ميناء القنيطرة الميناء الذي تحول إلى مقبرة منسية لا يزورها حتى أقارب الموتى

0
Jorgesys Html test

 الرباح لا يمكن لزائر الميناء النهري لمدينة القنيطرة، إلا أن يكتشف حجم الجمود ، لا حركة ، ولا رواج من أي نوع، ولا أي شيء يوحي بأنه ميناء  كباقي الموانىء التي تُعرف عادة بالرواج الكبير للبشر وللآليات التي يشتغلون بها، على العكس من ذلك فميناء القنيطرة أصبح  “يحتضر” من شدة الركود الذي أصبح يميزه عن باقي موانىء المغرب، “ليلفظ أنفاسه” بعد قرار اغلاقه ، اندثرت مختلف الصناعات والأنشطة التي كانت تتم به.

لقد كان في الماضي يُعرف بتصدير مختلف الثروات الطبيعية التي كانت تزخر بها منطقة الغرب ، صادرات كانت ترتفع يوما بعد يوم، وكان معها يرتفع نشاط الميناء الذي كان يعتبر من بين أهم الموانئ المغربية بداية نشأته. عمال اشتغلوا به  في عهد الازدهار يأسفون لحاله اليوم، لأنه كان في يوم من الأيام العمود الفقري للمدينة وقلبها النابض.

ميناء يبكي ماضيه في صورة مؤلمة

القيام بجولة  داخل  الميناء النهري لمدينة القنيطرة، يوحي إليك أنك تتجول في حي صناعي هجره أصحابه، ولم يبق فيه إلا بعض الحراس يسهرون على المكان خوفا من أن يتم الاستيلاء عليه من طرف بعض المشردين والمنحرفين واستغلاله في شيء غير الذي وجد من أجله، هكذا  كان يبدوا الميناء النهري الذي كان في يوم من الأيام يعرف رواجا تجاريا وملاحيا مهما، استقبل العديد من البواخر القادمة من أوربا وأمريكا… كانت تأتي لتحمل ما تجود به الطبيعة على المدينة وضواحيها، حيث كانت المنطقة تزخر بثروات طبيعية مهمة، منها الحبوب والحوامض والسمك وصناعة الخمور وغيرها، وكانت هذه المنتجات تصدر إلى الخارج إلى جانب أنواع مختلفة من الأسمدة والفحم الحجري أيضا.

ويحكي أحد العمال اشتغل  بالميناء النهري لمدينة القنيطرة مدة 45سنة، أمضى حياته كلها في خدمة الميناء، حيث كان إلى جانب  زملائه في العمل يسهرون على نقل البضائع إلى أن يتم تحميلها على ظهر البواخر، ولم يكن يشكل لهم عملهم أية متاعب، بل على العكس من ذلك، يذكر “شيخ الميناء” أنهم كانوا سعداء وهم يقومون بعملهم، خصوصا، وأن خيرات البلاد كانت تعود على المدينة وعليهم وعلى  المغرب بأكمله بالنفع، وكان الميناء يشكل ثروة اقتصادية هامة، مكنت سكان المدينة من الاستفادة منها، حيث كان يشغل الميناء نسبة كبيرة من اليد العاملة من أبناء المدينة وضواحيها على الخصوص.

ميناء القنيطرة 3على طول الميناء الذي يشغل مساحة مهمة، لا تزال العديد من وحدات الإنتاج شاهدة على عهد الازدهار، وإن بدى عليها القدم، أبوابها صدئة ونوافذها مكسرة، توحي إليك أنك تزور مكانا مهجورا، خصوصا وحدة الحبوب وهي أكبر وحدة تقريبا، إضافة إلى وحدة صناعة الخمور، ووحدات أخرى تهم منتوجات ثانية، من بين هذه الوحدات من لا تزال تحتفظ بيافطة كتب عليها اسم الوحدة، والتي تعني في نفس الوقت المنتوج الذي كان يصنع بها…

بالميناء وضعت العديد من الحواجز الحديدية ، لم يكن لها وجود في الماضي، ويحكي أحد حراس الأمن ل “أخبار القنيطرة ” أن استعمالها كان بهدف منع الهجرة السرية التي كثرت  خلال السنوات الأخيرة، والتي أصبح الشباب يجدون فيها حلا لمعضلة البطالة التي طالت جميع الشباب من حاملي الشهادات العليا وغيرهم ممن لم ينهوا دراستهم، ووضعت تلك الحواجز الحديدية والعالية في الوقت ذاته بإحكام حتى لا يتمكن المهاجرون السريون من التسلل إلى البواخر القادمة من الخارج.

