تداول نشطاء على مواقع التواصل الإجتماعي مقاطع فيديو وصوراً توثق لحظة ترحيل البحارة المغاربة إلى العاصمة الإسبانية مدريد بعد أن كانوا قد وصلوا إلى جزيرة لانزاروت على متن مركب الصيد “لاكلونتين”، والذي سبق أن اختفى من ميناء أكادير. وقد رافقت هذه المواد المصورة تعليقات تدعي أن البحارة تم منحهم اللجوء السياسي من طرف السلطات الإسبانية، وهو ما أثار موجة من التساؤلات والجدل في الأوساط المهنية البحرية بالمغرب.
وقد أربك هذا الجدل الوسط المهني البحري، حيث عبّر عدد من المجهزين والفاعلين في قطاع الصيد عن مخاوف جدية من تحوّل مثل هذه الحوادث إلى “موضة” للهجرة غير النظامية عبر استغلال المراكب التجارية والصناعية، خاصة إذا ثبتت صحة ما يتم تداوله بخصوص منح اللجوء للمتورطين. حيث أكد عدد من المهنيين أن هذه الواقعة تشكل تهديداً مباشراً لأمن الاستثمارات البحرية، وتزيد من هشاشة الثقة في منظومة مراقبة الأسطول الوطني، ما قد ينعكس سلباً على صورة القطاع داخل وخارج المغرب.
وكان ميناء أكادير قد سجّل، في وقت سابق، اختفاء مفاجئاً وغامضاً لمركب صيد سردين في ظروف شابها الكثير من الغموض. قبل أن تظهر صور المركب لاحقاً في ميناء “لوس مارموليس” بمدينة أريثيفي بجزر الكناري، حيث تقدم 14 بحاراً مغربياً من طاقمه بطلبات لجوء لدى السلطات الإسبانية.
في المقابل، تقدم مجهز المركب وربانه بشكاية رسمية لدى كل من مصالح الدرك الملكي البحري ومندوبية الصيد البحري بأكادير، تفيد بـ”الاستيلاء غير المشروع على المركب وخيانة الأمانة”، وهي التهم التي تلاحق البحارة حالياً أمام النيابة العامة، إلى جانب شبهة الهجرة غير النظامية، خصوصاً مع وجود قاصر من بين الموقوفين.
وبالرغم من الزخم الذي أحدثته فيديوهات الترحيل، فإن منح اللجوء السياسي في مثل هذه الحالات يُعتبر مستبعداً قانوناً. فوفقاً للقانون الإسباني رقم 12/2009 المتعلق باللجوء والحماية الثانوية، لا يُمكن منح اللجوء لأشخاص تورطوا في جرائم خطيرة أو أعمال تهدد النظام العام. حيث تنص المادة 11 من القانون على استبعاد طلبات الحماية الدولية التي يُثبت فيها أن المتقدم ارتكب أفعالاً جنائية غير ذات طابع سياسي. وهذا ما ينطبق على الحالة موضوع الجدل، إذ إن التهمة الأساسية تتعلق بخيانة الأمانة واختطاف مركب صيد واستخدامه لعبور الحدود دون إذن.
وعملياً، تعتمد السلطات الإسبانية على آلية “الإعادة الفورية” (devolución) في التعامل مع المهاجرين غير النظاميين، لا سيما في حالة وجود شبهة جنائية. وتُعامل هذه الحالات بحزم دون الدخول في مسطرة لجوء كاملة، خاصة عندما يتم التسلل عبر قوارب أو سفن دون صفة قانونية. وحتى في حال نجاح المتورطين في دخول التراب الإسباني بشكل مؤقت أو قانوني، فإن تورطهم في جريمة اختطاف المركب، يُعد سبباً كافياً لرفض طلبهم فوراً، وتفعيل إجراءات الترحيل أو المتابعة القضائية.
وأمام ما بات يُوصف بـ”السابقة الخطيرة” بميناء أكادير، تعالت أصوات ، تطالب السلطات المغربية بإصدار مذكرة بحث دولية في حق المتورطين، والتنسيق مع نظيرتها الإسبانية لمتابعة الملف في إطار التعاون القضائي والأمني القائم بين البلدين، خاصة في ما يتعلق بمكافحة الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية العابرة للحدود.
وتظل هذه القضية مفتوحة على احتمالات قانونية ودبلوماسية متعددة، في ظل تقاطعها مع ملفات حساسة مثل أمن البحار، مكافحة الهجرة غير الشرعية، واحترام السيادة القانونية للدول. ويبقى الرهان الأكبر في تعامل السلطات المغربية مع الملف بصرامة تحفظ هيبة القانون وتحمي مصالح مهنيي قطاع الصيد البحري، دون إغفال أبعادها الإنسانية والأمنية.
.