بعد مرور خمس أيام من حادث اصطدام بين مركب للصيد بالجر وأحد قوارب الصيد التقليدي، بدأت خيوط الحادث تتجمع في إتجاه تحديد هوية القارب المفقود وطاقمه ، بعد أن ظل يكتنفه الغموض .
وحسب المعطيات التي توصلت بها البحرنيوز ، أفاد فاعلون أن احد أبناء البحارة قد إتصل بأحد المهنيين للسؤال عن أبيه الدي غاب عن غير عادته، وهو المعطى الذي يقود لنوع من الإجتهاد المهني، أن القارب الدي يبحر على متنه والده غير موجود بالرصيف، مند الأحد الماضي، مما يشكل خيطا رفيعا للتحري حول القارب المعني المسمى “الحسين” المرقم تحت رقم 8-6007 بمندوبية الصيد البحري باكادير الذي يعد في حكم المختفي ، فيما يبقى البحار المعني في عداد المفقودين إلى ان يثبت العكس .
ووفق التحريات التي قامت بها البحرنيوز، اكد فاعلون مهنيون أن البحار المذكور هو في أواسط الخمسينات من العمر ، إعتاد الإبحار على متن القارب وحيدا، وهو معطى يكتسي طابع الخطورة ، خصوصا وأن محسوبين على طاقم المركب الذي صدم ذات القارب ، أكدوا انهم عاينوا بحارا وحيدا وهو يتمسك بقطعة خشبية ساعة وقوع الحادث ، غير أن الضباب والثيارات البحرية صعبت من مأمورية إنقاذه وفق الرواية المتداولة .
السؤال المطروح كيف تسمح السلطات بإبحار بحار واحد على متن قارب الصيد، خصوصا وأن مجموعة من القوارب بأكادير والموانئ المغربية، تعرف هذه الظاهرة غير صحية ، فمن الصعب أن يقوم البحار بجميع الأدوار من صيد ومناورة ومراقبة ويقظة ، كما أن الكثير من البحارة يخلد للراحة والنوم بعد تثبيت شباكه وأليات صيده لأخذ قسط من الراحة، بعد أن ينال منه الجهد والعياء بل أن الحاجة البشرية تحتاج تستدعي التخلص من اللفضلات سواء بالتبول أو الغائط ..، وبالتالي يكون البحار في لحظة إسترخاء أو غفلة معرضا بنسب كبيرة للحوادث ، على عكس الطاقم المتعدد الأفرد ، حيث تتوزع الأدوار وتكون هناك مداومة بالتناوب في حالة نوم البعض. ناهيك عن كون بحار لوحده على متن القارب من الصعب أن يتبث نفسه دهنيا في مواجهة الحوادث، وبالتالي عادة ما يختار الحل الأسهل الشبيه بالإنتحار بدل المناورة ، لاسيما وأن الحوادث في حالة الضباب تكون فجائية ، ولا مجال فيها لهدر الوقت والتفكير، حيث تصبح الثانية على درجة عالية من الأهمية، وتحتاج لدهن أكثر تركيز في تنفيذ المهام المطلوبة.
إلى ذلك الكثير من البحارة يواصلون التعاطي مع سترة النجاة بكثير من الإزدراء ، حيث أن العقل الباطني يسوق للبحار أنه محط سخرية في حالة إرتدائه لسترة النجاة، ويسوق له أن البحار المخضرم لا يحتاج للإرتداء الصدرية ، ولا يمكنه الوقوع في حوادث ، وهذا تفكير قاصر ومردود على من يتبناه فكثير من البحارة المخضرمين فقدناهم في لمح البصر ضمن حوادث مباغثة، لذا فسترة النجاة من المفروض أن تطوق أكتاف البحارة بمجرد أن تطأ أقدمهم الرصيف ، بل أكثر من ذلك فذوي البحار لاسيما الزوجة من المفروض أن تقوم هي بربط هذه الصدرية على صدر البحار ، كما تحرص على تأنق زوجها وهما يحاولان الخروج لزيارة الأقارب والمناسبات ، فالأولى أن تكون الصدرية بإعتبارها تغرس الأمل في الحياة وهي أولى في العناية والتدقيق ، بما يكرس وعيا مجتمعيا وضغطا على المتراخين في إرتداء السترة ، بل أكثر من ذلك حان وقت لغة العقاب لمن يتهاون في إرتداء الصدرية ساعة ركوب القارب والمركب والسفينة ، لقطع الطريق عن نزيف المزيد من المفقودين والموتى في صفوف الأطقم البحرية .
إلى ذلك يواصل التأخر الحاصل في تفعيل برنامج تعميم صدريات النجاة من الجيل الجديد على قوراب الصيد التقليدي ، إثارة النقاش في الوسط المهني، لاسيما وأن هذا البرنامج تم التبشير به قبل إنطلاق الولاية الحكومية الحالية. فيما تتواصل الجهود التشريعية التي تكرس إجبارية التوفر على هذا النوع من السترات وبالعدد الكافي من طرف أساطيل الصيد المختلفة بما فيها الصيد التقليدي .
وتوصلت غرف الصيد البحري مؤخرا بمشئروع قرار جديد لوزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات يتعلق بقائمة وسائل الإنقاذ على متن سفن الصيد البحري وبتكوين البحارة في مجال الإنقاذ. حيث يهدف مشروع القرار إلى تغيير قائمة وسائل الإنقاذ المنصوص عليها في المادة 3 من المرسوم رقم 2.18.103، مع حذف صدريات النجاة وطوافات الإنقاذ الصلبة واستبدالها بالصدريات والطوافات القابلة للنفخ؛ وتحديد مواصفات وسائل الإنقاذ وأماكن تثبيتها واستعمالها وصيانتها؛ وتحديد الإجراء المتعلق بتكوين البحارة في مجال الإنقاذ لاسيما فيما يتعلق باستعمال المعدات وإنجاز الأعمال المتوطة بهم.
وتنص المادرة الرابعة من المشروع على أن تكون كل سفينة صيد مجهزة على الأقل بصدرية أو سترة نجاة قابلة للنفخ لكل شخص يوجد على متن السفينة . حيث يجب أن تكون صدريات أو سترات النجاة القابلة للنفخ من نوع معتمد وفقا للمواصفة القياسية المغربية ISO12402 أو مواصفة تعادلها تقدم مستوى أداء يبلغ على الأقل 150 نيوتن. علاوة على ذلك، يجب أن تستجيب هذه الصدريات أو السترات إلى الخصائص المنصوص عليها في الملحق رقم 1 من مشروع القرار ، وتحمل علامات تسجيل السفينة لاسيما اسم ورقم تسجيل السفينة.
ويرى فاعلون أن هذا المشروع سيسرع من إطلاق البرنامج الطموح الذي يستهدف قطاع الصيد التقليدي، بعد أن ظل محط إنتظار ، خصوصا وأن الوزارة الوصية عملت على تحديد أعضاء اللجنة المركزية للسلامة البحرية والوقاية من التلوث الخاصة بسفن الصيد البحري. وهي اللجنة التي تم تنصيبها مؤخرا بعد إعلان مكوناتها الإدارية والمهنية . حيث تعالت الأصوات الداعية إلى تسريع البرنامج، خصوصا وأن مالية المشروع توصلت بها الغرف المهنية ، وأصبحت ترمي بثقلها على حسابات هذه المؤسسات الدستورية.
وأكدت مصادر البحرنيوز أن هذه اللجنة، سيكون لها حق الحسم في المعطيات التقنية المرتبطة بالصدريات، وتحديد دفاتر تحملات لضمان الجودة في طبيعة الصدريات، التي ستطوق أكتاف البحارة وتحسسهم بالأمان، إذ تعتبر اللجنة مفتاحا للشروع في تنفيذ البرنامج ، لاسيما وأن الإمكانية المالية حاضرة ، بعد الإتقاقية الموقعة بين الغرفة ووزارة الصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات ووزارة الإقتصاد والمالية بخصوصا هذا المشروع .
وتراهن الجهات المختصة والمانحة، على وضع شروط صارمة لتدبير الجودة في الإختيار عبر دفاتر تحملات صارمة، خصوصا وأن التدقيق في المعايير تفرضه أهمية المشروع وغايته المتمثلة في إنقاذ الأرواح البشرية، بما يشعل تعزيز المنافسة في أوساط الشركات المختصة، ويضمن تأمين سترات نجاة تستجيب لخصوصيات المهنة ، وتفي بالأهداف المعقودة عليها في تأمين سلامة الأرواح البشرية على ظهر قوارب الصيد
وتم الإعلان إبان الولاية الحكومة السابقة، عن توجه وزارة الصيد نحو التكلف بمهمة تزويد قوارب الصيد التقليدي على المستوى الوطني ب 46000 سترة نجاة من الجيل الجديد، في سياق تعميم هذا النوع من الصدريات على مختلف أساطيل الصيد الوطنية، التي تنشط بسواحل البلاد، إسوة ببرنامج الصناديق العازلة للحرارة.
وتساعد السترات الجديدة على مساعدة البحارة في الإلتزام بإرتدائها، لخفّتها من جهة، وسلاسة مهامها. وهو ما يجعل من هذه الصدريات، أحد الوسائل القادرة على التخفيف من الفقدان بالبحر، شريطة الإختيار الصائب والإلتزام الدائم، مع مواكبتها بقرارات صارمة تفرض إرتداءها ، والضرب بيد من حديد على يد المستهترين ، لتكريس إحترام هذه الصدريات وضمان دخولها في الروتين اليومي لرجال البحر .