل الدولـي لاتفاقيـة العمـل البـحـري رقم 87، على إجراءات الشكاوى على متن السفن حيث :
يجوز أن يستخدم البحارة أي إجراءات على متن السفينة لتقديم الشكاوى بشأن أي مسألة بدعوى أنها تشكل انتهاكا لاشتراطات هذه الاتفاقية (بما في ذلك حقوق البحارة)، وذلك دون المساس بأي نطاق أوسع قد تمنحه القوانين أو اللوائح الوطنية أو الاتفاقات الجماعية.
كما يجوز للبحارة حسب المعيار ألف2-2-5 تقديم شكوى من بحار على البر بسبب انتهاك اشتراطات هذه الاتفاقية بما في ذلك ”حقوق البحارة” و تقدم الدعوى ألى موظف معتمد في الميناء الذي ترسو فيه سفينة البحار. ويجوز في هذه الحالات أن يجري الموظف المعتمد تحقيقا أوليا يشمل التحقيق الأولي، عند الاقتضاء وحسب طبيعة الشكوى، النظر فيما إذا كانت إجراءات بحث الشكاوى على متن السفينة، بموجب اللائحة 5-1-5 ،قد استكشفت. ويجوز للموظف المعتمد أيضا إجراء تفتيش متعمق وفقا للمعيار ألف 1-2-5 و الذي يسعى الموظف المعتمد من خلاله عند الاقتضاء، إلى تشجيع تسوية الشكوى على متن السفينة.
كذلك نجد المبدأ التوجيهي باء 5-3-4 و المتعلق بتقديم التقارير وجمع الإحصاءات يؤكد على أنه ينبغي أن تقدم تقارير بجميع الحوادث المهنية والإصابات والأمراض المهنية بحيث يمكن التحقيق فيها وجمع إحصاءات شاملة عنها وتحليلها ونشرها، مع مراعاة حماية البيانات الشخصية للبحارة المعنيين. وينبغي ألا تقتصر التقارير على الحوادث المميتة أو على الحوادث التي تصيب السفينة. حيث يجب أن تسجل الإحصاءات عدد الحوادث المهنية والإصابات والأمراض المهنية وطبيعتها وأسبابها ونتائجها، وتبين بوضوح، حيثما ينطبق ذلك، في أي جزء من السفينة وقع الحادث، ونوع الحادث وما إذا كان قد وقع في البحر أو في ميناء. كما تجري السلطة المختصة تحقيقات في أسباب وظروف جميع الحوادث والإصابات والأمراض المهنية التي تسفر عن خسائر في الأرواح أو إصابات شخصية خطيرة، كذلك في غيرها من حالات الحماية الصحية والرعاية الطبية والرفاهة وحماية الضمان الاجتماعي حسب مضامين الاتفاقية 63 كذلك بيئة العمل، مثل الأسطح التي يؤدى عليها العمل وتصميم الآلات وسبل الوصول إليها والإضاءة وأساليب العمل ،كذلك المشاكل الفيزيولوجية أو النفسية الخاصة الناجمة عن التواجد في بيئة السفينة، و المشاكل الناجمة عن الإجهاد البدني على متن السفينة، وخاصة كنتيجة لزيادة عبء العمل،و المشاكل الناجمة عن التطورات التكنولوجية وآثارها وتأثيرها على تكوين الطاقم،و المشاكل الناجمة عن أي أخطاء بشرية.
يؤكد كذلك المعيار ألف 6-2 ، على ضرورة تعويض البحار في حالة فقد السفينة أو غرقها سواء في حالة الإصابة أو الخسارة أو البطالة الناشئة عن فقد السفينة أو غرقها، وذلك بأن يدفع مالك السفينة تعويضا لكل بحار على متنها لمواجهة البطالة الناشئة عن فقد السفينة أو غرقها. وذلك عن الأيام التي يكون فيها البحار عاطلا فعلا عن العمل بنفس معدل الأجر المنصوص عليه في اتفاق الاستخدام، ولكن يجوز أن يقتصر مجموع التعويض المستحق لكل بحار على أجر شهري ، و تتكفل كل دولة عضو أن يتوفر للبحارة وسائل إنصاف قانونية للحصول على هذه التعويضات، مماثلة لتلك التي يلجأون إليها للحصول على متأخرات الأجور أثناء الخدمة وذلك حسب المبدأ التوجيهي باء 1-6-2،وللإشارة فالتزامات المؤمن تهدف إلى تعويض المؤمن له عن الخسارة التي قد تصيب الشيء المؤمن نتيجة سبب معين، وهذا السبب هو الحادث المؤمن منه. ولا يكون للمؤمن له الحق في التعويض إلا إذا كان الضرر راجعا إلى السبب المعين في القانون أو في وثيقة التامين البحري بوصفه الخطر المؤمن منه، كما لا يكون محلا للتعويض إلا الخطر البحري أو الخطر المرتبط به.
