أثار ظهور كائن بحري غريب، يوم الأربعاء 24 شتنبر 2025، حالة من الذهول والاستغراب بشاطئ قاع أسراس بإقليم شفشاون، بعد تداول مقاطع فيديو توثق لحظة اقترابه من الساحل، في مشهد غير مألوف حيّر الصيادين والسكان المحليين وأشعل فضول مرتادي الشاطئ.
الكائن، الذي بدا وكأنه مزيج بين الأخطبوط والحبار، يمتلك أذرعًا طويلة وجسمًا شفافًا وانسيابيًا، مما زاد من غموض طبيعته وأثار تساؤلات حول أصله، خاصة وأن الصيادين المحليين – رغم خبرتهم الطويلة – لم يتمكنوا من التعرف عليه. حيث أكد حميد السرغيني، مدير تعاونية الوفاق للصيد التقليدي، في تصريح لجريدة “البحر نيوز” أن “الكائن الغريب خلق حالة غير مسبوقة من الانبهار والدهشة، حتى أن البعض شبّهه بكائن من عالم آخر”، مضيفًا أن الشاطئ تحوّل بسرعة إلى وجهة للساكنة الراغبة في معاينة المشهد عن قرب.
وفي خضم هذا الجدل، عبّر عدد من السكان عن قلقهم من أن يكون ظهور الكائن مرتبطًا بتغيرات بيئية غير مفهومة، فيما دعا آخرون إلى تدخل عاجل من طرف خبراء الأحياء البحرية لدراسة الظاهرة وتحليل خلفياتها. حيث رجّح الدكتور محمد كزنين، المهتم بالبيولوجيا البحرية، أن يكون الأمر متعلقًا بـ”أخطبوط بطانية روبسون” (Tremoctopus robsoni)، وهو نوع نادر جدًا من الأخطبوطات، تعيش إناثه في أعماق تفوق 200 متر وقد تصل لنحو 340 مترًا، وتتميز بامتلاكها لغشاء يشبه البطانية تستخدمه للدفاع عن النفس.
ويُعد هذا النوع من الكائنات البحرية نادر الظهور في حوض البحر الأبيض المتوسط، إذ يتركز وجوده عادة في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية بالمحيطات، مما يجعل ظهوره شمال المغرب حدثًا استثنائيًا يستحق المتابعة العلمية. وإلى حين الكشف عن نتائج تحاليل بيولوجية دقيقة، يبقى هذا الحادث بمثابة تذكير بأهمية الرصد البيئي في زمن التغيرات المناخية المتسارعة.
ويأتي رصد هذا النوع البحري بعد أيام قليلة من رصد سمكة البالون بسواحل الحسيمة ، وهو ما يؤكد أن أمرا يحدث على مستوى السواحل الموتوسطية للمملكة لاسيما وأن تثرير عليمة تؤكد أن هذا البحر يهرف ظهور عدد من الأنواع الغازية. إذ ما فتئت نداءات ترتفع في السنوات الأخيرة مطالبة بتعزيز البحث وتطوير آليات المراقبة واتخاذ التدابير الوقائية للحفاظ على ثراء النظم البيئية البحرية.
وخلصت دراسة حديثة أنجزها فريق من العلماء المغاربة والدوليين، ونشرت في مجلة متخصصة في علوم البحر الأبيض المتوسط، إلى أن المياه المغربية تستضيف ما لا يقل عن 46 نوعاً وافداً و15 نوعاً مرشحاً للتوسع، فيما تم تسجيل 12 نوعاً مؤكداً من الكائنات الغازية. وبحسب الدراسة نفسها، فإن الغالبية الساحقة من هذه الكائنات (35 نوعاً) توجد في البحر الأبيض المتوسط، مقابل 16 نوعاً في المحيط الأطلسي. كما بينت أن المتوسط المغربي يُعتبر موطناً لنسبة 77% من المقيمين الدائمين مقارنة بـ69% في الأطلسي، وهو ما يفند السجلات غير الرسمية التي كانت تحصر النسب في 25% بالأطلسي و20% بالمتوسط.
أما من حيث الأصناف، فقد تصدرت الكائنات النباتية القائمة بـ19 نوعاً، تلتها الرخويات والمحاريات (8 أنواع)، ثم القشريات (7 أنواع)، فاللواسع الشبيهة بقناديل البحر (5 أنواع)، والأسماك (3 أنواع)، إلى جانب التونيكاتا (نوعان)، فيما تم تسجيل نوع واحد فقط لكل من النيماتودا والحلقيات (Annelida). ومن أبرز الاكتشافات الحديثة التي أوردتها الدراسة نوع “Phyllorhiza punctata”، وهو قنديل بحر منقط أبيض ظل حضوره مرتبطاً بالمياه الدافئة الاستوائية للمحيط الهادئ الغربي.