وأكد حارس الأمن ذاته  أن  هذه الخطوة جاء ت بعد أن تم ضبط العديد من الأشخاص وهم يحاولون التسلل إلى البواخر.  وهذا لا يعني أن الميناء لم يعرف حالات نجحت في الهجرة، لأن الميناء النهري عرف هجرة العشرات من أبناء القنيطرة وضواحيها بطرق غير شرعية.

 الليلة التي قدم فيها ادريس البصري

يذكر أحد العمال الليلة التي قدم فيها ادريس البصري للبحث عن عائلة أوفقير التي داع صيت هروبها عن طريق ميناء القنيطرة في اتجاه فرنسا، لكن قدومه جاء متأخرا، على حد قول العامل.حيث استمر البحث لفترة زمنية داخل أرجاء الميناء، دون نتيجة.

ويذكر  عامل آخر شاهد على أيام ازدهار الميناء النهري أن واد سبو كان يحمل ما بين 2000 و2400 طن من حمولة البواخر كل يوم، وكان يستغرق وصول هذه الأخيرة إلى فرنسا حوالي 24 ساعة، وأزيد من شهرين في اتجاه أمريكا، لكنه اليوم لم يعد يتحمل حمولة كبيرة، حيث  انخفض صبيب الوادي نتيجة  بناء سد الوحدة وسد للا عائشة، كما أنه أصبح منبعا لاستقبال مختلف أنواع التلوث البيئي، التي تأتي من مدينة فاس عبر نفايات مصانع وحدات الدباغة، والمعاصر التقليدية لزيت الزيتون، إضافة إلى التطهير السائل… كله هذه العوامل جعلت منه نهرا شبه ميت على عد تعبير العامل ذاته.

ويقول أحد العمال  السابقين “الميناء مثل مقبرة منسية، لا يزورها حتى أقارب الموتى”، مما يعني أن الميناء يعرف ركودا وجمودا وأنه متوقف عن أي نشاط “

مطلب إعادة تأهيل الميناء النهري

ميناء القنيطرةأكد أحد الموظفين بالميناء (متقاعد) أن الميناء النهري بمدينة القنيطرة لم يعرف أي تطوير منذ نشأته، ولم يعرف إصلاحات مهمة على مستوى البنيات التحتية وكذا على مستوى تجديد آلياته، وأن كل ذلك ساهم  في تراجع نشاطه  يوما بعد يوم لدرجة أنه أصبح حاليا يخيم عليه السكون من شدة الركود والجمود في أنشطته التي كان يعرف بها في الماضي، ويأتي ذلك في الوقت الذي كان يعتبر من بين أهم الموانئ المغربية بداية نشأته خلال عقود مضت، حيث كانت تصل حمولته بداية الستينات  حوالي 700 ألف طن سنويا، لكن بعد المشاكل التي أصبح يعانيها نهر سبو وأساسا منها انخفاض صبيبه، أصبحت  توجه البواخر لتفريغ حمولتها بميناء الدار البيضاء البحري وبالتالي تراجعت حمولته بشكل كبير.

وأوضح المصدر ذاته أن تراجع نشاط ميناء القنيطرة  يعود بالأساس إلى صعوبة دخول البواخر ذات الحمولة الكبيرة إليه، وأن هذه الصعوبات مرتبطة  بصعوبة تجاوز المصب والدخول عبر النهر، نتيجة عدة عوامل، مما يجعل عملية إرساء هذه البواخر غير ممكنة.. لهذا السبب أصبحت جميع الأنشطة التي كان يقوم بها ميناء القنيطرة تُحول في الغالب  إلى ميناء الدار البيضاء.

