دعت اللجنة الموضوعاتية للصيد التقليدي، المنبثقة عن غرفة الصيد البحري الأطلسية الشمالية في إجتماع عقدته أمس الخميس بمقر الغرفة بالدار البيضاء، إلى اعتماد نموذج جديد لقوارب الصيد يتماشى مع تطلعات المهنيين ويلائم المتغيرات المرتبطة بالواقع البحري الراهن. وذلك في خطوة تهدف إلى الارتقاء بقطاع الصيد التقليدي وتحديث بنيته التحتية، بناء على السياسة التشاورية التي إعتمدتها اللجنة في دراسة ميدانية جابت مخلتلف الدوائر البحرية التابعة للغرفة الأطلسية الشمالية .
دراسة ميدانية نحو هيكلة حقيقية تستجيب للخصوصيات القطاعية والجغرافية
أكدت اللجنة، عقب سلسلة لقاءات موسعة مع المهنيين المحليين، على وجود إجماع حول ضرورة تحديث قوارب الصيد التقليدي لتتماشى مع التطورات التقنية ومتطلبات السلامة، مع الحفاظ على الخصوصيات الجغرافية والاجتماعية والمهنية التي تميز القطاع عبر مختلف الجهات الساحلية. وتم الاتفاق على إعداد ورقة تقنية مفصلة تشمل تصورًا حديثًا للقارب التقليدي الجديد، تحدد معايير الحمولة، التصميم، ونوعية المحركات، ليُعرض لاحقًا على الجهات المختصة بوزارة الصيد البحري للمناقشة .
وأكد محمد الإدريسي تكيريتة، رئيس اللجنة الموضوعاتية، أن هذه الأخيرة عقدت سلسلة من الاجتماعات، آخرها يوم الخميس 22 ماي 2025، بحضور أعضاء اللجنة المنتخبين. وقد تم خلال هذا اللقاء مناقشة تفاصيل إعداد نموذج عصري لقارب الصيد التقليدي، يأخذ بعين الاعتبار مختلف المقترحات الرامية إلى تحديث الأسطول، وتحسين ظروف العمل على متن القوارب، في انسجام مع التوجهات الوزارية الحالية وخصوصيات المناطق.
وأوضح الإدريسي أن النقاش لا يمكن أن ينصب فقط على القارب وإنما التركيز على تقوية البنية التحتية للقطاع، وذلك بهدف الرفع من المردودية وتحقيق تنمية مهنية مستدامة. فيما شدد على ضرورة الرفع من حمولة القوارب لتبلغ خمسة أطنان أو أكثر، بما يتماشى مع معايير الجودة والسلامة، ويعزز كرامة البحار ويحسن شروط عمله، إلى جانب المحافظة على البيئة البحرية والثروات السمكية.
توصيات محورية تنطلق من الميدان لعصرنة قوارب الصيد
يبقى من أبرز التوصيات التي ركزت عليها اللجنة الموضوعاتية ، رفع الحمولة وتحديث البنية التقنية حيث خلصت اللجنة إلى مجموعة من التوصيات المصنفة ضمن محاور رئيسية تهم رفع حمولة القوارب التقليدية إلى 5 أطنان أو أكثر ، حيث يرى الفاعلون أن رفع الحمولة يمثل ضرورة مهنية وبيئية لضمان السلامة الجسدية للبحارة والحد من الحوادث القاتلة. وكذا تحسين ظروف العمل وحفظ المنتوج من خلال التبريد والنقل في ظروف صحية. مع تنويع أساليب الصيد وتقليل الضغط على المصايد القريبة. ناهيك عن استيعاب أدوات الصيد الحديثة، بما فيها أجهزة التوجيه والملاحة (GPS، SONDEUR، VHF). وخلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة بنسبة تقدر بـ 40%. كما اقترح المهنيون اعتماد محركات بحرية تتجاوز 40 حصانًا، أو استخدام بدائل بيئية تعمل بالطاقة الشمسية لتقليص تكاليف الوقود، مع ضرورة تسجيل محرك احتياطي في الدفتر البحري لكل قارب.
إلى ذلك أوصت اللجنة بالدائرة البحرية الأطلسية الشمالية، على ضرورة استبدال القوارب الخشبية بأخرى من الألياف الزجاجية حيث أوصت اللجنة باعتماد القوارب المصنوعة من الألياف الزجاجية لعدة مزايا، منها كونها صديقة للبيئة وقليلة التكلفة في الصيانة، وخفة الوزن وسهولة التنقل، خاصة في الموانئ غير المزودة بأرصفة. بالإضافة إلى الإنسيابية في الإبحار، وتحسين مظهر القارب بما يعزز النشاط السياحي. غير ان بعض ممثلي الصيد بالمنطقة عبروا عن عدم حماستهم لهذه التوصية ، خصوصا بموانئ كالصويرة وآسفي الذين اشهروا تحفظهم، مفضلين تصميمات محلية تراعي خصوصية الطقس وظروف البحر، خاصة أن بعض التجارب السابقة في استبدال القوارب لم تكن ناجحة. كما ذكّروا بأن قوارب الصويرة التقليدية مسجلة ضمن التراث الإنساني لمنظمة اليونسكو.
