آسفي .. متى تتوقف معاناة السكان مع إنبعاثاث معامل “الگوانو” والمركب الكيماوي؟

0
Jorgesys Html test

تعيش الأحياء الجنوبية لمدينة آسفي، وعلى رأسها حي كاوكي وحي أموني، تحت حصار بيئي خانق، فرضته منذ سنوات مداخن المركب الكيماوي التابعة للمجمع الشريف للفوسفاط (OCP) ومعامل “الگوانو”. الساكنة بهذه المناطق اعتادت على هواء مشبع بالغازات الخانقة والروائح الكريهة، حتى صار التنفس في بعض الفترات تحديًا يوميًا، خاصة في الليالي وأوقات الصباح الباكر.


ولا يقتصر الخطر على الانبعاثات الغازية للمركب الكيماوي، بل يتضاعف بفعل الروائح النفاذة القادمة من معامل “الگوانو”، الناتجة عن تصنيع الأسمدة من مخلفات المنتوجات البحرية. هذه الروائح تمتزج مع الغازات الكيميائية لتخلق خليطًا سامًا يضرب مباشرة صحة المواطنين، خصوصًا الأطفال وكبار السن ومرضى الجهاز التنفسي.

وعلى مدى عقود، ظلت الساكنة تشتكي من هذه الانبعاثات دون أن تجد آذانًا صاغية. الرسائل والشكايات الموجهة إلى السلطات لم تترجم إلى حلول ملموسة على الأرض. الجميع – حسب وصف تصريحات متطابقة للساكنة – “يتفرج” على ما يعتبرونه جرائم بيئية يومية، في ظل غياب واضح لأي رقابة بيئية صارمة أو خطط لتقليص الانبعاثات.

ويحذر أطباء محليون من أن استمرار هذه الانبعاثات، قد يضاعف معدلات أمراض الربو والحساسية وأمراض القلب على المدى الطويل، فضلًا عن الأثر النفسي الناتج عن العيش وسط بيئة ملوثة. كما يشتكي التجار وأصحاب المشاريع الصغيرة من تراجع النشاط الاقتصادي بالمنطقة، نتيجة نفور الزوار وغياب بيئة نظيفة جاذبة.

ينص الدستور المغربي في الفصل 31 على حق المواطنين في الحصول على بيئة سليمة، ويلزم الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية باتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق ذلك. كما يجرّم القانون رقم 11-03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة أي نشاط صناعي يهدد الصحة العامة أو يلوث الهواء. وعلى المستوى الدولي، يعد المغرب طرفًا في اتفاقية ستوكهولم بشأن الملوثات العضوية الثابتة واتفاقية باريس للمناخ، ما يفرض عليه التزامات واضحة للحد من الانبعاثات الملوثة وضمان بيئة نظيفة للأجيال الحالية والمستقبلية.

و يقول الحاج مصطفى، 65 سنة، من سكان حي كاوكي: “ولدت وكبرت هنا، لكن لم أرَ يومًا هواءً نقيًا في هذا الحي، حتى في الليل تجد نفسك تختنق من الروائح، وكأننا نعيش داخل مصنع للكيماويات.”  أما فاطمة الزهراء، أم لطفلين من حي أموني، فتروي: “أطفالي يعانون من الحساسية منذ سنوات، وكلما اشتدت الروائح زادت حالتهم سوءًا. لا نطلب المستحيل، فقط هواءً نظيفًا مثل باقي المدن.”  ويضيف شاب من نفس المنطقة: “المسؤولون لا يسكنون هنا، لذلك لا يشعرون بمعاناتنا. لو عاشوا ليلة واحدة في حي كاوكي أثناء هبوب الرياح الشرقية، لعرفوا حجم الكارثة.”

ولا يقتصر التلوث الناتج عن معامل “الگوانو” والمركب الكيماوي على الهواء فقط، بل يمتد إلى البحر عبر مخلفات صناعية وسوائل ملوثة تُصرف في المياه الساحلية. صيادو المدينة يؤكدون أن هذه التصريفات أثرت على الثروة السمكية وجودة مياه البحر، حيث تقلصت بعض أنواع الأسماك واختفت أخرى من مناطق كانت غنية بها. كما أن الروائح الكريهة تصل أحيانًا إلى الشاطئ، مما يضر بالأنشطة السياحية ويشوه صورة المدينة كوجهة ساحلية.

ويطالب سكان الأحياء الجنوبية من السلطات المحلية والجهات الوصية على القطاعين الصناعي والبيئي اتخاذ إجراءات عاجلة، تبدأ بفرض معايير بيئية صارمة على معامل “الگوانو” والمركب الكيماوي، وتركيب أنظمة متطورة للحد من الانبعاثات، وإعداد دراسة بيئية مستقلة لقياس حجم الضرر وتعويض الساكنة المتضررة.

Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا