بالرغم من اشتداد الأزمة التي تعيشها الجارة الشرقية الجزائر نتيجة انهيار أسعار النفط و بروز بوادر احتقان اجتماعي خطير يهدد استقرار البلاد، إلا أنه لم يتم الإعلان لحد الآن عن تجميد أو إلغاء أي من المشاريع البحرية المعلنة من طرف السلطات الجزائرية.
ففي الوقت التي تمت فيه المبادرة إلى تجميد مهم للاستثمارات في النقل السكككي و الطرقي لم تعرف تلك المخصصة للقطاع البحري و المينائي أي توقف. بل بالعكس تماما، فبالإضافة إلى الإبقاء على صفقة تعزيز الأسطول الملاحي الجزائري بشراء مجموعة من بواخر الشحن و المسافرين بقيمة مليار دولار، تم الإعلان مؤخرا عن توقيع اتفاق مهم بين الجزائر و الصين لتشييد ميناء ضحم جديد وسط الجزائر باستثمار يناهز 3،3 مليار دولار و يهدف هذا الاستثمار لإنشاء قاعدة لوجستية مهمة للبضائع الصينية المتجهة أساسا نحو إفريقيا.
فبعكس ميناء طنجة المتوسط المغربي الذي يعتمد أساسا على نشاط إعادة الشحن Transbordement نحو موانئ إفريقية أو عالمية أخرى فإن الميناء الجزائري الجديد يطمح إلى أن يصبح ميناء التفريغ النهائي للبضائع الصينية المتجهة إلى إفريقيا ليتم نقلها بعد ذلك عبر الطريق إلى مجموع الوجهات الإفريقية عبر سلوك الممر الطرقي الإفريقي الذي سيربط ميناء العاصمة الجزائرية الجديد و ميناء العاصمة الجنوب إفريقية كيب تاون و ذلك بفضل مبادرة نيباد NEPAD للنقل التي تهدف إلى ربط شمال القارة بجنوبها عبر تعزيز البنيات التحتية و خاصة تلك المخصصة للنقل الطرقي و البحري اللذان يعدان الأقل كلفة و الأكثر شيوعا بالقارة.
وسيمكن هذا المشروع الذي يزاوج بين النقل البحري و النقل الطرقي، الجارة الجزائر و حليفتها جنوب افريقيا من إعادة هندسة مسارات أروجة البضائع نحو إفريقيا و ما تفويت إنجاز الميناء الجزائري الجديد إلى الفاعل الصيني ما هو إلا بهدف ضمان نجاحه عبر خلق انتفاع مباشر له.
و سيكون لهذه المشروع إن تم تنفيذه آثار وخيمة على المغرب و خاصة ميناء طنجة المتوسط الذي تشكل السلع المتجهة إلى إفريقيا و خاصة الصينية منها 40% من رواجه الحالي. و بهذا ستتمكن الجزائر من خنق التمدد الإفريقي للمغرب خاصة عن طريق إضعاف ميناء طنجة المتوسط الذي يعتبر اليوم بفضل ربطه البحري أول قاعدة لوجستية للقارة من خلال تصنيفه في المرتبة 16 عالميا. و يشكل محاصرة التواجد الاقتصادي المغربي و خاصة التجاري منه عبر تقويض سلسلته اللوجستية هاجسا حقيقيا لصناع القرار الجزائريين كما صرح بذلك مؤخرا علي حداد رئيس الباطرونا الجزائري حيث اعتبر التمدد الإفريقي للمغرب هاجسا حقيقيا للجزائر.
و بينما تخطط الدول الصديقة (اسبانيا) و الشقيقة(الجزائر) لتحييد و تقويد دور المغرب المتعاضم في كل من المتوسط و إفريقيا يبرز اليوم جليا ضعف المسؤولين المغاربة الحاليين المكلفين بالقطاع البحري و المينائي في استشراف معالم التحول الجوهري الذي يعيشه عالمنا اليوم. فالتعطيل الذي يعيشه مشروع ميناء ناظور شرق المتوسط الذي كان أساسا سيتم بشراكة مع الصينيين في 2009 و السماح للصينيين بولوج ميناء طنجة المتوسط 1 عبر بوابة المساهمة ب49% في رأسمال Terminal Link التي تمتلك حصة الأسد في كل من الفاعل المينائي Eurogate Tangier في طنجة المتوسط و SOMAPORT في ميناء الدارالبيضاء أفقد المشاريع المينائية المغربية و خاصة مشروع ميناء طنجة المتوسط 2 و ناظور شرق المتوسط و TC3 بميناء الدار البيضاء أي ميزة تفاضلية مقارنة مع المشاريع المينائية الأخرى بالمنطقة.
فبوفاة السيد مزيان بلفقيه رحمه الله و تواري الكابتن كاريا عن الأنظار لأسباب صحية اكتشف الكل عورة أولئك الموظفين السامين المشرفين على القطاع، حيث لم تتفتق عبقرية واحد منهم إلى اليوم عن وسيلة تعيد المملكة في ريادة السباق الذي كان سباقا إليه. و خير دليل على ذلك اعتراف الوزير الوصي على القطاع برفض أعلى سلطة في البلاد لمختلف الدراسات التي تهم ميناء ناظور شرق المتوسط و التدخل الشخصي لجلالته للتسريع بإنجاز ميناء القنيطرة الأطلسي و جمود تفويت ميناء طنجة المتوسط 2 رغم انتهاء الأشغال الأولية به منذ عامين، كل هذا يبرهن اليوم على المقاربة الوظيفية للمناصب التي يحتلها البعض و غياب النظرة الاستراتيجية في التسيير.
انتكاسة و غرق الأسطول البحري الوطني بسبب غياب النظرة الاستراتيجية كان لابد أن تكون له ارتدادات قوية على مستوى القطاع المينائي فمنظري فرضية عدم ارتباط الشأن البحري المينائي يكتشفون اليوم السقوط المدوي لأطروحاتهم و كما يقول المثل الشعبي “فكها ألي و حلتها”.
البحرنيوز / كتبها المصطفى فاخير نقلا عن maritimenews.ma