بقلم: يوسف فايدة*
أعتُبرت سنة 2017 اخر مسمار يُدق في نعش مصيدة السمطة شمال كاب غير، التي كانت من أهم المصايد السخية والمساهمة في إنتعاش مفرغات الصيد لسنوات بميناء اكادير.
وتعاقبت على استغلال هدا المخزون السمكي مجموعة من الأساطيل، كان أولها الأسطول البرتغالي في تمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بتشكيل منظومة إنتاجية ناجحة، تمثلت في خلق سلسلة عمل متكامل بأحد اكبر المستودعات بحي انزا، واستقطاب العشرات من العمال للسهر على تفكيك خيوط الصيد وترميمها وتطعيمها، لينحصر دور البحار في التركيز على عملية الصيد، وبالتالي تقليص أيام الرحلة، التي كانت لا تتعدى خمسة أيام.
إستغلال الأسطول البرتغالي للمصيدة كان عقلانيا و مسؤولا، معتمدا على أسلوب التناوب، لكون مساحة الصيد لا تتعدى الميلين، ومع دلك كان حجم المفرغات جيد ويتسم بالانتظام والاستدامة على طول السنة. غير أنه ومع مرور السنوات تمكنت القلة القليلة من ربابنة أسطول الصيد الساحلي صنف الخيط، وبمساعدة بحارة كانو ضمن الأطقم البرتغالية، من مباشرة استغلال هده المصيدة، بعد مغادرة الأسطول البرتغالي لسواحل أكادير.
نشاط مراكب الصيد بالخيط بهذه المصيدة وإستهداف مخزون السمطة، لم يدم طويلا، اذ مع مطلع القرن الحالي، احتكرت قوارب الصيد صنف الخيوط الطويلة المصيدة لما يزيد على العقد من الزمن، وذلك في غياب تام لمبادئ الصيد الرشيد. حيت تفاقمت مجموعة من السلوكيات غير المهنية بفعل الاكتظاظ الذي عرفته رقعة الصيد، كسرقة المصطادات والمعدات وكثرة المشاجرات اليومية، التي انتهى بعضها في مخافر الدرك البحري.
بدورها مراكب الصيد الساحلي صنف الجر ومع شح المصايد وانسداد الأفق، بدأت في مشاركة الإستغلال بمعية قوارب الصيد التقليدي، حيت تنتظر مغادرة هده الأخيرة مساءً لتباشر نشاطها، بعد ان كانت تقتصر فقط على الصيد بجنبات المصيدة طوال السنوات الماضية. وبالنظر للتطور الواضح الذي عرفته مراكب الجر، من محركات قوية وآليات صيد حديثة، تمكنت بعض المراكب من اختراق نواة المصيدة، باستعمال تقنية الصيد بين مائين. كتقنية تتيح للربان التحكم في انسيابية الشبكة، وبالتالي توجيهها نحو العمق الذي تتواجد به أسراب أسماك السمطة.
هذا النشاط المتزايد الذي إرتفع معه حجم مفرغات بعض مراكب الصيد الساحلي صنف الجر من اسماك السمطة، خلق نوعا من التنافسية والرغبة في تحصيل أكبر كمية من المصطادات، فالحديث هنا عن مفرغات قياسية بلغت احدى عشر الف صندوق من اسماك السمطة ولجت سوق الجملة بميناء اكادير في يوم واحد، ناهيك عن الأطنان التي صرفت خارج المسار القانوني. وهو ما عجل باستنزاف هده المصيدة في وقت قياسي لا يتعدى الأسبوع. فيما تطرح هذه السلوكيات مجموعة من الأسئلة، حول ماهية القوانين المنظمة للصيد؟ وما مدى التزام جميع الأساطيل بقانون 12-15 المتعلق بالوقاية من الصيد غير القانوني وغير المصرح به وغير المنظم.
خاتمة القول فمصيدة السمطة بشمال اكادير تعرضت لسوء استغلال ناجم عن تنافسية غير منظمة يحكمها منطق، من يغرف أكثر، و هدا المعطى يحيلنا الى دور العنصر البشري البحري في المحافظة على محيطه، ونهج سبل الاستدامة الكفيلة بالتحكم في استغلال المخزونات وضمان سيرورة الإنتاج. فيما تبقى مصيدة كاب غير ومولاي بوسلهام ومصايد آخرى لا سيما بالجنوب، تنتظر وعي مهني وخطة محكمة، لإدراج هاته المصايد ضمن مصايد التهيئة، بفرض راحة بيولوجية لهدا الصنف السمكي، إبان فترة التكاثر، وتحديد آليات الصيد المسؤول، التي تراعي الإستدامة، مع تحديد كوطا موسمية جماعية للتحكم في حجم المفرغات وضمان استدامة المصيدة.
*كتبها للبحرنيوز : يوسف فايدة رئيس الجمعية المغربية لتنمية الصيد البحري التقليدي