يشغل قطاع الصيد البحري بالمغرب نسبة مهمة من اليد العاملة التي تتوزع على قطاعي الصيد بأعالي البحار و الصيد الساحلي، وفي هذا الاطار يقوم نظام الضمان الاجتماعي بالتغطية الإلزامية لهذه الفئة من المأجورين وفقا لمرسوم 1964، وكذا ضمان التوازن المالي لفئة التعويض الطويلة، و إنجاح نظام التغطية الصحية الإجبارية على المرض. لذا وفي هذا الصدد تبرز أهمية تصريح المشغلين للشغيلة من أجل ضمان الحقوق التي منحها لهم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي .
البدية ستكون بفئة بحارة الصيد بأعالي البحار، حيت يتم التصريح بضمانهم الاجتماعي اعتمادا على الأجر الشهري المسجل بعقد الالتزام البحري، حسب تعريف الفصل 165 من قانون الملاحة التجارية البحرية، و المتفق عليه من قبل البحار والمشغل. أما بالنسبة لفئة بحارة الصيد الساحلي أي البحارة الذين يشتغلون وفق نظام الحصة، فقد حدد المرسوم رقم 2-64-025 المؤرخ ب30 يناير 1964 مقدار واجبات الاشتراك في:
4.6 % – من مبلغ المداخيل الإجمالية الناتجة عن بيع السمك و المصطاد على ظهر مراكب الصيد بالجر.
6% – من مبلغ المداخيل الإجمالية الناتجة عن بيع السمك المصطاد على متن مراكب السردين و مراكب الصيد بالصنارة. « La pêche à la palangre »
بحارة الصيد بأعالي البحار عقود تلتهم التقاعد وتحمي المجهزين
فبالنسبة للفئة الأولى،أي بحارة الصيد بأعالي البحار، و بما أن عقد الالتزام البحري هو الوثيقة الشرعية و القانونية الكفيلة بضمان حقها في الضمان الاجتماعي في حالة التلاعب، نصطدم من خلال ممارستنا العملية بهذا القطاع بإشكالية تتجلى أولا في عدم احترام مسطرة الإذن بالإبحار، أي تأشيرة السلطة المعنية على عقد الالتزام البحري دون حضور البحار و استيعابه لمضمون العقد وفق ما ورد في الفصل 170 من قانون التجارة البحرية. وما يزيد الطينة بلة هو أنه في الغالب لا يتوفر البحار بأعالي البحار أصلا على نسخة من هذا العقد، وأحيانا يحصل على نسخة منه في الرحلة الأولى والتي تنتهي صلاحيته القانونية الملزمة بنهاية هذه الرحلة ، مما يجعل البحار يشتغل بعد ذلك دون سند قانوني يضمن حقوقه المكتسبة.
وتستغل بعض الشركات هذه المعطيات في عملية التهرب إما من التصريح كليا أو تصريح البحارة بأجور أقل بكثير من المشار إليها في بنود العقد، مستغلين جهل بعض البحارة بالمسطرة التي يتم بواسطتها حساب راتب التقاعد، الأمر الذي يضيع على هذه الفئة من البحارة أهم حقوقها حتى في حالة اللجوء إلى القضاء ،علما أن المادة 75 من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1-72-184 ،بتاريخ 27 يوليوز 1972 المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي، تؤكد على أنه ” يتعرض المشغل الذي يحتفظ لديه من غير موجب، بالمبلغ المقتطع من أجرة البحار، لسجن تتراوح مدته بين ستة أشهر و ثلاث سنوات و لغرامة يتراوح قدرها بين درهما 120و 1000 درهم ”.
بحارة الصيد الساحلي وما يطرحه نظام الحصة من إشكالية في تحديد الوضعية القانونية للعنصر البشري
وبالعودة إلى الفئة الثانية المتعلقة ببحارة الصيد الساحلي العاملين على ظهر مراكب الصيد بالجر، مراكب السردين و مراكب الصيد بالصنار، فلضمان التصريح بضمانها الاجتماعي بشكل عادل تطرح إشكالية تتمثل في كيفية التصريح بأجور هذه الفئة من البحارة، حيث يوزع منتوج الصيد بين المجهز و أفراد الطاقم طبقا لنظام الحصص، وتماشيا مع ما تمليه الأعراف والعادات المهنية في هذا الباب وذلك طبعا بعد خصم المصاريف المشتركة التي كلفتها عملية الصيد .
هكذا تكون حصة كل بحار يشتغل على ظهر مراكب الصيد بحسب المهمة التي يشغلها. لكن الإشكال الذي يفرض نفسه علينا و نحن بصدد الحديث عن البحارة العاملين مقابل الحصة، هو تحديد وضعيتهم القانونية، وهل ما يتقاضونه يمكن وصفه بأنه نصيب؟ وهل هؤلاء البحارة هم أجراء أم شركاء للمجهز ؟
اختزالا للجدل الفقهي الذي أثير في هذا الصدد، يمكن التأكيد على أن البحارة العاملين مقابل الحصة هم أجراء تابعين للمجهز. لكن رغما عن ذلك، نبقى متسائلين ماهي الضمانات التي تؤكد لنا صدق حصة هؤلاء البحارة وبالتالي مطابقة الحصة للتصريح المصرح به لدى صندوق الضمان الاجتماعي ؟
مسألة أخرى يجب ألا تفوتنا الإشارة إليها وهي البحارة الذين سيكتب لهم العمل بالمراكب الأجنبية، و التي تشملها اتفاقية الصيد البحري التي تمت بين المغرب والاتحاد الأوروبي، هل هناك إجراءات قانونية تم اتخاذها من قبل الهيئات التي صادقت على هذه الاتفاقية ، حتى لا يفوت هؤلاء البحارة الاستفادة من حقهم في الضمان الاجتماعي الذي يكفله القانون بموجب الدستور و الاتفاقيات الدولية؟
الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي وسؤال إستفادة البحار
عمل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على تطوير أنشطة طبية من خلال شبكة من المصحات تضم 13 وحدة طبية ابتداء من سنة 1979 ، موزعة على كبريات المدن في المملكة. إضافة إلى أنه في سنة 1999 تعاقد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مع صندوق الإيداع و التدبير لإنجاز برامج السكن الاجتماعي للاقتداء بالملكية لفائدة المأجورين ذوي الدخل المحدود المنخرطين بالصندوق.
من هذا المنطلق نتساءل ما موقع البحارة بالمدن الغير مستفيدة (كأسفي، الصويرة، …) من شبكة المصحات، ومن برنامج السكن الاجتماعي مع العلم أنها أقاليم تحتوي على عدد مهم من العاملين بقطاع الصيد البحري، والمنخرطين بهذا الصندوق و الذين يتعرضون لحوادث شغل خطيرة، وأزمة في السكن من الدرجة الأولى؟ أليس هذا مساسا بمبدأ المساواة والاستثناءات الواردة عليه المنصوص عليها في الدستور الجديد.
فبما أن صندوق الضمان الاجتماعي يعتبر بمثابة مؤسسة عمومية موضوعة تحت الوصاية الإدارية للوزير المكلف بالشغل، فقد صرح هذا الأخير على أن نظام التعويض عن فقدان الشغل قدتم تطبيقه بداية العام المنصرم. حيث حدد شهر مارس كأبعد تقدير، إضافة إلى أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عمل على إدخال التعديلات الضرورية على نظامه الأساسي ليتضمن البنود الخاصة بنظام التعويض عن فقدان الشغل. فهل يا ترى تم الأخذ بعين الاعتبار البطالة المقنعة التي يعيشها البحارة بمختلف درجاتهم، و ظاهرة فقدان الشغل و الطرد التعسفي ، زيادة على الراحات البيولوجية و ”البشرية” التي يعرفها القطاع و الغير المؤدى عنها عكس ما هو معمول به في أغلب أنظمة التقاعد، وخير دليل النموذج الاسباني ؟ أم أنه سيتم العمل وفق ما ورد في نص المادة 2 من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 27-21-72-184يوليوز1972المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي، حيث”يعتبر مؤقتين أو عرضيين بالقطاع الخاص البحارة الذين لا يعملون أكثر من عشر ساعات في الأسبوع لحساب مشغل واحد أو مجموعة من المشغلين”.؟
على سبيل الختم في أفق الإصلاح
انطلاقا مما سبق يمكننا القول أن موضوع الضمان الاجتماعي هو أحد الموضوعات الشائكة، والتي تتطلب إصلاحا شاملا وجذريا يتمثل في تغيير حقيقي في العمل وفي التنظيم وفي الأشخاص، وليس مجرد تعديل بسيط أو مواءمة سطحية. وإنما تحول كامل في الخطط وتغيير جوهري في الفكر وأنماط السلوك وعمل العنصر البشري. كما أن الخيارات الاستراتيجية لإصلاح صندوق الضمان الاجتماعي في ظل الدستور الجديد و الدور الجديد للدولة يجب أن تنطلق من مفهوم الدولة الأكثر استجابة لمطالب المواطنين عامة ومطالب البحارة خاصة ، وإيجاد آليات تساعد على زيادة الانفتاح والشفافية وتدعيم الحوافز على مشاركة المجتمع المدني في الشؤون العامة وتقليص المسافة بين الحكومة والمواطنين.
كتبها سيدي إبراهيم فعرس الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للصيد الساحلي وأعالي البحار بتصرف من البحرنيوز