يبدو أن ملف مجموعة أومنيوم المغرب للصيد بطانطان في علاقتها بأطقمها البحرية، قد وصل إلى النفق المسدود، بعد أن نفذت مصالح مندوبية الصيد البحري بالإقليم عملية الإتزال الجماعي للأطقم، التي تنشط على متن سفن أسطول الصيد بأعالي البحار التابع للمجموعة.
ولم تفلح مختلف المبادرات التي قادها مجموعة من الفاعلين في تدويب الهوة الحاصلة بين الطرفين، ودفع الأطقم البحرية إلى إستئناف نشاطها ، في سيناريو يعيد للأدهان الأزمة التي ضربت هذه العلاقة قبل سنوات، خصوصا بعد أن تحولت مطالب البحارة، من مجرد مطالب برفع الأجور، إلى إمتناع عن الإبحار تحت شعار “خليه مربوط”. وهو ما كبد المجموعة خسائر وصفت بملايين الدراهم، على إثر ضياع الأيام الأولى من العمل ضمن موسم الأخطبوط ، الذي تعول عليه الشركات البحرية في تحقيق صيد، يبعث الإطمئنان حول المستقبل الشتوي الحالي.
وتعددت الأراء حول ما أفرزه التوثر الحاصل بين الطرفين، خصوصا عملية الإنزال التي نفذتها الشركة في حق أطقمها، ففي وقت سارع فيه متزعمو الحراك إلى القول بكون الخطوة، تدخل في نطاق الطرد التعسفي ، والتخلي عن البحارة، ذهبت مصادر محسوبة على المجموعة وكذا مهتمين بالشأن القانوني البحري، إلى التأكيد على كون الخطوة قانونية، خصوصا بعد أن تشبت البحارة برفض الصعود إلى سفن الصيد. وهو ما يجعلهم امام الإخلال بإلتزاماتهم التي ينظمها العقد الذي يربط المجموعة بالأطقم البحرية.
إلى ذلك ذهبت جهات محسوبة على الشركة إلى التأكيد على كون بعض الأطراف المتورطة في تجيشش البحارة ضد الشركة، قد نجحت إلى حد بعيد في نفث سمومها العدائية ضد المجموعة، والتي تعد من بين أكبر الشركات تشغيلا للبحارة، حتى أنها تعد متنفسا إقتصاديا بالإقليم ، مبرزة في ذات السياق أن النية المبيتة، بدت واضحة من خلال الترويج لمنشور على مواقع التواصل الإجتماعي يجرّح المجموعة ، ويتهمها بنهب الثروة، وعدم المساهمة في الإقتصاد المحلي. بل ذهب ذات المنشور إلى العزف على الوثر التحريضي لدفع الساكنة، إلى معاداة المجموعة وتقليب البحارة ضد مصالحها.
وطفت على السطح مجموعة من التحديات الإجتماعية، بعد أن وجد البحارة أنفسهم مشاركين في حراك سوٌق له تصور إيجابي، بكونه سينتهي برفع الأجور، وإيصالها إلى سقف 10000 درهم، مع تحقيق مجموعة من الإمتيازات، التي رفعها الحراك لاستمالة البحارة ، دون أن يكون في الحسبان، أن المجموعة ستنفذ في حقهم إنزالا جماعيا، يهدد مستقبلهم وعلاقاتهم الأسرية والإجتماعية. وهو ما بدا واضحا ، بعد أن ظهر الندم بارزا على عدد من البحارة. هؤلاء الذين عبروا عن رغبتهم في إستئناف نشاط الصيد. خصوصا بعد ان طفت على السطح مجموعة من النداءات الداعية إلى الإستماع إلى لغة العقل ، لأن يوم واحد من الإحتجاج، كان سيكون كافيا في إرسال إشارات لإدارة الشركة، بخصوص عدم رضى البحارة عن وضعيتعم الإجتماعية، إن كان بالفعل، الملف الاجتماعي هو الذي يحرك المحتجين.
ويعيش العالم الإفتراضي حربا ضروسا بين الأطراف المتطاحنة في هذا الملف، فبين منشورات تحرض ضد المجموعة، وتحفز البحارة على الإستمرار في الإحتجاج لتركيع الشركة، وإجبارها على الإستجابة للملف المطلبي للمحتجين، يحذر طرف أخر، من الإنسياق وراء المطالب التي ترفعها الأطراف المتزعمة للحراك، لكونها مطالب غير واقعية. مبرزة أن هذه الأطراف تقف وراءها جهات، يحكمها نازع الحقد على الإستثمار، وتستهدف مصلحة الإقليم. لاسيما أن الملف المطلبي قد فرض على البحارة، ولم يكونوا مشاركين في صياغته أو وضع أولوياته.
وإتجه البعض إلى تحكيم أعيان المنطقة، وعلى رأسهم مباركة بوعيدة رئيسة جهة كلميم واد نون أو “فكاكة الوحايل” كما يحب البعض تلقيبها، بعد ان إستطاعت إنجاح وساطتها في إخراج مجلس الجهة من النفق المسدود . إذ تم ترويج إسمها في منشور إفتراضي يؤكد قرب حلولها بطانطان، لرعاية حوار مفتضر بين الطرفين. وإن كان هذا المنشور يرى فيه البعص نوعا من الإنتقاد للحياد السلبي، الذي مارسه الفاعلون السياسيون بالمنطقة عموما، فقد ذهبت أطراف أخرى للقول أن الزج بإسم بوعيدة، قد يكون مجرد تصريف للأزمة الداخلية وحالة الفراغ، التي أصبح يعيش على إيقاعها الشكل الإحتجاجي، بعد خبر الإنزال الذي كان له وقع قوي على المكونات البحرية.
ومع إستمرار التطاحنات، يبقى المتضرر الأكبر هو الشركة، التي تخسر الملايين بشكل يومي في ظل إستمرار سفنها مرابطة بالميناء، ونزيف أيام العمل، ثم البحارة الذين هم اليوم في وضع إجتماعي مثقل بالمصاريف. حتى أن أحد البحارة صرح بالقول، “أن سعادة البحار تكمن في دوران “الناعورة”، حيث يتحرك الجيب الذي يعطي الإطمئنان، على مجابهة حاجيات الحياة، في إقليم يعاني من ضعف فرص الشغل وقلة الحيلة”. تم تأتي في الموقع الثالث في طبور المتضررين المدينة، إذ بدأت سلطات الإقليم تتوجس من أزمة إجتماعية تلوح في الأفق. ما يتطلب إنخراط مختلف المتدخلين، لإعادة زرع الثقة بين الشركة وأطقمها البحرية للإطمئنان على المستقبل القريب.