عموما يمكننا القول أنه رغم أن قرارات المحكمة الدستورية ”نظريا” هي قرارات باتة ونهائية و ملزمة لكل السلطات العامة و الجهات الإدارية والقضائية ”الفصل 143 ” من الدستور المغربي، إلا أنه يلاحظ أن القواعد المنظمة لهذه الالتزامات في بلدنا أصبحت غير قادرة على مسايرة التطورات الحاصلة في ميدان الاتفاقيات الدولية نتيجة ضبابية وجمود التشريع البحري المغربي وعدم الالتزام بمقتضيات الدستور و الاتفاقيات الدولية والتعديلات التي حصلت في التشريعات البحرية في البلدان المختلفة.وخير دليل على ذلك هي الفكرة الأساسية التي يمكن استنباطها من المفارقة الإشكالية التالية :
ما مكانة اتفاقيات العمل البحري من الدستور المغربي ؟ وما موقع أشخاص البحر من الاتفاقيات التالية ؟ وذلك على سبيل المثال وليس الحصر
- اتفاقية الحد الأدنى للسن للعمل البحري رقم 7 ، 1920
- اتفاقية تعويض البطالة (في حالة غرق السفينة) رقم 8، 1920
- اتفاقية عقود استخدام البحارة رقم 22، 1926
- اتفاقية الإجازات مدفوعة الأجر (البحارة) رقم 54، 1936
- اتفاقية التزامات صاحب السفينة (في حالة مرض أو إصابة البحارة) رقم 55، 1936
- اتفاقية 1969 بشأن التدخل في أعالي البحار في حالات الكوارث الناجمة عن التلوث
- اتفاقية أوسلو 1972 بشأن منع التلوث البحري من خلال إلقاء النفايات من الطائرات والسفن.
- اتفاقية واشنطن 1977 في إطار منظمة العمل الدولية ، بشأن حماية العمال من الأخطار المهنية الناجمة في بيئة العمل عن تلوث الهواء وعن الضوضاء والاهتزازات
- اتفاقيات الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982
- الاتفاقيات التابعة لمنظمة الملاحة الدولية 1973
- اتفاقية التأمين الصحي (البحارة) رقم56 ، 1936
- اتفاقية ساعات العمل وأعداد العاملين على ظهر السفن رقم57 ، 1936
- اتفاقية الحد الأدنى للسن (العمل البحري) (مراجعة) رقم 58، 1946
- اتفاقية الغذاء وتقديم الوجبات (أطقم السفن) رقم 68، 1946
- اتفاقية الضمان الاجتماعي (البحارة)، رقم 70
- اتفاقية الإجازات مدفوعة الأجر (البحارة)، رقم 72
- اتفاقية الفحص الطبي للبحارة، رقم 73
- اتفاقية إقامة الأطقم،) رقم 75
- اتفاقية الأجور وساعات العمل وأعداد العاملين على ظهر السفن، رقم 76
- اتفاقية الإجازات مدفوعة الأجر (البحارة) (مراجعة)، رقم 91
- اتفاقية إقامة الأطقم (مراجعة)، رقم 92
- اتفاقية الأجور وساعات العمل وأعداد العاملين على ظهر السفن (مراجعة)، رقم 93
- اتفاقية الأجور وساعات العمل وأعداد العاملين على ظهر السفن (مراجعة)، رقم 109
- اتفاقية الوقاية من الحوادث (البحارة)، رقم 134
- اتفاقية استمرار الاستخدام (عمال البحر)، رقم 145
- اتفاقية الإجازات السنوية مدفوعة الأجر (البحارة)، رقم 146
- اتفاقية رعاية البحارة، رقم 163
- اتفاقية الحماية الصحية والرعاية الطبية للبحارة، رقم 164
- اتفاقية الضمان الاجتماعي للبحارة (مراجعة)، رقم 165
- اتفاقية إعادة البحارة إلى أوطانهم (مراجعة)، رقم 166
- اتفاقية تفتيش العمل (البحارة)، رقم 178
- اتفاقية تعيين وتوظيف البحارة، رقم 179
لذلك فنحن ننادي بضرورة وضع قانون بحري جديد وذلك على هدي التشريعات المقارنة، مع جعل الصياغة العربية المصدر الأول لحل النزاع. و لا يسعنا قبل نهاية هذا المقال إلا أن نضم صوتنا إلى من نادوا بأن يستقل تشريعنا وفقهنا، عن القانون والفقه الأجنبيين، وأن نفرغ فقهنا في إطار مغربي صميم متميز بمقوماته الذاتية، وإن كان المصدر التاريخي لبعض تشريعاتنا أجنبيا، ذلك أن النصوص المغربية يجب أن تعيش في الواقع و البيئة التي تطبق فيها.