يواصل ملف ما بات يعرف بالبحارة الحراكة على متن مركب الصيد الساحلي صنف السردين “لاكلونتين” وقبلهم حوادث مشابهة سواء في الصيد التقليدي أو الصيد الساحلي ، إثارة القلاقل في الأوساط المهنية والحقوقية ، حيث يؤكد الفاعلون على ضرورة تدارك الأمر قبل فوات الأوان، خصوصا وأن أن هذه االتحركات، أصبحت ترخي بسدولها على أمن المراكب بسواحل المملكة الممتدة بين المتوسط والأطلسي . كواحدة من المؤشرات التي لا يمكن تجاهلها بإعتبارها تعري تفاقم أوضاع البحارة.
ويرى أحد الربابنة المخضرمين، “أن حتى مش ما كيهيرب ما دار العرس”، فبدون رؤية شمولية تُنصف الإنسان قبل المورد، وتضع البحّار في صلب السياسات العمومية، سيظل القطاع رهين الهشاشة ومهددًا بانكماش اجتماعي ومهني ينعكس على الأمن الغذائي والتنموي برمّته . فالمغرب يعرف نشاط 135 ألف بحار على ظهر سفن الصيد وفق إحصائيات رسمية تهم سنة 2024، غالبيتهم يواجهون اليوم حالة من التخبط والهشاشة المتزايدة ، لاسيما مع تراجع المصايد ، والتي كان لها تأتير مباشر على الوضعية الاجتماعية للبحارة ، وهو المعطى الذي جعل اليأس يتسرب للكثير من العاملين على متن السفن ، زاد من حدته تأخر بعض المجهزين في تسوية وضعية أطقمهم وصرف مستحقاتهم . ما يعمق من حدة الأزمة ويشعل لهيب ردة الفعل ، التي قد تطور لما لا يحمد عقباه وفق تصريحات متطابقة لفاعلين نقابيين في القطاع.
من جانبه أكد ربان آخر ، أن الإقدام على تحريك مركب أوقارب من ميناء مغربي والإبحار على متنه إلى ميناء أجنبي، يعد في العمق سلوكا أرعن وخيانة للأمانة، وجريمة يعاقب عليها القانون، وتستلزم الإستنكار بعيدا عن العاطفة لأننا في بلد يؤطره القانون، ويجرم التعدي على ملكية الغير، لاسيما إذا تعلق الأمر بقطعة بحرية تحمل العلم المغربي، ونشاطها محدد سلفا ومحصور في الصيد بالسواحل المغربية، كما انه لا يمكن بأي شكل من الأشكال، الإنصياع وراء شرع اليد، في حالة ما كان هناك إخلال مسبق بحق من الحقوق، وبناء عليه فهناك رفض تام لأي سلوك خارج عن النص، ومعه وجب تدخل القانون لإستتباب الأمن وحماية الممتلكات.
إلى ذلك وفي ظل التحديات المتزايدة التي يعرفها قطاع الصيد البحري ، تؤكد تقارير دولية صدرت عن منظمات أممية ومراكز بحث متخصصة، أن فئة البحارة تظل من بين الفئات الأكثر هشاشة، خصوصًا في مناطق الجنوب، حيث تتضافر عوامل بيئية واقتصادية واجتماعية لتقويض استقرارهم المهني والمعيشي. وتبرز هذه التقارير، التي شملت معطيات ميدانية من بلدان أطلسية وبالمحيط الهندي، أن مردودية قطاع الصيد التقليدي والساحلي تراجعت بشكل مقلق، نتيجة لتدهور المخزون السمكي، وارتفاع كلفة المدخلات، بالإضافة إلى محدودية فرص التسويق والولوج إلى سلاسل القيمة.
ويقترن هذا الواقع بتدني الحماية الإجتماعية للبحارة، وغياب تغطية صحية فعالة، ناهيك عن ضعف تنظيم المهنة في بعض المناطق. إذ وفي السياق المغربي، يعكس وضع البحارة هذه الصورة النمطية، على الرغم من تمتعه بوضعية الشريك في الإنتاج ، وهي الصفة التي تختبأ وراءها الكثير من المعاناة والممارسات، التي تجعل المصور هو المحرك الأساسي للأجرة، التي تكون مبنية على قسمة تحكمها الحصص، حيث يواجه العاملون في قطاع الصيد ظروفًا مهنية صعبة، تتراوح بين فترات التوقف الاضطراري بسبب سوء الأحوال الجوية، ومحدودية فترات الموسم، إضافة إلى التفاوت في العائدات، الناتج عن التغيرات المناخية وتقلص الثروة السمكية. دون إغفال تعشش مجموعة من السلوكيات، التي عادة ما تكون لها إنعكاسات سلبية على الوضعية الإجتماعية للبحارة على المستوى المتوسط والبعيد .
ورغم الجهود المبذولة من قبل السلطات الوصية، فإن التدخلات ما تزال جزئية وغير قادرة على مواكبة التحولات السريعة التي يعرفها القطاع، سواء على مستوى البيئة البحرية والتطورات المناخية الصعبة، وما يرافقها أيضا من تقلبات في السوق العالمي، لاسيما على مستوى الكثير من المواد الأولية التي كان لها تأثير قوي على كلف الإنتاج ورحلات الصيد التي أصبحت تلتهم العائدات بشكل كبير . فقد أكد عدد من البحارة في شهادات متطابقة، على أن الأزمة ليست فقط اقتصادية، بل تتعلق أيضًا بشعور بالإقصاء وغياب الاستقرار المهني. فلسان الحال يصور واقع البحار بالقول “نعيش في الهامش.. ولا نملك ضمانًا للمستقبل، ومع كل موسم صيد نُغامر بحياتنا في البحر، دون أن نعلم ما إذا كنا سنعود بعائد يغطي حتى كلفة الوقود.”
وتدعو التقارير الدولية والمهنية إلى إعادة التفكير في نموذج تدبير قطاع الصيد، من خلال تعزيز صمود البحارة وتمكينهم اقتصادياً، في ظل التحديات التي تواجه المصايد، والتفكير في سن تعويضات تساير قرارات الدول في حماية المخزونات السمكيىة، لاسيما التوقفات الإضطرارية التي تفرضها الراحة البيولوجية، مع إعادة الإعتبار لرجل البحر، وتسهيل ولوجه إلى أدوات التمويل الصغير والتأمين المهني؛ وإعادة هيكلة سلاسل التسويق لضمان عدالة أكبر في تقاسم الأرباح؛ مع تمكين البحارة من دور أكبر في تدبير الموارد البحرية وحمايتها؛ والاستثمار في التكوين المستمر والسلامة البحرية والرقمنة.