لفظت أمواج الأطلسي صباح الخميس 3 يوليوز 2025 بشاطئ أكادير، دلفينا نافقا يقترب طوله من المترين، ما يشير إلى أنه كان في مرحلة البلوغ أو قريبًا منها. فيما ترجّح المعاينات الأولية أن يكون الحيوان قد نفق في عرض البحر قبل أن تجرفه الأمواج إلى الساحل.
وفور الإبلاغ عن الواقعة، استنفرت السلطات المحلية والمصالح البيئية المختصة، التي انتقلت إلى عين المكان لمعاينة الحالة، وإنجاز محضر رسمي يواكب الإجراءات الإدارية والبيئية المرتبطة بمثل هذه الحالات. إذ تُضاف هذه الواقعة إلى سلسلة متكررة من حالات نفوق الثدييات البحرية، والتي أصبحت تثير قلقًا متزايدًا في أوساط المهتمين بعلم الأحياء البحرية والبيئة الساحلية المغربية.
ويندرج هذا النفوق الجديد ضمن ظاهرة آخذة في التكرار، خصوصًا على السواحل الوسطى والجنوبية للمملكة. فقد شهدت السنوات الأخيرة نفوق عدد متزايد من الدلافين والحيتان والسلاحف البحرية، ما يدفع إلى التساؤل حول الأسباب البيئية والأنثروبوجينية (المرتبطة بالنشاط البشري) التي تقف خلف هذه الظاهرة.
ويشير خبراء البيئة والباحثون في علوم البحار إلى أن بعض هذه الثدييات تنفق نتيجة اصطدامها بسفن الصيد، أو بسبب احتجازها في الشباك البحرية، وهي حوادث تُعرف باسم “الصيد العرضي”. كما أن النشاطات البحرية المتزايدة، مثل التلوث، الضجيج تحت الماء، وتغيرات التيارات المائية، كلها عوامل قد تسهم في زعزعة التوازن البيئي لهذه الكائنات الحساسة.
ومن بين التوصيات العلمية التي يقترحها المختصون للحد من الصيد العرضي، استخدام أجهزة الطرد الصوتي (Pingers)، وهي أدوات تُثبّت على شباك الصيد وتصدر ذبذبات صوتية تنبه الدلافين والحيتان إلى وجود شباك قريبة، مما يدفعها للابتعاد عنها. وتعتبر هذه التقنية فعالة نسبيًا، خاصة مع الكائنات التي تتميز بفضولها الشديد تجاه السفن والمراكب المتحركة، كالدلافين، ما يجعلها عرضة لحوادث الاصطدام أو الوقوع في الشباك.
وفي خطوة رائدة، أعلن المغرب منذ سنة 2019، عن حظر صيد الثدييات البحرية لمدة عشر سنوات، بموجب قرار وزاري رقم 2271.19، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6808 بتاريخ 29 غشت 2019. وينص هذا القرار على أنه في حالة وقوع صيد عرضي لأي من هذه الأصناف، يجب إعادتها فورًا إلى البحر، مع إلزامية التبليغ عن الحادثة وتوثيقها.
ويعكس هذا القرار التزام المغرب بحماية التنوع البيولوجي البحري، وتماشياً مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة، مثل اتفاقية برشلونة لحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث، واتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي.
وفي إطار تعزيز هذا التوجه، عمّمت إدارة الصيد البحري دليلًا تقنيًا على مصالحها الجهوية والتمثيليات المهنية، يتضمن بطائق تقنية حول كيفية التعامل مع الأصناف البحرية المحمية التي تُصاد عن طريق الخطأ، بما فيها الدلافين، السلاحف البحرية، الطيور البحرية، وبعض أنواع الأسماك الغضروفية كالقروش والشفنينيات.
ويُحدد الدليل آليات التدخل السريع، مثل طريقة تحرير الحيوان داخل السفينة، أو في حال علوقه في شباك الصيد الخيشومية أو الشباك المثلثة أو شباك الجر، كما يفرض على البحارة توثيق الواقعة في سجلات السفينة، والتقاط صور، وتحديد الموقع الجغرافي، والاتصال الفوري بالمصالح المختصة.
ومع ارتفاع وثيرة نفوق الحيوانات البحرية ، يوصي الفاعلون بتكثيف الأبحاث العلمية حول أسباب نفوق الثدييات البحرية، وربط هذه الأبحاث ببرامج المراقبة البحرية والتعاون مع الصيادين ومهنيي القطاع. كما يتوجب إدراج التربية البيئية ضمن التكوين المهني البحري، وإشراك الفاعلين المحليين في برامج التوعية البيئية.
يذكر أن الثدييات البحرية تعتبر مؤشرات حيوية حساسة لسلامة المنظومة البيئية البحرية، ونفوقها المتكرر ليس مجرد حدث عابر، بل ناقوس خطر يستدعي استجابة متكاملة تُراعي الأبعاد العلمية، القانونية، الاقتصادية، والبيئية لضمان استدامة الثروات البحرية المغربية للأجيال القادمة.