ودّع في الساعة الأولى من صبيحة اليوم السبت ، أزيد من 5000 بحار على متن سفن الصيد في اعالي البحار ميناء أكادير في إتجاه مصيدة الأخطبوط جنوب سيدي الغازي، إنسجاما مع المخطط الزمني الذي ينظم إنطلاقة الأساطيل برسم موسم شتاء 2024.
رحلة المصالحة مع الذات المنتجة والتخلص من العطالة الإضطرارية
من يشاهد درجة الحماس التي طبعت اليومين الآخيرين قبل إنطلاق أسطول الصيد في اعالي البحار ، سيتأكد حتما من القوة الجامحة والعزيمة الحاصلة لدى الأطقم البحرية ومعهم الشركات المجهزة ، لإستئناف نشاط الصيد، بعد أشهر من العطالة، أتعبت الجيوب، ووضعت البحارة في مواجهة المجهول. فمع كل عودة من رحلة الصيد يخطط البحارة لطريقة تدبير الراحة البيولوجية إنسجاما مع القرار المنظم لهذه الراحة، وهو ما يجعل أي تمديد بمتابة حكم على البحارة بالإستدانة والدخول في مرحلة الشك، وهو ما حدث مؤخرا عند إضافة أسبوعين لراحة الأخطبوط .
أحد البحارة أكد للبحرنيوز أن الأسبوعين الإضافيين عصفا بكل المدخرات، خصوصا وأن المرحلة صعبة وتتسم بإرتفاعات قوية لمختلف المواد الأساسية، كما أن البادية التي ينحذر منها ، بدورها تواجه المجهول في ظل تأخر الأمطار ، وهي معطيات أثرت بشكل كبير على النفسية بالنظر ل “قلة ما يدار”، فكان كل يوم يمر بمثابة شهر من المعانات، وهو ما جعل البحار يلتحق بأكادير قبل عشرة أيام، فرار من جحيم البادية المتطلبة ، أمام موسم فلاحي غامض الأفق، ونشاط مهني يحكمه التذبذب وعدم اليقين.
بعد راحة بيولوجية طويلة كوطا مقشفة تحرق التفاؤل
ليس من عادة البحارة الخوض كثيرا في الكوطا وسؤال “شحال عطات الوزارة ؟ ” على إعتبار أن هذا سؤال ظل محط النقاش في أوساط المجهزين والشركات، لكن مع التحول الذي حصل لدى مجموعة من الشركات، التي تحولت من نظام الأجرة الشهرية إلى نظام النسبة المئوية ضمن عائدات رحلات الصيد، أصبح الحديت عن الكوطا بأدق تفاصيله محط إهتمام مجموعة من الأطقم البحرية، التي غدت تحمل هم الكوطا الموسمية، وهو ما جعل الكثير من الأطقم تنطلق في إتجاه المصيدة في وضعية مستاءة، تجد تبريرها في محدودية الكوطا الموسمية .
وقسمت المادة السادسة من المقرر المنظم حصة الأخطبوط المخصصة لأسطول الأعالي والمحددة في 13230 طنا، إلى حصص فردية حسب نوع السفينة، حيث ستنال السفن التي تقل قوة محركاتها عن 750 حصان 49,2 طن، والبواخر التي تتراوح قوة محركها بين 750 و1400 حصان 53,2 طن، فيما مكن نص القرار البواخر التي تفوق قوة محركها 1400 ح من حصة 54,2 طن. وهي كوطا تبقى محدودة جدا يقول أحد المتتبعين للشأن المهني في أعالي البحار ، بالنظر للإرتفاعات الحاصلة في كلف تجهيز الرحلات البحرية ، والتي تضاعفت بشكل رهيب .
خمسة أشهر من أصل 8 ممكنة تفتح باب النفور
بين رحلة الصيف المنقضية قبل أشهر والتي إنحصرت في شهرين وأيام معدودة، والتعرف على مدة رحلة الشتاء المعلنة في ثلاثة أشهر ، عدّ البحارة ومعهم المجهزون أزيد من خمسة أشهر اياما للعمل، من أصل ثمانية أشهر ممكنة على الأقل بإحتساب الموسمين . وهو ما جعل لغة الحساب تحصي ضياع نحو ثلاثة أشهر كاملة من النشاط المهني على البحارة والشركات. وهي وضعية يزيد من تعقيدها أثمنة الأخطبوط غير المستقرة في السوق الدولية، حيث وجدت الشركات صعوبات جمة في تصريف منتوجها ، فيما لازالت مجموعة من الوحدات تخزّن الألاف من الأطنان، في ظل عدم تعافي الأثمنة، وهي الوضعية التي كان لها اثرها على تجهيز الرحلات البحرية بالنسبة لمجموعة من الشركات، التي واجهت عسرا في الإيفاء بإلتزماتها .
إلى ذلك تجدد النقاش الإجتماعي على مستوى الأطقم البحرية، هؤلاء الذي أشهروا قلقهم حيال الراحة المفروضة إضطرارا ، في غياب تعويضات تخفف من عبئ العطالة الإضطرارية، وعدم تصنيف التوقف القسري راحة مؤدى عنها ، رغم النداءات الداعية لفتح هذا الملف من طرف الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي ، او إحدات صندوق خاص لتدبير هذه العطالة في علاقة بالعنصر البشري. فتمديد الراحة البيولوجية من دون إستحضار للوضعية الإجتماعية لبحارة الأعالي وقبلها إلغاء موسم كامل في وقت سابق، دفع الكثير من البحارة إلى مغادرة القطاع، خصوصا وأن قطاعهم لم يعد مستقرا في السنوات الآخيرة.
ويصنف عدد مهم من البحارة النشيطين في صنف الأعالي ضمن خانة الكهول ، بل أكثر من ذلك فعدد منهم أصبح اليوم على مشارف التقاعد، لاسيما وأن سفن الأعالي راكمت أزيد من أربعة عقود من الإشتغال، وبالتالي فالمؤشرات تؤكد أن هذا الأسطول سيعاني مستقبلا من تدبير يده العاملة. فيما يرى كثيرون من البحارة بأن قطاع الأعالي لم يعد محفزا كما كان سابقا، على الرغم من الإصلاحات الكبرى التي تم تنزيلها، وهي أمور تجد تبريرها خارج الشركات المشغلة التي تعاني بدورها في صمت . فطول أيام العطالة امام محدودية ايام العمل ، وعدم إستقرار أثمنة المنتوج في السوق الدولية، دون إغفال الصعوبات الإجتماعية الناجمة عن غلاء كلف المعيشة، والإرتفاعات المتزايدة الحاصلة على مستوى نفقات الإستثمار، كلها معطيات أصبحت ترخي بظلاها على الوضع الإجتماعي للبحارةوالنشاط المهني والمقاولات الغارقة في التحديات.
التهريب .. الآفة المتواصلة
مع كل موسم صيد للأخطبوط يتجدد النقاش حول آفة التهريب، خصوصا وأن كل المؤشرات تؤكد ان صيد الأخطبوط لم يتوقف بالشكل المطلوب خلال الراحة البيولوجية، خصوصا وأن الصيد غير القانوني والتهريب هما خاصيتان بشريتيان ، يبقى توقفهما مرتبط بالوعي البشري، ولن تحاصره القوانين والأنظمة ، على إعتبار أن من يمارس هذه السلوكيات الشادة، هو يتطور بإستمرار ويتقوى مع كل إصلاح، لأنه يملك من الحيل والأساليب ما لا يمكن إستيعابه في ظروف وجيزة من طرف القوانين المنظمة ، فكما أن للجهاز التشريعي خبراء ينتجون النصوص لإغلاق الفرغات ، بمكلك المهربون ايضا خبراء ومهندسين لإيجاد المسالك الممكنة .
وتقول المصادر ان إشكالية التسويق الحاصلة على مستوى السوق الدولي بما لها من تقلبات وسياقات دولية ، فإنها على المستوى المحلي ترتبط في جانب منها بمضايقات التهريب، حيث أن المنتوج المغربي هو ينافس نفسه بمظلات مختلفة ، وبالتالي فإن الصيد الممنوع هو يضرب في العمق تنافسية إقتصاد الصيد الوطني، كما يقلل من إشعاع المنتوج المغربي ، لاسيما وأن الزبناء الأجانب فطنوا لأساسيات اللعبة، واصبحو بدورهم يستثمرن في أخطبوط التهريب عبر فاعلين مغاربة.
بل أكثر من ذلك، فهناك من الفاعلين من أصبح يفرض على الزبون الأجنبي الذي ظل طيلة سنوات صمام الثقة بالنسبة للمنتوج المغربي على مستوى التسويق خصوصا بإسبابنا وأوربا، على التعامل المباشر مع الأخطبوط الذي يتم توفيره بشكل حصري ، وعدم التعامل مع شركات أعالي البحار إلا وفق مطالب مدققة، وهو ما يفرض نوعا من الضغط على صادرات أعالي البحار، على مستوى التسويق الأوربي. فيما تتعالى الأصوات لتنويع الأسواق والإستثمار بشكل أكبر على مستوى سلسلة القيمة محليا ليكون التصدير بجاذبية حصرية .
سفن أعالي البحار وسؤال البدائل
يعد التوقف الإضطراري إبان الراحة البيولوجية محط نقاش قوي، خصوصا وأن هذا التوقف أصبح اليوم يشكل عبأ على الشركات، وهو ما يفتح النقاش حول تدبير فترة العطالة، فإذا كانت مجموعة من الشركات تحاول نهج سياسة التدوير بين الأطقم البحرية كحل من الحلول المختلقة للتخفيف من وطأة الفراغ والعطالة على اطقمها ، وتوفير مداخيل تعين البحارة على تدبير المرحلة ، فإن النقاش أصبح يتوجه اليوم للمعهد الوطني للبحث في الصيد ومعه الإدارة الوصية، لفتح نقاش صريح حول مستقبل هذا الأسطول بما يضمن له الدينامية الواقعية ، بالنظر لحجم فرص الشغل التي يوفرها بشكل مباشر وغير مباشر .
مصدر خاص أكد للبحرنيوز أن القرار المنظم للراحة البيولوجية هو عادة يبقي المجال مفتوح لسفن أعالي البحار في النشاط شمال بوجدور ، غير أن أنظمة هذه السفن المتخصصة في صيد الرخويات عبر نظام التجميد هو يعقد من مهامها المحتملة ، وبالتالي تضطر أغلبية السفن إلى التوقف وإستغلال المرحلة في القيام بإصلاحات كبرى ، خصوصا وان أغلبية سفن الأسطول هي تعود لعقود ، وتحتاج لصيانة دورية تتيح لها مواصلة النشاط ، فيما تعالت الأصوات المطالبة بتحفيز عصرنة هذا الأسطول وفتح المجال أمامه لإستغلال الفرص الممكنة .
المياه الدولية وأفق النفوذ نحو سواحل القارة
مع إشتغال المغرب على ترسيم حدوده البحرية، بدأ مصطلح الصيد في أعالي البحار يتراجع لفائدة مصطلح الصيد الصناعي بعد أن اصبح مصطلح أعالي البحار أكثر شساعة، وهو ما يؤكد توجه المملكة نحو إعطاء دينامية جديدة لأسطول الصيد النشيط في إتجاه أعالي المملكة والمياه الدولية ، حيث أن المغرب يعد من الدول التي وقعت على معاهدة أعالي البحار. وهي الاتفاقية التي تتعلق بحماية المناطق الواقعة خارج المياه الإقليمية أو المنطقة الاقتصادية الخالصة للدول الساحلية. ويتيح، بذلك، العمل الإسترتيجي في المناطق البحرية الواقعة في أعالي البحار، وفي المياه الدولية والتي لا تقع ضمن اختصاص الولاية الوطنية.
كما أن إنفتاح المغرب على دول القارة المطلة على المحيط الأطلسي، من خلال مجموعة من الإتفاقيات الثنائية التي تربط المملكة بهذه الدول ، والتي تم الشروع في تنزيل فصولها مند سنوات ، هو معطى يعزز النقاش على مستوى إستفادة القطاع الخاص المغربي من الفرص المتاحة في السواحل الإفريقية الأطلسية، لاسيما وأن المملكة تحظى بثقة قوية لدى الشركاء الأفارقة، مع إطلاق المبادرة الملكية لولوج الدول الإفريقية لهذا المحيط ، وهو ما يعزز دينامية العلاقات، التي من شانها فسح المجال للأسطول المغربي ، في تدبير فترة التوقف بالإنفتاح على فرص جديدة بالسواحل الخارجية، بشكل يضمن التوزان للنشاط المهني ويقدم متنفسا للشركات التي تواجه اليوم الكثير من التحديات. وهي تطلعات تحتاج لتحظير الأسطول المغربي لركوب التحدي الجديد.
إقتراح. تشجيع الاستثمار في مجال التصنيع الوطني لجميع الأصناف مع الاخذ بعين الاعتبار العمل بالحصة السنوية للصنفين الساحلي وأعالي البحار، ابتداءا من فاتح يوليوز إلى غاية 31 مارس للسنة الموالية. أما الصنف التقليدي فيجب العمل بالحصة الفردية للقارب حسب الرحلات على طول السنة… والله الموفق