ما أن هلت أولى بشائر المطر حتى تغيرت قسمات البشر بالبر والبحر، ففي وقت يعتبر فيه الفلاحون أن التساقطات المطرية ستنعش الأمال في موسم فلاحي جيد، تختلف الرويات بخصوص تأثير التساقطات المطرية على تطور المصايد. لكن لن يختلف إثنان عن كون المطر يعيد الحياة للأنهار والوديان، لتسارع خطواتها في الوصول للبحر ومعانقة أمواجه.
فبعد أمطار الخير التي شهدتها مجموعة من جهات المملكة، بدأت مجموعة من الوديان تستعيد شيء من بريقها كما هو الشأن لوادي تانسيفت ، الذي عاش وضعا صعبا مؤخرا يدت تجلياته واضحة، من خلال نفوق الأطنان من الأسماك على جنبات مصبه على مقربة من سواحل الصويرية القديمة. فيما تدخلت السلطات المحلية وكذا قطاع التجهيز من خلال تسخير الأليات اللازمة لفتح المصب اتجاه البحر، ما مكن من الانسياب الطبيعي لسيلان مياه الأمطار، وعودة الوادي للجريان املا في التخلص من الصعوبات التي رافقته مؤخرا، حيث تم توجيه أصابع الإتهام لمادة المرجان التي تورط معاصر الزيتون بالمنطقة.
وإذا كان هذا حال وادي تانسيفت فنهر ام الربيع بدوره ليس بخير، بعد تراجع صبيبه ، فيما تنتظر مجموعة من الوديان على المستوى الوطني ، فرصتها في الجريان للتدفق في إتجاه البحر كوجهة تقليدية، بعد ان عطلها جفاء المطر ونذرة التساقطات. فيما يطرح هذا التواصل بين الوديان المحملة بمياه المطر الكثير من وجهات النظر، حول أحقية هذا العناق بين البحر والوديان، ومدى تأثيرها على المصايد والأحياء البحرية.
رشيد واحد من بحارة الصيد التقليدي، أكد للبحرنيوز ان الماء الحلو من الجيد إنسلاله للبحر، بإعتباره يساهم في إستقطاب الكثير من الأنواع السمكية في إتجاه الشاطئ لوضع بيوضها، وكذا الإقتيات على العوالق والكائنات الحية والحشرات والفطريات التي ترافق مياه المطر الى البحر، أوما تجلبه الأودية من أملاح وعوالق تكون مصدرا للغذاء.
كما أن الماء الحلو يكون سببا في إبعاد مجموعة من الأحياء البحرية التي تزعج الصيادين يقول رشيد ، كما هو الشأن لسرطان البحر أو عرقشة التي تفر في إتجاه الأعماق، بعيدا عن الماء الحلو. مسجلا في ذات السياق ان هناك أنوع تتأثر بمياه الأودية الناجمة عن التساقطات المطرية، كما هو الشأن للأخطبوط الذي يبتعد عن المصبات ويتجه نحو الأعماق عند تساقط المطر.
وسجل المصدر أن السيول المتأتية من ماء المطر ، يكون لها بالمقابل تأثير سلبي لكونها تجرف معها الكثير من الأزبال والمخلفات الخطيرة، التي يرمى بها في الوديان. وهو ما يؤثر سلبا على البيئة البحرية. إذ اكد المصدر أن البحارة يتحاشون الصيد في مصبات الوديان والأنهار في هذه الظرفية، لكون شباكهم عادة لا ترفع إلا أكواما من الأزبال والرواسب من البلاستيك والأثواب والأخشاب وغيرها. وهو ما يعتبر حسب رشيد إستهلاكا للجهد وإضرارا بمعدات الصيد. فيما أشار المصدر أنه وبالرغم من ذلك، فمياه المطر يكون لها الأثر الإيجابي مع مرور الوقت، حيث تنتعش المصايد التي تصبح أكثر غنى بمختلف الأحياء البحرية في فصل الشتاء المطير.
غير أن انتعاش الثروة السمكية خلال الفترات الشتوية يربطها المختصون بظاهرة طبيعية تتميز بها السواحل المغربية، من خلال حركة مياه البحر الباردة المتواجدة بالاعماق ، والتي تطفو على السطح، بفعل الرياح الشرقية الغربية المصاحبة للأمطار، والتي عادة ما تحمل معها المواد الغذائية المترسبة في الأعماق. وهذه الظاهرة مرتبطة أساسا بهبوب الرياح التي تصاحب عادة نزول المطر.
ويسجل العارفون بخبايا الحياة البحرية وظواهرها، ان تسرب مياه المطر عبر الوديان إلى البحر يكون لها تأثير سلبي على سلامة الأصناف السمكية، التي إعتادت على العيش في المياه المالحة. كما أن كثرة هذه المياه، تساهم في تضرر المصايد واختناق الأسماك خاصة حديثة الولادة منها ، بفعل الأوحال المرافقة لمياه الوديان. خاصة وأن مياه الأودية تتركز في الأميال البحرية المحادية للشاطئ، مكان توالد الأسماك. وبالتالي مكان تواجد الأسماك الصغيرة سريعة الثأثر. كما ان انصباب مياه الوديان (العدبة) في الواجهة البحرية، يدفع الكثير من الأصناف السمكية، إلى النفور والتوجه نحو الاعماق هروبا من التقلبات المتواجدة بالسواحل.
إلى ذلك تعلو الأصوات في أوساط المهتمين بالشؤون البيئية، إلى ضرورة الإهتمام بمجاري الوديان والأنهار، وتلافي رمي المخلفات الصلبة وكذا كل ما من شأنه أن يشكل خطرا على البحر مع أول جريان لهذه الأودية، عند سقوط المطر، بإعتبار هذه السلوكات يكون لها الأثر السلبي على المصايد والبيئة البحرية عموما.