قرار قضائي يحسم تفكيك سفينة “LINDEN” المهملة قبالة المحمدية

0
Jorgesys Html test

أصدرت المحكمة التجارية بالدار البيضاء مؤخرا حكمًا قضائيًا يقضي بتفكيك سفينة الشحن “LINDEN” التي ترفع علم سانت كيتس ونيفيس، بعدما ظلت عالقة في وضعية مهجورة قبالة ميناء المحمدية منذ 28 يناير 2025، دون أي تجاوب من مالكها. ويأتي هذا القرار بعد أن ثبت، بناءً على تقرير المسح البحري المنجز بتاريخ 10 فبراير من السنة نفسها، أن السفينة، البالغة من العمر أزيد من أربعة عقود، قد تعرضت لأضرار غير قابلة للإصلاح، جعلتها غير صالحة للإبحار أو لأي نشاط تجاري. وقد اعتبرت المحكمة أن وضعية السفينة تشكل خطرًا بيئيًا وملاحيًا داهمًا، مما استدعى تفعيل مقتضيات الطوارئ المنصوص عليها في المادة 21 من القانون رقم 53.95 المنظم للمحاكم التجارية، والذي يخول لرئيس المحكمة اتخاذ تدابير مستعجلة لحماية المصلحة العامة.

وبناءً على ذلك، قضت المحكمة بالسماح بتفكيك السفينة وبيع حطامها، مع تحميل مالكها، الذي لم يتجاوب مع الإشعارات الرسمية، المسؤولية الكاملة عن التكاليف الناتجة عن التخلي عنها. كما رفضت المحكمة طلب استرجاع تكاليف الصيانة المقدم من جهة أخرى، لعدم وجود ما يثبت صحة هذا الادعاء في الملف المعروض أمامها.

وتكشف هذه الواقعة عن تحديات حقيقية تواجه السواحل المغربية في ظل تكرار حوادث السفن المتقادمة أو المهجورة، التي غالبًا ما ترفع أعلام ملاذ آمن ولا تلتزم بالحد الأدنى من معايير السلامة الدولية. فهذه السفن، التي تستغل هشاشة بعض القوانين الدولية وثغرات في منظومة المراقبة البحرية، أصبحت تمثل تهديدًا حقيقيًا للبيئة البحرية، والملاحة التجارية، والبنيات التحتية للموانئ. ففي فبراير 2023، تسببت السفينة “ليفانا” في أضرار جسيمة ببنية ميناء مارينا سمير عقب جنوحها، ما استدعى تدخلاً تقنيًا معقدًا لتفكيكها بكلفة تجاوزت ثلاثين مليون درهم، تكفلت بها الوكالة الوطنية للموانئ. كما شهدت شواطئ الدار البيضاء في يوليو من السنة نفسها  جنوح سفينة “AGT 01” في منطقة عين السبع، دون أن تسفر عن أضرار ملموسة، في حين كادت سفينة “WHITE LABEILLE” أن تجنح قبالة سيدي بوزيد في دجنبر 2024، لولا التدخل العاجل لقاطرة بحرية أنقذتها من مصير مشابه.

تسلط هذه الحوادث الضوء على مجموعة من التحديات، كما تطرح تساؤلات جادة حول حدود نجاعة الإطار التشريعي والتنظيمي في التعامل مع هذا النوع من المخاطر العابرة للحدود. فعلى المستوى الوطني، ينص القانون المغربي المتعلق بالسلامة البحرية، على إلتزام مالكي السفن بضمان صلاحية بواخرهم للإبحار وصيانتها دوريا، كما يُلزم القانون رقم 28.00 المتعلق بتدبير النفايات الجهة المتسببة بأي ضرر بيئي بتعويض الأضرار المترتبة عن ذلك، مما يجعل من الحكم القضائي الصادر بالدار البيضاء منسجما مع هذه المبادئ القانونية. أما على المستوى الدولي، فتؤطر اتفاقية ماربول لحماية البيئة البحرية، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، واتفاقية الإنقاذ البحري لسنة 1989، جملة من المبادئ التي تعزز مسؤولية الدول الساحلية في اتخاذ التدابير اللازمة لمنع التلوث البحري الناتج عن السفن، وفرض الجزاءات المناسبة على المالكين المهملين، فضلاً عن إتاحة إمكانية استرداد تكاليف عمليات الإنقاذ أو التفكيك.

إن الحكم الصادر بشأن السفينة “LINDEN” يكرس مبدأ المسؤولية البيئية والمالية، ويؤشر على وعي متزايد لدى القضاء المغربي بأهمية حماية البيئة الساحلية ومرافق الدولة الاستراتيجية من المخاطر الملاحيّة. غير أن استمرار تكرار هذه الحالات يفرض الحاجة إلى مراجعة شاملة لآليات المراقبة البحرية، وتعزيز التنسيق بين الأجهزة القضائية، والسلطات المينائية، والمؤسسات البيئية، إضافة إلى ضرورة سن سياسات وقائية صارمة تُعنى بالكشف المبكر عن السفن المتهالكة أو المهجورة. كما يظل من الضروري العمل على إرساء آليات فعالة للتعاون القضائي الدولي في هذا المجال، لاسيما عندما يتعلق الأمر بسفن أجنبية ترفع أعلامًا يصعب مساءلتها.

في هذا السياق المتسم بتنامي حركة النقل البحري وتزايد الضغط على السواحل المغربية، يصبح من الحيوي اعتماد مقاربة استباقية تجمع بين صرامة القانون، وفعالية التدخل الميداني، واليقظة البيئية المستمرة، بما يضمن التوازن بين متطلبات التنمية المينائية وحماية المنظومة الإيكولوجية والفضاء البحري الوطني.

Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا