لا حديث في الأوساط المهنية إلا عن المفاجأة السارة التي خطتها كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري، بإفراجها عن لائحتين متناغمتين لمصيدة التناوب برسم 2025 و 2026، بإعتبارها خطوة غير مسبوقة في تدبير هذه المصيدة الإسترتيجية.
فبدل الحديث اليوم عن 75 مركبا كما جرت العادة في السنوات القادمة، بما يرافق ذلك من ضغط وبوليميك ، أصبح النقاش اليوم عن 150 مركبا، يعني 150 طاقما للصيد وأزيد من 4500 بحار سيتناوبون في دفعتين على المصيدة الجنوبية في موسمين. وهي خطوة بقدر ما أفرحت المراكب المحظوظة ، أخلطت أوراق عدد من المتنعمين الذين ظلوا يستغلون المصيدة ، ويرفضون الزحزحة، حيث قدمت الوثيقتان إشارة قوية بأن اليوم ليس كالبارحة، وأن من أكل حقه أغمض عينه في درب التناوب، فالمراكب الحاضرة اليوم حتى وإن كان عدد منها لم يشمله التغيير هذا الموسم ، فستكون مطالبة الموسم القادم، وبشكل قطعي مغادرة المصبدة وإخلاء الأرصفة لصالح مراكب جديدة.
العارفون بخبايا الأمور يجمعون على قوة هذا التدبير المندمج الذي يعد تحركا في العمق بعيدا عن دغدغة المشاعر ، حيث ظل الفاعلون يؤكدون على ضرورة الحسم في تدابير تنظيمة على المستوى القريب والمتوسط والبعيد بالمصيدة على مستوى على أصعدة، مختلفة، ضمنها إصلاح جوهر التناوب، وضخ روح جديدة تخرجه من طابعه الشكلي إلى طابعه التنظيمي، خصوصا وأن بوصلة التناوب ضاعت وسط تغول بعض الأسماء التي ألفت الحضور في لوائح الوزارة طيلة السنوات الماضية ، في وقت كانت الأصوات تنادي بتغيير شامل على مستوى اللائحة، بما يتيح الفرص لمراكب جديدة في المصيدة، مع إعتماد شرط خمس سنوات فاصلة أمام المجهزين لتجديد طلبهم لولوج المصيدة بعد مغادرتها. ولما لا الحسم في خمس لوائح للمراكب التي ستستغل المصيدة في خمس سنوات القادمة، خصوصا وأن عدد المراكب التي ترشحت خلال هذا الموسم تجاوزت 300 مركب. حيث ستكون المراكب غير المحظوظة برسم الموسمين ، في لائحة الإنتظار التي تعطيها حق السبق في اللوائح القادمة.
إلى ذلك يؤكد مهنيون ، أن إعلان لائحتين، قدم للمجهزين ال 75 الذين سيلجون المصيدة برسم 2026 خدمة ذكية، حيث أن هذه المراكب ستضمن الإحتفاظ بأطقمها مهما كانت طبيعة هذا الموسم وإنتاجيته في المصيدة التي ستنشط بها خلال الموسم الجديد منتشية بالإنتظار ، على إعتبار أن مجهز المركب يحمل ورقة رابحة، سيستغلها في تدبير موسمه الجاري، مهمى كانت حصيلة الصيد، خصوصا وأن البحارة والربابنة المعنيين يتطلعون لحلول الموسم القادم، ولن يجازفوا بمغاد،ة مراكب في منتصف الموسم كما وقع في السنة الماضية بالعيون، حيث ستعد هذه المغادرة ضرب من الجنون .
على العموم فإن هذه الخطوة المعلنة ومن دون لغة التطبيل هي تحسب لكتابة الدولة وأدارتها الجديدة، على إعتبار أنه لم يسبقها لهذا التدبير أحد، كما أن الخطوة تأتي في سياق إسترتيجي تمر منه مصيدة الأسماك السطحية الصغيرة على المستوى الوطني ، الغارقة في التحديات في ظل تناقص الكتلة الحية، واختفاء أنواع بعينها لصالح أنوع سطحية أخرى . وهي وضعية تحتاج لتكاثف الجهود ، بما يخدم الصالح العام ، ومعه الحنطة في مفهومها الشعبي، حيث سيكون الفاعلون المهنيون مطالبون بالإنخراط الجاد والمسؤول لتحفيز التدابير الجديدة، لما يضمن المزيد من الإجتهاد في صفوف سلطات القرار، لأننا في حاجة للخروج من روتينية التدبير التي ترسمها طبيعة القرارات الموسمية، التي يتحكم فيها منطق “كوبي كولي” ، لصالح الإبداع الممنهج، الذي ينطلق من الذات العارفة بخبايا القطاع وتمدداته المختلفة . وذلك في إنتظار المزيد من الإصلاحات الإسترتيجية بالمصيدة الجنوبية، سواء على مستوى معدات الصيد أو على مستوى التسويق.