في ظل الاهتمام المتزايد بالسواحل الأطلسية المغربية والموريتانية من طرف روسيا ضمن ما بيُعرف بـ”البعثة الإفريقية الكبرى” التي تقودها روسيا على السواحل الإفريقية، عاد الحديث مجددًا، بقوة، حول ضرورة ترسيخ التعاون الاستراتيجي بين موريتانيا والمغرب في مجال الصيد البحري، كخيار سيادي ورافعة تنموية قادرة على مواجهة التحديات الجيوسياسية المتسارعة التي يشهدها المحيط الأطلسي جنوب البحر الأبيض المتوسط. حيث وصفت موسكو الظروف البيئية في هذه المناطق بـ”المثالية” لأسطولها البحري، في إشارة إلى اهتمام متزايد بالثروات السمكية في المنطقة، وخاصة الماكريل الأطلسي، الذي شهد انتعاشًا في مستوياته خلال السنوات الأخيرة.

وتناولت الصحافة الموريتانية هذه التوجه بكثير من الاهتمام ، حيث أفاد موقع الأنباء أنفو ، أن هذه التحركات الروسية، وإن كانت مغطاة برداء البحث العلمي والتعاون التقني، فإنها تندرج ضمن استراتيجية أوسع لموسكو تهدف إلى تثبيت حضور اقتصادي وسياسي مستدام في القارة الإفريقية، في وقت تتزايد فيه المنافسة بين قوى دولية كبرى على موارد المحيط الأطلسي، وعلى الموانئ ونقاط النفوذ البحرية.
وفي هذا السياق، يرى خبراء موريتانيون ومغاربة أن الفراغ الإقليمي في تنسيق السياسات البحرية يفتح الباب أمام أشكال من الاستغلال غير المتكافئ للثروات السمكية الإفريقية، إذا لم يُقابل ذلك بــمنظومة تعاون مغاربي فعالة، وفي مقدمتها التعاون الثنائي بين نواكشوط والرباط.
ووفق ذات الموقع الإخباري ، فلا يُمثل الجوار الجغرافي وحده أساسًا لهذا التعاون، بل إن الروابط التاريخية والثقافية والدينية المشتركة بين المغرب وموريتانيا تجعل من التنسيق بين البلدين في مجال الصيد البحري خيارًا طبيعيًا وضروريًا، خاصة في ظل التحولات البيئية والاقتصادية التي تهدد استدامة المصايد والأنشطة البحرية.
ويرى محللون أن العمل المشترك بين المغرب وموريتانيا من شأنه أن يفرز موقفًا تفاوضيًا موحدًا أمام الشركاء الدوليين، ويُعزز قدرة الدولتين على فرض شروط عادلة في التعاقدات الدولية المتعلقة بالصيد، بدل الاكتفاء بمواقع متفرقة وضعيفة يسهل تجاوزها أو إضعافها.
وكان رئيس الهيئة الروسية للصيد البحري، إيليا شستاكوف، قد أعلن أن البعثة العلمية الروسية إلى السواحل الإفريقية تمت باستخدام أدوات بحثية معترف بها دوليًا، وأنها تهدف إلى تقديم مقترحات تقنية لتطوير الصيد المستدام في الدول الشريكة. إلا أن مراقبين يرون أن هذه المبادرات، وإن حملت طابعًا علميًا وتعاونًا فنيًا، فإنها لا تُفصل عن المسعى الروسي لتوسيع نفوذه البحري في ظل ظرفية دولية مضطربة.
ومن هنا، يُصبح تعزيز الشراكة المغربية الموريتانية ضرورة ملحة لضمان أن لا تتحول الشراكات الخارجية إلى أدوات استنزاف للموارد المحلية، بل إلى فرص للتنمية الحقيقية والمستدامة، بما يحفظ السيادة الوطنية ويضمن التوازن في العلاقات الدولية.
وتتوافر السواحل الموريتانية والمغربية على إمكانات بحرية ضخمة، تشمل تنوعًا بيولوجيًا فريدًا واحتياطيات سمكية هامة. إلا أن هذه الثروات باتت اليوم على مرمى إهتمام عدد من القوى الدولية بأبعاد اطماعية، ما يفرض على حكومات المنطقة، خصوصًا الرباط ونواكشوط، الإسراع في وضع آليات تنسيق متقدمة، تشمل مراقبة عمليات الصيد، وتبادل المعطيات العلمية، وتحديث اتفاقيات الاستغلال وفق معايير السيادة والاستدامة.