هل تدفع “واقعة الداخلة” الجهاز الوصي لتغيير قناعاته بخصوص معالجة إشكالية الصيد العرضي ؟

2
Jorgesys Html test

في سياق الجدل الذي أثارته واقعة التخلي عن الأطنان من سمك الكوربين والدوراد بسواحل الدخلة ، نعيد النقاش بخصوص توجهات الدولة في مواجهة الصيد العرضي للأسماك التجارية ،  عبر بوابة  مشروع القانون رقم 95.21 الذي يغير ويتمم بموجبه الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.73.255 الصادر في 27 من شوال 1393 (23 نونبر 1973) المتعلق بتنظيم الصيد البحري، والذي بالمناسبة يواصل النقاش على مستوى قنوات التشريع، إذ نتطرق اليوم، لجانب هام من هذا المشروع، يرتبط بمعالجة قضية المرجوعات أو الأسماك المعادة إلى البحر، والتي يتم التخلي عنها من طرف سفن الصيد البحري.  (مع الإشارة ان هذا المقال كنا قد نشرناه في وقت سابق ونقوم بتحينه اليوم تفاعلا مع النقاش المفتوح حول الظاهرة.)

وقد عالج المشروع الجديد قضية المرجوعات أو الأسماك المعادة إلى البحر، والتي يتم التخلي عنها من طرف سفن الصيد البحري، حيث شدد المشروع على ضرورة تسجيل عمليات إعادة الأصناف السمكية إلى البحر في يومية الصيد. وهو توجه يكشف تمسك الوزارة الوصية بتوجهاتها التقليدية في مواجهة الظاهرة، على الرغم من المطالب الداعية إلى إعادة النظر فيها بشكل عملي،  ينهي المشاكل المرتبة عن هذه العمليات، وليس الإكتفاء بمجرد تسجيلها في يوميات الصيد. إذ ستصبح سفن الصيد البحري مطالبة بمنطوق المشروع الجديد، بتسجيل مختلف عملياتها المرتبطة بإرجاع المصطادات الى البحر في يوميات الصيد المرتبطة بها ، في خطوة تطمح الوزارة الوصية من خلالها إلى تضيق الخناق على هذه العملية، التي تعد من بين التحديات القوية التي تواجه اليوم المصايد المغربية ، حيث ظل النقاش العمومي على المستوى المهني يطالب بإعادة النظر في هذه الوضعية الشادة بيئيا.

لكن بتأمل بسيط فهذه الخطوة التي من المنتظر أن تعزز بنص تنظيمي يوضح الكيفيات،  تبقى قاصرة ، وغير متفاعلة مع الطموحات الكبرى الداعية إلى القطع مع هذه العملية شكلا ومضمونا ، بعد أن ظل الفاعلون والباحثون والمهتمون يشددون على إعادة النظر في تدبير هذه العمليات ، لاسيما حينما يتعلق الأمر بالصيد الخطأ أو العرضي ، إذ تتحول هذه العملية إلى خطإ كبير، أن لم نقل إلى  مجزرة في حق الأنواع والبيئة البحرية،  حين يتم التخلص من الأسماك المصطادة التي أنهكتها الشباك بإعادتها إلى البحر، وقد نال منها الجهة أو ماتت عن آخرها. وهو ما جعل الكثير من الخبراء والمهتمين بالبيئة البحرية يدقون ناقوس الخطر بخصوص هذه الظاهرة.

إلى ذلك أوضحت وثيقة مشروع  القانون 95.21 في الفصل 10-1،  أن  إعادة الأصناف البحرية إلى البحر تكمن أساسا في إلقاء الأصناف البحرية، التي تم صيدها، عن غير قصد، بواسطة معدات الصيد، إلى البحر اعتبارا لأسباب قانونية أو تجارية. حيث شدد المشرّع في إعداد هذا المشروع وجوبا ، على تسجيل كل عملية تتعلق بإعادة الأصناف إلى البحر تقوم بها سفينة صيد في البحر، من قبل قبطان السفينة أوقائدها، في يومية الصيد الخاصة به، وفق الشروط والكيفيات المحددة بنص تنظيمي. حيث تحدّد الشروط التقنية والكيفيات المتعلقة بتدبير إعادة الأصناف إلى البحرية،  بنص تنظيمي، أخذا بعين الإعتبار، على الخصوص، خصائص السفن المعنية ومعدات الصيد المستعملة، ومناطق الصيد والأصناف البحرية.

لكن الخطوة كما أسلفنا تبقى قاصرة ، إذ نشتحضر هنا تصريح ضمن مداخلة للخبير محمد الناجي أستاد الإقتصاد البحري بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة (أنظر الفيديو المرافق) بأن هذا النوع من الإشكالات، لازالت الوازاة لم تتحرى بالجرأة الكافية لإيجاد حلول لها ، لأن الربان ومعه الطاقم يجد نفسه امام خيارين عند الوقوع في صيد مخالف. الخيار الأول أن يقوم  بجلب أسماك فوق القدر المحدد أو ممنوع من صيدها بعد أن رفعتها الشباك،  وهو يعلم أن عقوبات تنتظره مع أول وصول إلى الميناء إلى جانب حجز أسماكه، أو الخيار الثاني المر، المتمثل في التخلص من الأسماك المصطادة بإرجاعها إلى البحر في ظروف نفسية رهيبة ، لاسيما وأنها اسماك عادة ما تكون غالية القيمة كما يقع مع الكوربين ،وهو أعلم بأن هذه الأسماك  ستبقى طافية فوق الماء أو ستموت. 

فالتقديرات الأولية في غياب إحصائيا رسمية ، تؤكد حسب ذات الخبير ، أن ألاف الأطنان من الأسماك تتم إعادتها إلى البحر ، وهذه الإشكالية لها تبعات كبيرة على المصايد وعلى المخزون السمكي، حتى أن  المهنيون بمنطقة كالداخلة التي تعرف نشاطا لهذه الظاهرة ،  قد وقفوا على التراجع الحاصل بمصايد إسترتيجية،  كأثر جانبي لهذا النوع من الممارسات، التي وجبت معالجتها ، مشيرا في ذات السياق إلى التجربة الأوربية التي بادرت سنة 2017  إلى إصدار قانون، يمنع منعا باثا التخلي عن الأسماك بإعادتها إلى البحر، كيفما كان نوعها وحجمها التجاري ووضعيتها القانونية. فإذ تمت عملية الصيد،  وجب  إستقطاب المصطادات إلى الميناء وتفريغها ، وبعدها يتم التفاهم بخصوص هذه المصطادات.

فحين يُفرض على الربابنة إلقاء الأسماك العرضية في البحر بحجة أنها ممنوعة، فنحن لا نحمي البيئة بل نُهدر موردًا غذائيًا يمكن أن يُصنّف، ويُوجه للاستهلاك المحلي، أو تستفيد منه المطاعم الاجتماعية، أو يُباع بثمن رمزي لخلق موارد مالية تُستثمر في التعليم أو الثقافة البحرية المحلية. أليس هذا أولى من الإتلاف العقيم؟ ومعه يمكن للمشرّع المغربي أن يُدرج مادة صريحة ضمن مشروع قانون الصيد تُعرّف الصيد العرضي وتُميز بين حالاته، مع إمكانية استحداث لجنة جهوية مختلطة (مكونة من علماء أحياء بحرية، مهنـيين، ممثلي السلطة، وفاعلين مدنيين)، تُشرف على تقييم كل حالة عرضية وتقرير طبيعتها ومصيرها، خصوصا وأننا أمام مشروع هو قيد الدراسة والنقاش.

ففي عدة نظم قانونية متقدمة، كالتي تعتمدها بعض الدول الإسكندنافية أو كندا أو نيوزيلندا، يُؤخذ بعين الاعتبار مفهوم “الصيد العرضي غير القابل للتوقع”، وتُميز القوانين هناك بين ما هو فعل جرمي عمدي، وما هو حادث بيولوجي خارج عن الإرادة، وتُعتمد على تقارير بيولوجية مستقلة لتقييم الوقائع. فليس من المقبول أن يتجاهل التشريع المغربي لحد الساعة المعطيات البيولوجية الدقيقة التي تحكم السلوك البحري للأسماك، بما في ذلك ظاهرة الاقتيات المتداخل التي تجعل من بعض الأصناف الممنوعة مرافقًا بيولوجيًا دائمًا للأسماك المسموح بصيدها. أي أن حضورها في الشباك ليس خطأً مهنياً، بل جزء من نظام بيئي معقّد يجب فهمه قبل الحكم عليه. وهو ما يجعلنا أمام حالة تصطدم فيها عدالة النص الجامد مع عدالة الواقع المرن. فالمسؤول الإداري ملزم بمراعاة نية الفاعل والسياق العملي للواقعة، وإلا فستُظلم فئة كاملة من المهنيين بسبب ‘صيد لم يقصدوه’. وهنا تحضر جدلية قديمة في الفقه القانوني: هل تكفي النية البريئة لنفي الجُرم؟” وهل ستستمر كتابة الدولة في مقاربتها للظاهرة بشكل يضر بالمصايد أكثر مما يحميها؟

 

Jorgesys Html test

2 تعليق

  1. نقطة نظام.
    في نفس السياق لقد سبق وأن نشرنا على موقعكم المحترم والذي نقدم لإدارته، الشكر وندعو لها بالتوفيق على منحنا الحق في المشاركة والتعليق على مجموعة من القضايا تهم قطاع الصيد البحري.
    لقد نشرنا مجموعة من المراجع الفنية والتقنية تتعلق بهذه الواقعة ونؤكد لكم ولباقي شركاء قطاع الصيد البحري وخاصة الإدارة والعلميين والربابنة خريجي معاهد التكوين في الصيد البحري والانقاذ الوطنية، ان لا حل لهذه الواقعة إلا بمراجعة قرار وزير الصيد البحري رقم 01-370 المتعلق بتحديد شروط إستعمال الشباك المثقلة في صيد رأسيات الارجل لسنة 2001.
    بالإضافة إلى مراجعة قرار وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم 3049.19 الصادر في 9 صفر 1441( 8 أكتوبر 2019 ) المتعلق بتنظيم مصيدة الأسماك السطحية الصغيرة الأطلسية الجنوبية، مع تعميمه حسب خصوصية المجال البحري للغرف المهنية الأربعة.
    https://albahrnews.com/وزارة-الصيد-تعيد-تنظيم-مصيدة-الأسماك-ا/
    ومن هنا اطرح السؤال التالي:
    *هل تم فتح تحقيق من طرف اللجنة المركزية للسلامة البحرية والوقاية من التلوث لسفن الصيد البحري….؟*
    https://albahrnews.com/إدارة-الصيد-تكشف-مكونات-اللجنة-المركز/
    اما فيما يخص مشروع قانون 21-95 أدعو إدارة الغرف المعنية الاربعة وجامعتها ان تتدارس مضمون جميع المواد المشارة ضمن هذا المشروع قبل صدور في الجريدة الرسمية، وليس التركيز على العقوبات فقط…!
    هل فعلا اساطيل الصيد البحري الوطني يتوفرون على جميع الشروط للابحار والالتزام بمقتضيات مشروع قانون 21-95…؟
    الصيغة النهائية والمتفق عليها لمشروع قانون رقم 95.21 المتعلق بتنظيم الصيد البحري.
    https://medpeche.com/version-final-lois-95-21/

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا