ضغط الصيد ونقص الثلج يربكان ميناء آسفي

0
Jorgesys Html test

يعيش ميناء آسفي، أحد أبرز الموانئ المغربية المتخصصة في الصيد البحري، على وقع أزمات متراكمة تهدد تثمين واستدامة الثروة السمكية، في وقت يسجل فيه ارتفاع ملحوظ في حجم مفرغات الأسماك السطحية الصغيرة، وعلى رأسها السردين. ورغم وفرة المصطادات، إلا أن اختلالات التبريد والنظافة، وتفاقم مظاهر الفوضى، تكاد تُجهز على فرص تحقيق عائد اقتصادي حقيقي ومستدام للقطاع.

الميناء يحتضن اليوم أكثر من 100 مركب لصيد السردين، إلى جانب عشرات القوارب التقليدية، بمعدل تفريغ يومي يتراوح بين 800 و1200 طن خلال ذروة الموسم. غير أن هذه الوفرة تواجه تحديات حادة، في مقدمتها النقص الكبير في مادة الثلج، التي تشكل عنصراً حيوياً في الحفاظ على جودة الأسماك. إذ يستهلك الميناء يومياً ما بين 5000 و8000 طن من الثلج، لكن الكميات المتوفرة لا تُوزع بالعدل، بحسب شهادات ربابنة مراكب أكدوا أن “المحاباة والولاءات” أصبحت تتحكم في العملية.

هذا الوضعٌ غذّاه دخول تجار سردين من خارج الميناء يحملون معهم كميات من الثلج في شاحناتهم الخاصة، يستعملونها كورقة ضغط: لا يمنحونها إلا مقابل شراء السردين بثمن يفرضونه. والنتيجة، كما يروي المهنيون، أن عشرات الأطنان من الأسماك تتعرض للتلف، وصندوق السردين الذي يُفترض أن يُباع بـ100 إلى 120 درهماً، ينهار أحياناً إلى 40 درهماً بفعل تراجع الجودة.

المشهد لا يتوقف عند أزمة الثلج، فزيارة عابرة للميناء تكشف واقعاً آخر لا يقل إرباكاً. الأرصفة والممرات تغرق يومياً في بقايا السردين والأنشوبة، وتنبعث منها روائح كريهة وسط أسراب من الحشرات، في غياب تدخل منتظم لشركات النظافة. ويؤكد البحارة أن تدخلات التنظيف لا تتم إلا بعد احتجاجات صاخبة، ما يجعل الأرصفة تتحول إلى فضاء غير صحي، يهدد ليس فقط صورة الميناء، بل السلامة الصحية للمهنيين والمرتفقين على حد سواء.

أما من زاوية الاستدامة البيئية، فيحذر خبراء مهنيون من أن وتيرة الصيد الحالية، التي تجاوزت سقف 200 ألف طن في الأشهر الأخيرة، لا يمكن أن تستمر دون أن يكون لها ثمن بيئي باهظ. فغياب التوازن بين فترات الراحة البيولوجية وضغط الصيد المكثف، يهدد بانهيار المخزون السمكي على المدى القريب، في منطقة تُعد من أغنى السواحل المغربية من حيث التنوع البيولوجي والإنتاج.

في المقابل، تبرر بعض الجهات المسؤولة محلياً أزمة الثلج بكون الطلب اليومي فاق بكثير الطاقة الإنتاجية المتاحة، إلا أن المهنيين يرون أن جوهر المشكل يكمن في ضعف المراقبة، وتواطؤ بعض الأطراف مع “لوبيات الثلج” والتجار القادمين من خارج الميناء، مما يعمّق الشعور بعدم الإنصاف ويعطل سلاسة سلسلة الإنتاج والتسويق.

في ظل هذا الوضع، تتعالى أصوات الفاعلين المحليين مطالبة برفع الطاقة الإنتاجية لمعامل الثلج، وكسر احتكار بعض الوسطاء، مع إرساء نظام شفاف ومنصف لتوزيع الثلج، إضافة إلى إلزام شركات النظافة ببرنامج صارم للتدخل اليومي، واعتماد منظومة رقمية لتتبع المصطادات، من أجل حماية المخزون وضمان استدامته. فبين ثلج محتكَر، وأسماك متلفة، وأرصفة غارقة في البقايا، يظهر ميناء آسفي كنموذج حقيقي لاختلالات تدبير الموارد البحرية على المستوى المحلي، ويُطرح سؤال جدي حول مدى قدرة الوافد الجديد على رأس مندوبية الصيد البحري، على وقف هذا النزيف، قبل أن يتحول واقع الأزمة إلى كارثة لا رجعة فيها.

Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا