تتشابه الظروف الراهنة بمصايد التهيئة جنوب سيدي الغازي لذات الظروف التي سبقت عام 2004، التي بلغت فيه ذات المصايد أزمة حقيقية مترتبة عن فوضى كبيرة ، أثارتها ألاف القوارب التقليدية غير القانونية، بعد استخدامها للاكتشاف المتمثل في الألية المدمرة ( غراف البلاستيك )، الدي يستهدف إناث الأخطبوط محدثة ذمارا خطيرا، كان من ورائه تدخل بعض الغيورين على الخط بمعية وزارة الصيد البحري أنداك ، حيث تم وضع مخطط تهيئة مصايد جنوب سيدي الغازي، أو ما بات يعرف ب “لاماتريس”. غير أنه مرور قرابة 15 سنو عن إطلاق المخطط تطرح اليوم مجموعة من الأسئلة، من قبيل هل ستكون المصايد أمام أزمة جديدة تضرب الاقتصاد الوطني، وتحدث ضحايا الأساطيل الثلاثة، التي تراهن على الأخطبوط ؟ هل التدابير، و القوانين التي اتخذتها وزارة الصيد البحري على مدار هده السنين، لم تكن كافية بشكل أكبر للحفاظ على صنف الأخطبوط ؟ وهل الأليات المستخدمة في استهداف الأخطبوط هي السبب ؟ و كيف يجب الاستعداد لمواجهة الأزمة المرتقبة ؟
حصيلة الموسم الصيفي 2019 تلوّح الى أزمة رخوية في الأفق
يبدو أن مخزون الأخطبوط بمصايد التهيئة جنوب سيدي الغازي، وصل الى طريق مسدود على صعيد قطاع الصيد البحري، حيث تعتبر النتائج المحققة، والأخبار المتداولة مقلقة، على ضوء أزمة تلوح في الأفق، مضيفة مزيدا من التعقيد الى وضع معقد أساسا. وعلى الرغم من الأصوات والحناجر التي دقت ناقوس الخطر، يبدو صراخها و تحذيراتها تمددت نحو الحصيلة النهائية، بعد انصرام الموسم الصيفي 2019، حيث ستواجه وزارة الصيد البحري، و معها مهنيي القطاع تحديات، بصورة مطردة، بسبب عدم القدرة بالنسبة لوزارة الصيد البحري على تطبيق القوانين الزجرية بحذافيرها. ومنح المعهد العلمي للبحث في الصيد صلاحيات في اتخاد التدابير، التي يراها مناسبة و خاصة على مستوى أليات الصيد المستعملة، و إذعان المهنيين الى القوانين الرامية للحفاظ على المخزون السمكي.
ويكاد يجزم المتتبعون للشأن البحري ، بكون قطاع الصيد البحري تلقى صفعة كبيرة، بفعل تدهور مصايد التهيئة جنوب سيدي الغازي، إضافة الى تراجع أسعار البيع واندحار محاور التثمين و التنافسية. لدا لم يعد أمام وزارة الصيد البحري، سوى خيارات محدودة كانت قد قدمت لها من قبل، من مثل اعتماد الغراريف المصنوعة من الطين، حفاظا على البيئة البحرية من الذمار، الذي يحدثه البلاستيك، و أيضا حفاظا على صنف الأخطبوط، و خاصة الإناث من خلال وضع أكبر عدد من القوارير الطينية، بصفة نهائية في أماكن التوالد و التكاثر.
مطالب بخطة طوارئ أولية والتفكير في إجراءات هيكلية
إن أخبار نتائج الصيد الكارثية القادمة من جنوب سيدي الغازي، تمثل تحديا عسيرا يصعب تخطيه، ما ينبغي أن يشكل تطبيق خطة طوارئ كخطوة أولى قبل اعتماد إجراءات هيكلية. وذلك بغية تحقيق ذلك، و إجراء نقاش مفتوح بشأن حقيقة الكتلة الحية من صنف الرخويات، وبشكل دقيق، مستقبل مواسم الأخطبوط في القادم من الشهور بمصايد التهيئة. على أن يتم تركيز الجهود، بهدف إعادة توجيه المهنة والمهنيين الى تصحيح مسار الحفاظ على الثروة السمكية، وتفعيل إجراءات الصيد المسؤول، وتطوير الحلول الرامية الى الرفع من المخزون السمكي.
ونحن امام هذه الوضعية التي تميل لتكون قاتمة ، نطوي السنوات لنعود القهقرى إلى الوراء، حين قدم أحد الباحثين مشروع تثبيت ووضع قوارير مصنوعة من الطين في قاع البحر بصفة نهائية، كشعب اصطناعية، وملاجئ لإناث الأخطبوط في مرحلة الوضع، حيث سبق وأن نجحت اليابان في اختبار مثل هذه الإجراءات بشكل كبير،. و هدا مخرج حقيقي لأزمة الشح في صنف الأخطبوط، في ظل الوضعية المقلقة، و القناعات الواقعية، بتراجع مخزون الأخطبوط بمصايد التهيئة. وهي خلاصة تطرق لها الدكتور محمد بادير أستاذ جامعي و باحث متخصص في الهاليوتيك مصايد الأسماك، إزاء مصير مخزون الأخطبوط، من أجل إعادة بناء الرصيد السمكي لصنف الأخطبوط بالشكل الصحيح من خلال حلول علمية وعملية، و تدابير مقنعة من جانب الفعالية و النتائج المشجعة.
مشروع غرس قوارير طينية في مناطق توالد الأخطبوط لمحمد بدير يعود إلى الواجهة
أكد الدكتور محمد بادير بين ثنايا مشروعه العلمي، على ضرورة اعتماد إجراءات إدارية سليمة تستهدف مخزون الأخطبوط، من خلال حظر استعمال و استخدام القوارير البلاستيكية، من طرف الصيد التقليدي على طول سواحل الداخلة. و في مقابل دلك تمنح للقوارب التقليدية إمكانية استعمال قوارير طينية، بأعداد محددة، في حدود 120 قرورة لكل قارب تقليدي تستعمل في رحلات صيدهم بمصيدة الأخطبوط. على أن يتم وضع مئات الألاف من القوارير، في قاع البحر في نفس مناطق الصيد المستغلة، حيث أمكنة التوالد من 0 إلى 12 ميل، على أن يكون العدد أكبر بعشر مرات عن العدد، الدي تستغله القوارب التقليدية.
و شدد الأستاذ الجامعي محمد بادير في مشروعه لاستعادة مخزون الإخطبوط في بيئته البحرية الطبيعية، على أن إجراءات غرس قوارير طينية في القاع البحري، هي فعالة، لأنها تمنح إناث الأخطبوط في مرحلة وضع البيض فرصة أفضل، للبقاء على قيد الحياة، في مقابل تدني احتمالات صيدها بمعدل بقاء يصل الى 90% . هذا إضافة إلى أن ذات القوارير المرمية في قاع البحر بشكل نهائي تشكل مساكن، بل ملاجئ كحماية من الكائنات المفترسة. بل وأكثر من دلك فالقوارير الطينية قابلة للكسر، بشكل يسهل مهمة خروج الأخطبوط من داخلها. ولمح الخبير في قطاع الرخويات أيضا إلى ضرورة وضع القوارير الطينية في القاع البحري بطرق مختلفة، و حسب طبيعة الوسط البحري هل هو موحلا أو صخريا أو رمليا. وتوازيا مع دلك يوصي بادير، بمنع الصيد بالجر الساحلي وأعالي البحار و كدا استهداف الأسماك الصغيرة دون الحجم القانوني، ما بين 0 و إلى غاية 12 ميلا بحريا.
إجراءات مصاحبة للقوارير الطينية
ويقترح الخبير المغربي المتخصص في مصايد الأسماك، مجموعة من الإجراءات المصاحبة لغرس القوارير الطينية في أماكن توالد الأخطبوط، من قبيل اعتماد فترة الراحة البيولوجية في شهور مارس، أبريل، و شتنبر، أكتوبر. و هي تدابير لفهم الأسباب التي أدت الى تدهور مخزون الأخطبوط، و التطورات التي عرفها القطاع، بناء على تحليل منطقي يستند الى حجم مصطادات سفن الصيد في أعالي البحار عبر أربعة مراحل. و استنتاج الخلاصات ما بين حجم مفرغات الصيد ، و عدد وحدات الصيد بين 1975 و 2003 ، و مقارنة مجهود الصيد مع الحصيلة المحققة حسب الفصول و السنوات.
و في خلاصة حديثه للبحرنيوز تطرق محمد بادير للآثار السلبية التي تتسبب فيها أصناف الصيد الثلاثة على المخزون السمكي، منبها إلى قيمة الذمار الذي تحدثه شباك الجر القاعية، في مناطق توالد الأخطبوط، وتأثيرها على البيوض و على الأحجام الصغيرة و الموائل، و صغار الكائنات البحرية الأخرى. كما أن القوارير أو الغراف البلاستيكي، يشكل ملجأ لإناث الأخطبوط، و تكون فرصته في النجاة جد ضئيلة، و في حالة ضياع الغراف البلاستيكي، تكون هناك أضرار جسيمة على البيئة البحرية.
محمد بدير كفاءة مغربية تشرف على تنزيل مشروع ضخم للأسماك بالكونغو برازفيل
الدكتور محمد بادير وبتواضع كبير من مونتريال بكندا حيث يقطن حاليا، تواصل معنا كجريدة متخصصة في القطاع، و منحنا فرصة لتقريب القراء و المتتبعين من أحد أهم المشاريع التي سبق أن تقدم بها لوزارة الصيد البحري، ( القوارير الطينية ) من أجل إخراج المصايد من الأزمة التي أصابتها في فترة معينة، لكن الرفوف كانت أولى بالمشروع، وقال للموقع “أنا كمواطن مغربي، كنت مستعدا و لازلت، و أردت دائما أن أقدم الأفضل لبلدي دون طمع في المكاسب و لا في المناصب”.
محمد بادير يعمل اليوم على مجموعة من المشاريع العلمية، من ضمنها مشروع تربية الأحياء المائية بالكونغو برازفيل، و هو المشروع الدي تشرف عليه الأمم المتحدة. إذ يعمل عليه كرئيس اللجنة لتحويل البلد الإفريقي من بلد مستورد إلى مصدر للأسماك، وبهذا تستفيد دول أجنبية من كفاءة مغربية، و من تجربة بادير بصفته دكتورا مقتدرا، حيث وجدت التجربة العلمية والمعرفية طريقها إلى المشاريع الدي يشتغل عليها في تصورات مبنية . كانت أولى أن تستفيد منها البلاد ، لولا العراقيل، التي وضعت في الطريق، مشاريع أقل ما يمكن القول عنها أنها الحلول العجيبة لتحقيق التطور والتنمية في قطاع الصيد البحري…