 بعض الفاعلين بالمدينة  يؤكدون أنه يمكن إعادة تأهيل الميناء النهري عبر تعميق مجرى نهر سبو حتى مدخل الميناء لتسهيل عملية ملاحة البواخر الكبرى في اتجاه الميناء، خصوصا وأن المدينة في حاجة ماسة إلى التنمية بعد سنوات طويلة من الركود التجاري والملاحي، لأن منطقة الغرب معروفة بالإنتاج الفلاحي المتنوع، كالحبوب والقطاني بمختلف أنواعها، والحوامض… ومن هذا المنطلق يطالب هؤلاء الفاعلين المحليين، الجهات الوصية، أن تعمل على إعادة الروح إلى القنيطرة من خلال إعادة الروح لمينائها الذي كان في يوم من الأيام قلبها النابض.

 تذمر وأسى على الميناء

 بعض العمال الذين اشتغلوا في الميناء النهري لمدينة القنيطرة كانوا يتحدثون بحصرة كبيرة عن مينائهم الذي فقد نشاطه بشكل  مطلق، وفي نفس الوقت فقد الاهتمام من الجهات المعنية، في الوقت الذي لا تزال  باقي الموانئ بالمغرب التي عاصرها هذا لميناء النهري تحتفظ  برواجها التجاري، كيناء الدار البيضاء، بل زاد نشاطه أكثر خلال السنوات الأخيرة، من جهة لأنه ميناء بحري كبير،  بوسعه استقبال أكبر عدد ممكن من البواخر التجارية،  ومنةجهى ثانية فهو يتواجد بالعاصمة الاقتصادية التي تعرف رواجا اقتصاديا وتجاريا مهما يزداد يوما بعد يوم.

ويحكي هؤلاء العمال أن ميناء البيضاء في الماضي لم يكن يختلف كثيرا عن ميناء القنيطرة النهري من حيث الرواج التجاري، لكن عوامل كثيرة، كالتلوث وانخفاض صبيب نهر سبو وتراجع معدل الإنتاج بالمنطقة ساهم بشكل  كبير في الركود الذي أصبح يعرفه الميناء.

ويعتقد بعض المهتمين بهذا الميدان بأنه في حالة تم التفكير في إعادة النشاط لميناء القنيطرة، فإنه سيكون على الجهات المعنية نقله من مكانه لأن الموقع الحالي لم يعد صالحا للأسباب التي سبق ذكرها. من جهة ثانية يرى هؤلاء المهتمين أن موانئ المغرب البحرية، سواء منها ميناء الدار البيضاء أو طنجة، أكادير، الداخلة وغيرها، أصبحت وجهة لمعظم  البواخر التجارية القادمة من الخارج، لكونها تتوفر على جميع الإمكانيات اللازمة وتستوعب حمولة أكبر بكثير من حمولة الميناء النهري للقنيطرة، ومن المنتظر أن يتم الاستغناء عن هذا الميناء  في حالة توقفت الصناعة الوحيدة التي لا تزال به والتي تساهم في استمراريته حتى الآن.

يطالب بعض الشباب من سكان مدينة القنيطرة، كان آباؤهم يشتغلون بالميناء قبل سنوات طويلة،أن تتم إعادة النظر في هذا الميناء ومحاولة إيجاد الوسائل الكفيلة بإعادة الحيوية والنشاط إليه، لأنه من شأن ذلك أن يساهم في تنمية المدينة والمناطق المحيطة بها، كما أنه سيساهم في تشغيل اليد العاملة، خصوصا وأن منطقة الغرب الشراردة بني احسين لا تزال تزخر بثروات طبيعية هامة، يمكن استغلالها في خلق رواج  تجاري هام بهذا الميناء.

 تفاقم العجز المالي المزمن للميناء

 سبق وان أعلنت الوكالة الوطنية للموانئ عن انطلاق إنجاز دراسة لتحديد خيارات جديدة لتطوير وإعادة تأهيل ميناء القنيطرة وخلق ديناميكية اقتصادية جديدة تمكن من تثمين الأداة المينائية الحالية وكذا الوعاء العقاري المحاذي لها.
وأوضحت الوكالة ٬ أنها تقوم حاليا بمفاوضات مع مستعملي الميناء والمستخدمين من أجل تحديد كيفية القيام بعملية إعادة التأهيل والتطوير وكذا تحديد الإجراءات المصاحبة الواجب اتخاذها.
وأكدت الوكالة أنه بفعل التغيرات التي شهدها النقل البحري والتي همت بالأساس ارتفاع حجم البواخر وحمولتها٬ فقد شهد ميناء القنيطرة تراجعا لقدرته الاستيعابية بالنسبة للرواج التجاري٬ وذلك نتيجة عدة اكراهات هيكلية متعلقة بالموقع النهري للميناء.
وشددت على أنه بالنظر إلى أن ولوجية الميناء تعتمد بشكل كبير على أعمال الجرف لقناة الولوج٬ وأيضا على حركة المد من أجل إنجاز تحركات السفن٬ فإن ميناء القنيطرة لا يمكنه استقبال الرحلات البحرية المنتظمة لعدم إمكانية ضمان انتظامها.
وأضافت الوكالة أنه بالنظر إلى خصائص قناة الولوج إلى الميناء وعمقها٬ فإن ميناء القنيطرة لا يستطيع استقبال بواخر ذات طول أكبر من 110 متر وذات غاطس أكبر من 5 متر٬ مشيرة إلى أن حجم البواخر المعالجة حاليا بالميناء لا يتعدى 3500 إلى 4000 طن.
وبالنظر إلى هذه الإكراهات٬ فإن الرواج التجاري لميناء القنيطرة لا يتجاوز 300 ألف طن سنويا٬ وما فتئ يعرف تراجعا مستمرا لحجم المبادلات سنة بعد أخرى٬ مما يجعل حجم هذا النشاط لا يتناسب مع المجهودات المبذولة لاستمرارية حركة الملاحة بهذا الميناء وكذا الموارد المجندة من أجل ضمان السير العادي لعمليات الاستغلال (الجرف٬ تكاليف المستخدمين.

إن معالجة الرواج التجاري لهذا الميناء تؤدي إلى تفاقم العجز المالي المزمن للميناء وذلك نتيجة لكلفة جرف الميناء بغلاف مالي يصل إلى25 مليون درهم سنويا وكذا المستوى المحدود للرواج المينائي.

الوكالة سجلت  أن كل هذه المعطيات تساهم في غلاء كلفة العبور المينائي وتؤدي إلى وقع سلبي على تنافسية الفاعلين الاقتصاديين. ووعيا منها بهذه الوضعية وبأثرها على المحيط٬ يشير المصدر ذاته٬ فقد تم خلق ديناميكية عامة من طرف المتدخلين المحليين من أجل تهيئة ضفتي واد سبو٬ بما في ذلك ميناء القنيطرة.

 الاستراتيجية المينائية في أفق 2030 :إنجاز ميناء جديد بجهة القنيطرة

ميناء القنيطرة 2الوكالة الوطنية للموانئ  تعتبر أن الاستراتيجية المينائية في أفق 2030 :إنجاز ميناء جديد بجهة القنيطرة.

حيث هذا الاختيار يأتي منسجما مع اقتراحات الاستراتيجية المينائية في أفق 2030 والتي ترمي إلى إنجاز ميناء جديد بجهة القنيطرة يشكل بوابة لتسويق المبادلات الصادرة أو المتجهة من جهات الغرب٬ واللوكوس وسايس٬ وزيادة على الرواج المينائي الحالي.
وفي هذا الإطار٬ قامت الوكالة الوطنية للموانئ بإعطاء الانطلاقة لإنجاز دراسة لتحديد خيارات جديدة لتطوير ميناء القنيطرة وخلق ديناميكية اقتصادية جديدة تمكن من تثمين الأداة المينائية الحالية .
ويهدف هذا المشروع إلى تحديد الخيارات الاقتصادية الجديدة وتموقع جديد للمركب المينائي القنيطرة– المهدية٬ وإعادة هيكلة المركب المينائي في إطار تناغم تام بين خاصيات البنيات التحتية والخيارات الجديدة المحددة٬ وإعادة استعمال البنيات التحتية وتأهيل الوعاء العقاري الحالي٬ و ترجمة الخيارات المحددة إلى رؤية شاملة لتأهيل وتنمية الميناء “بحري وبري”.
وفي انتظار إنجاز هذا المشروع وإعادة هيكلة ميناء القنيطرة٬ تقوم الوكالة الوطنية للموانئ حاليا بدراسة خيار إعادة تمركز نظام استغلال الميناء وملائمته مع المقومات الخاصة به.

  ربورتاج: نورا الطاهري عن أخبار القنيطرة

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا