بقلم: فكري السيد محمد*
على إثر الحدث البحري الذي تعرض له مركب;عبد المغيث; على مشارف ميناء طرفاية يوم 18 يناير 2019، وجدت الصخور الساحلية نفسها طرفا لمعادلة، كاد أن ينعكس حلها و نتائجها على أرواح أناس أبرياء، ذنبهم الوحيد أنهم ركبوا البحر بحثا عن لقمة عيشهم. ولكونها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها القطع البحرية الوطنية لاصطدام بالصخور البحرية ، فإلى أي حد يمكن إدانة أو تبرئة هذه الصخور الساحلية من هذه الحوادث و ما يترتب عنها من فواجع ؟
و مما لا شك فيه أن خطورة الصخور البحرية و نقص العمق المائي ما تحت السفن(sous quille )، يعتبران من أهم الهواجس التي تؤرق بال كل ربابنة السفن أثناء الاقتراب من السواحل. بل و من شدة معرفتهم و فهمهم لروح الملاحة البحرية، عمل مصممو الخرائط البحرية الإلكترونية الأكثر انتشارا و استعمالا من لدن كل السفن البحرية عالميا مثل”Cartes plotter, Max Sea , Time Zéro …”– عملوا – على التنبيه و التحذير من ضرورة عدم الاعتماد الكلي على هذه الخرائط، لأنها قد تحوي تقديرات تمس الموقع الحقيقي للبنية الجيولوجية للساحل، مما يخلق نوعا من الخطورة على سلامة الملاحة البحرية، و بالمقابل فهم يحيلون دائما إلى ضرورة التأكد من مسار السفن باستعمال الأجهزة الملاحية التي تنقل المعلومات المباشرة الصحيحة عن تموضع ومكان السفينة و في مقدمتها الخرائط البحرية الرسمية (cartesmarines officielles) ،لكونها تضم معلومات طبوغرافية دقيقة. كما أنه من الضروري الاستعانة بالرادارات وأجهزة السبر (Sondeurs) قصد استطلاع العمق المائي المناسب لإبحار السفينة لضمان سلامتها.
و رغم أهمية هذه الأجهزة و تطورها، فإن الإشكالية في ضمان سلامة الملاحة الساحلية تبقى دائما قائمة لكون الصورة الحقيقية لما تحت سطح الماء، تبقى غير متوفرة و مبهمة، مما يدعو الجهة المسؤولة وطنيا (وزارة التجهيز) بضرورة العمل و الإجتهاد على إنجاز”باتمتريا” ( bathymétrique) أو خريطة شاملة لتضاريس السواحل الوطنية القريبة من الشواطئ، تكون إبداعا بحريا وطنيا على شكل نظام إلكتروني، مع مراعاة الدقة في تحديد كل النتوءات بخطي الطول والعرض” Latitude” “Longitude” ، و بذلك توفر مرجعا يستعان به لضمان سلامة القطع البحرية في أي مهمة تتطلب الاقتراب من الساحل.
و أمام الغياب الكامل للصورة الحقيقية لما تحت سطح المياه البحرية الساحلية ، فيبقى عنصر الكفاءة مع أخذ أقصى درجات الحيطة و الحذر، من لدن الربابنة الضامن الوحيد و الأوحد لتجنب الاصطدام بالصخور البحرية التي تكلف فقدان الأرواح و الممتلكات. و مما يدعو للدهشة و الاستغراب، أن تجد معيار اختيار الربان هو معيار قدرته في تسجيل أكبررقم المعاملات “Chiffre d’affaire ” في عمليات بيع مصطاداته السمكية – و هذا لعمري عين الجهل- و لعل الجمع بين عنصري الوعي بمسؤولية الربان على سلامة أرواح طاقمه، و المحافظة على طفو سفينته فوق الماء من جهة، و العمل على أداء مهمته كمسؤول عن تحسين كميات مصطاداته من جهة ثانية، يعتبران المعياران الأساسيان للربان الكفؤ والناجح.
و من باب الاتعاظ بالأحداث، ينبغي الاستفادة من درس ز لزال مركب عبد المغيث، المحطم فوق الصخور على مشارف ميناء طرفاية ، دون الاكتفاء فقط بشكر الله على نجاة طاقمه و إلقاء اللوم على الصخور البريئة من هذه المصائب، بل من منظورنا يجب تقديم جزيل الشكر لها لأنها هي التي أعطت فرصة زمنية و أنذرت أفراد طاقم المركب و نبهتهم إلى ضرورة ربط سترات نجاتهم، و لولا ذلك لكنا أمام كارثة “تيتانيك المغربية” ، فثلاثون روحا و ما أدراك ما ثلاثون روحا كادت أن تزهق و لكن الله سلم.
* فكري السيد محمد ربان خافرة أسا- طانطان-رئيس الجمعية الوطنية لضباط و بحارة خوافر الإنقاذ البحري