من أجل بورصة وطنية للسمك الصناعي .. نحو عدالة تسويقية وإنصاف وحدات المعالجة

0
Jorgesys Html test

بقلم : عبد الخالق جيخ *

في خضم الجدل القانوني والمهني الذي شهده قطاع الصيد البحري بالمغرب مؤخرًا، أثيرت بقوة قضية خرق مبدأ حرية الأسعار والمنافسة، خصوصًا في ما يتعلق بطريقة تسويق المنتوجات البحرية، وعلى رأسها السردين الصناعي. ورغم أن تسوية النزاع مع مجلس المنافسة عبر آلية الإجراءات التصالحية أغلقت الملف قانونيًا، فإن الثمن المدفوع كان باهظًا، خاصة من قبل الجمعيات المهنية التي اضطرت إلى أداء غرامات تُفهم ضمنيًا كاعتراف بالمسؤولية، رغم أن هذه الأخيرة لا تتحمل مباشرة مسؤولية تسويق المنتوج.

هذا الوضع يُعيد إلى الواجهة الحاجة إلى معالجة جذرية لمنظومة تسويق السمك الصناعي، بما يتماشى مع القانون 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، خصوصًا في مواده 6 و7 و10، التي تحظر الممارسات التعسفية في السوق، وتبطل قانونًا أي اتفاقات مهنية تقيد حرية العرض والطلب. إذ ووفق منطوق هذه المادة 10 فيعد باطلا بقوة القانون كل التزام أو اتفاقية أو بند تعاقدي يتعلق بممارسة محظورة تطبيقا للمادتين 6 و7 من ذات القانون. قد يمكن أن يثار البطلان المذكور من لدن الأطراف والأغيار على السواء. ولا يجوز الاحتجاج به على الأغيار من لدن الأطراف، وتعينيه إن اقتضى الحال المحاكم المختصة التي يجب أن يبلغ إليها رأي مجلس المنافسة أو قراره إن سبق اتخاذه.

ونصت المادة 7 على حظر قيام منشأة أو مجموعة منشآت بالاستغلال التعسفي  لوضع مهيمن في السوق الداخلية أو جزء هام من هذه السوق ؛ أو لحالة تبعية اقتصادية يوجد فيها زبون أو ممون وليس لديه أي بديل مواز. وذلك عندما يكون الغرض منه أو يمكن أن تترتب عليه عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها. كما يمكن أن يتجلى التعسف بوجه خاص في رفض البيع أو في بيوع مقيدة أو في شروط بيع تمييزية وكذا في قطع علاقات تجارية ثابتة لمجرد أن الشريك يرفض الخضوع لشروط تجارية غير مبررة. ويمكن أن يتجلى كذلك فيما يفرض بصفة مباشرة أو غير مباشرة من حد أدنى لسعر إعادة بيع منتوج أو سلعة أو لسعر تقديم خدمة أو لهامش تجاري.

وعلى الرغم من كل ما أثير ، فواقع الحال يؤكد مواصلة المكتب الوطني للصيد البحري إعتماده لنظام “مركز فرز السمك الصناعي” (CAPI) في تسويق السردين، وهو نظام يقوم على اتفاقيات مهنية تُحدّد الأسعار مسبقًا ، وتُمنح عبره امتيازات لصالح بعض الفاعلين، مثل منحة الشبكة، مما يُعد خرقًا صريحًا للمقتضيات القانونية المؤطرة للمنافسة الحرة. وقد ساهم هذا النظام في خلق اختلالات واضحة، خاصة بموانئ الجنوب كميناء المرسى بالعيون، وبوجدور والداخلة، حيث تُفرغ كميات هائلة من الأسماك السطحية الصغيرة  دون أن تنعكس على دينامية الكثير من المعامل المحلية، التي تعاني من التهميش وانخفاض في نسب التشغيل، التي وصلت في بعض الفترات إلى أقل من 25% من طاقتها الإنتاجية.

ويعود هذا التراجع، أساسًا، إلى احتكار قنوات التوزيع، وغياب آليات شفافة لتحديد الأسعار، مما يؤدي إلى إقصاء وحدات التصبير والتحويل، التي تجد نفسها عاجزة عن التزود بالكميات اللازمة من المواد الأولية رغم وفرة المصطادات، في مفارقة صارخة تضر بالاستثمار المنتج وتضعف الاقتصاد المحلي. هذا ما رفع من حالة الاحتقان ودفع بالمعامل الى التهديد بوضع المصانع تحت تصرف السيد ولي الجهة.

عبد الخالق جيخ

وأمام هذه الوضعية، يبرز مقترح إحداث بورصة وطنية خاصة بالسمك الصناعي كخيار استراتيجي لإعادة تنظيم السوق وضمان العدالة في الولوج إلى المادة الأولية. فهذه البورصة ستمكّن من ضبط الأسعار عبر آلية المزايدة الحرة، بدلًا من الأسعار المفروضة باتفاقيات مسبقة؛ وتوفير منصة شفافة لتصريف المنتوجات البحرية، بما يضمن الولوج المنصف للوحدات الصناعية؛ وإرساء عدالة سوقية تراعي مبدأ تكافؤ الفرص بين الفاعلين، خاصة في الأقاليم الجنوبية؛ ثم تجاوز حالة التنافي القانوني التي يشهدها الوضع الراهن، والقطع مع ممارسات الهيمنة غير القانونية.

ولتحقيق هذا الهدف، فإن إحداث منصة رقمية وطنية تحت إشراف جهة عمومية مستقلة — أو المكتب الوطني للصيد البحري بعد إصلاح إطاره التنظيمي — سيكون خطوة ضرورية، لتدبير عمليات البيع إلكترونيًا، وتنظيم السوق وفق قواعد قانونية واضحة ومتطابقة مع روح القانون. حيث يتجاوز هذا المقترح البعد التقني ليرتقي إلى مستوى دعوة سياسية وتشريعية لتحديث تدبير الثروة البحرية، عبر خلق آليات مؤسساتية جديدة، تحترم القانون وتضمن استدامة الموارد وعدالة توزيعها. كما يُعد لبنة أساسية في بناء اقتصاد أزرق منصف، يدمج الصناعات المحلية في صلب سلاسل القيمة، ويحد من الريع والاحتكار.

لللإشارة وعلى سبيل الختم فبناء بورصة وطنية للسمك الصناعي  يعد مطلبا مهنيا منذ سنوات بإعتباره مدخلا لإرساء الشفافية، وتحقيق الإنصاف الاقتصادي، وتمكين المناطق الساحلية  من الاستفادة الفعلية من ثرواتها البحرية، في انسجام مع المبادئ الدستورية للتنمية الجهوية، ومقومات العدالة الإقتصادية.

كتبها للبحرنيوز عبد الخالق جيخ ، فاعل كنفدرالي ومدون مهتم بالصيد الساحلي 

Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا