كشفت دراسة علمية حديثة أنجزها فريق من الباحثين المغاربة عن وجود نسب متفاوتة من التلوث بالعناصر السامة المحتملة في ثلاث أنواع من الأسماك التي تشكل جزءًا أساسيًا من النظام الغذائي المحلي في خليج بيتويا الواقع في شمال غرب إقليم الناظور بالمغرب ، ويتعلق الأمر بأنواع السردين والأنشوجة والماكريل، حيث أظهرت النتائج أن بعض الأنسجة مثل الكبد تحتوي على تركيزات مرتفعة من عناصر كيميائية سامة مثل الزرنيخ والكادميوم والزئبق والكروم.

هذه الدراسة التي نشرها موقع “sciencedirect.com” تحت عنوان “المخاطر الصحية المرتبطة بالعناصر السامة المحتملة في ثلاث أنواع من الأسماك من خليج بيتويا: مقاربة متكاملة لتقييم المخاطر الصحية البشرية”، أنجزها فريق علمي ضمّ كلًا من: رحاب بن طاهر، نور الهدى بسراوي، وليد بوكيش، بشرى الگروج، ويوسف سميري، وإعتمدت على تحليل عينات تم جمعها خلال فصلي الشتاء والصيف، باستخدام تقنيات علمية دقيقة، مثل التحليل الطيفي بالبلازما والتحليل بالامتصاص الذري، وأظهرت أن التلوث كان أعلى في موسم الشتاء، خصوصًا في نوع السردين، كما اكدت أن الكبد هو العضو الأكثر تلوثًا يليه الخياشيم ثم العضلات.
وحللت الدراسة تركيزات ثمانية عناصر سامة محتملة في أنسجة الأسماك، وهي: الزرنيخ (As)، الكادميوم (Cd)، الكروم (Cr)، الكوبالت (Co)، النحاس (Cu)، الحديد (Fe)، الزئبق (Hg)، والزنك (Zn)، حيث أشارت الدراسة إلى أن التركيزات المسجلة في عضلات الأسماك بقيت في الغالب دون العتبات المسموح بها حسب المعايير الصحية الدولية باستثناء عنصر الزرنيخ، ما يعني أن استهلاك هذه الأسماك لا يُشكّل خطرًا فوريًا على صحة البالغين، لكن الوضع يختلف بالنسبة للأطفال الذين تبين أنهم أكثر عرضة للمضاعفات الصحية نتيجة تراكم عناصر مثل الكادميوم والحديد بنسب تتجاوز الحد المقبول للمدخول اليومي.
وقد بيّنت مؤشرات الخطر الصحي والسرطاني أن بعض الأنواع قد تشكل تهديدًا طويل الأمد لصحة الإنسان، ما يستوجب التعامل الجاد مع نتائج الدراسة واتخاذ تدابير وقائية للحد من مصادر التلوث في الخليج. كما أوصى الباحثون بضرورة إدراج تحاليل دورية لرصد التراكم الحيوي لهذه العناصر في الكائنات البحرية، وربط ذلك بمراقبة تعرض الساكنة المحلية، إلى جانب تفعيل حملات التوعية وتحديث السياسات البيئية لتواكب حجم التحديات المطروحة في المنطقة.
وتمثل هذه الدراسة أول مساهمة علمية من نوعها توثق لمستويات التلوث بالعناصر السامة في خليج بيتويا، وهي تكتسي أهمية كبيرة بالنظر إلى كون هذه المنطقة تشكل مركزًا حيويًا للصيد البحري، ومصدرًا غذائيًا مهمًا للساكنة المحلية بشرق المغرب، حيث يعتمد عدد كبير من الأسر على الأسماك كمصدر أساسي للبروتين الحيواني. وتأتي نتائج هذا البحث في سياق يتسم بتوسع عمراني وصناعي متسارع، وتزايد مقلق في الأنشطة غير المنظمة التي تُسهم في تلويث المياه الساحلية، مثل غياب شبكات التطهير وتوسع الميناء المحلي وتكثيف أنشطة الصيد والاستغلال البحري غير المستدام.
ورغم أن المؤشرات الحالية لا توحي بخطر صحي مباشر، إلا أن التراكم طويل الأمد للعناصر السامة الناجم عن الأنشطة البشرية يمثل تهديدًا مستقبليًا للصحة العامة والتوازن البيئي، وهو ما يقتضي التحرك العاجل من طرف السلطات المحلية والهيئات المعنية لتبني استراتيجية شاملة لحماية صحة المواطنين وضمان استدامة الموارد البحرية في المنطقة.