مطالب متزايدة لتسوية الوضعية القانونية لقوارب “السويلكة”
وتطرقت اللجنة إلى الوضعية الصعبة التي تعيشها قوارب “السويلكة”، من أبرزها صعوبة البيع أو تغيير الملكية بسبب غياب التقييد القانوني. وحرمان البحارة من التغطية الصحية والاجتماعية. إلى جانب غياب الدعم في المحروقات. دون إغفال ارتفاع حوادث الغرق بسبب البناء العشوائي وغياب المراقبة.
واقترح الفاعلون تقنين هذا النوع من القوارب، بالنظر إلى دوره الاقتصادي المهم، ودمجه في مصايد الأسماك السطحية عبر احترام الراحة البيولوجية والكميات المسموح بها. كما دعوا إلى إدماج بعض القوارب في أسطول الصيد الساحلي، ورفع حمولتها إلى 10 أطنان لاستيعاب الصناديق والمعدات.
ولم يشكل ميناء الصويرة استثناءً في هذا المطلب، إذ اشتكى ممثلوه من منع التصريح الإلكتروني، رغم سلامة الوضعية القانونية لقواربهم، مؤكدين رفضهم فرض تخصص على القوارب في صيد الأسماك السطحية فقط، بسبب محدودية الأيام المناسبة للإبحار.
تطلعات مهنية لإنصاف الصيد التقليدي
رصدت اللجنة خلال جولتها الميدانية عددًا من الإشكاليات التي يتخبط فيها قطاع الصيد التقليدي، حيث طالبت بضرورة إعادة النظر في القوانين الضابطة لعمل قوارب الصيد التقليدي التي تقادمت، وأصبحت تتنافى وطرق الصيد الحالية من حيث الزمن والمسافة ، حيث أنه في حالة وقوع حادث ليلا أو على مسافة تفوق ثلاث أميال لا يمكن الاستفادة من التأمين على الحوادث البحرية وقص على ذلك مجموعة من التجاوزات الأخرى…
كما أكدت اللجنة على أهمية العصرنة التي يجب أن تكون أيضا على مستوى آليات الصيد ووسائل السلامة البحرية. كما نبهت اللجنة إلى مشكل غياب الأمن على مستوى بعض الموانئ ونقط التفريغ، حيث تم التطرق في ذات السياق لمشكل سرقة القوارب، والذي أصبح يشغل بال جل المهنيين. كما تم تسليط الضوء على مشكل البنية التحتية المهترئة بالموانئ ونقاط التفريغ المجهزة، ومحدودية طاقتها الاستيعابية لأماكن رسو القوارب. كما نبهوا إلى غياب الإنقاذ في بعض قرى الصيد رغم الاقتطاعات المستمرة. وتوقف التكوين في المعاهد البحرية، رغم وجود العشرات من الطلبات الراغبة في الحصول على الدفتر البحري. دون إغفال مشكل تزايد القوارب العشوائية، إذ تم التشددي على ضرورة القيام بإحصاء وطني دقيق. فضلا عن تضرر المداخل البحرية ببعض النقاط مثل سيدي رحال ومولاي بوسلهام بفعل الصخور أو تراكم الرمال.
ودعت اللجنة في ختام عملها إلى تكثيف التنسيق بين المهنيين، الغرف المهنية، والسلطات الوصية، من أجل تنفيذ توصياتها بشكل تدريجي وتشاركي، بما يكفل استدامة الموارد، ويحافظ على كرامة البحارة، ويُسهم في إنعاش الاقتصاد المحلي لمجتمعات الصيد. حيث أشارت اللجنة الموضوعاتية، أن عصرنة قطاع الصيد التقليدي ليست فقط ضرورة مهنية، بل هي أولوية اجتماعية وتنموية تهم حاضر ومستقبل الآلاف من الأسر المغربية العاملة بهذا القطاع الحيوي.
وتأتي هذه التحركات في إطار مساعي اللجنة الموضوعاتية لتحسين مردودية قطاع الصيد التقليدي وضمان استدامته، مع السعي إلى توفير بيئة عمل أكثر أماناً وجودة للمهنيين في هذا المجال الحيوي. فيما يعتبر اللقاء بما حمله من مخرجات مساهمة فاعلة من اللجنة، في سياق النقاش المفتوح على المستوى الوطني ، بخصوص هيكلة الصيد التقليدي، حيث يعرف هذا الموضوع في الأسبوعين الآخيرين توهجا مهنيا ، يصب في إتجاه الترحيب بالإصلاح ، شريطة إحترام خصوصية قطاع الصيد التقليدي، وتوسيع دائرة التشاور، وإستحضار الرغبة في التطور والتوسع التي يطلبها الفاعلون المهنيون.