متابعة / محمد عكوري
يلقي هارون محمد نفسه في البحر، يمسك بيد واحدة قاربه، ويغوص برأسه في الماء ليسترق السمع من الأعماق.
هكذا يبحث الصيادون التقليديون في ماليزيا عن طرائدهم البحرية بطريقة قديمة توشك على الاندثار.
يعد الصياد هارون محمد من الماليزيين القلائل المتمسكين بطريقة عجيبة في البحث عن السمك، قبالة سواحل سيتيو على الشاطئ الغربي لماليزيا، أحد أكثر البلاد استهلاكا لثمار البحر في العالم.
وقد أورث هارون ابنه زريني (44 عاما) طريقة صيد الأسماك عن طريق السمع. ويقول الابن “عندما تمعن في السمع، تشعر وكأنك تنظر من خلال زجاج، إذ يمكنك أن تحدد أنواع الأسماك الموجودة“.
ويضيف “نحن نبحث تحديدا عن أسماك الغيلاما، علما أن أنواعا عدة من الأسماك تسبح هنا أيضا“.
وعن طريقتهم التقليدية في الاهتداء إلى الأسماك عن طريق السمع يقول “لا يمكن اكتساب هذه المهارة سوى بالتلقين، ويجب فهم أحوال البحار“.
وحسب هارون، فإن تجار السمك يتخوفون من أن تختفي أسماك الغيلاما مع رحيل آخر صياديها التقليديين. وهذا النوع من السمك ذو مذاق محبب لدى الماليزيين، وهم يعتبرونه أفضل الأنواع، ويقبل على أكله الفقراء خصوصا، ويطلق عليه اسم “الملك“.
ويقول هارون إن ملك السمك هذا اكتسب اسمه أيضا لكون جماعات من الأنواع الأخرى من السمك تسبح إلى جواره.
ولم يعد الصيد التقليدي واسع الانتشار كما كان في السابق، فكثير من الصيادين القدامى رحلوا، ومنهم من تقاعد عن العمل، ومنهم أيضا من عزف عن الطريقة القديمة متحولا إلى التقنيات الحديثة لتحديد أماكن تجمع السمك، إذ لم تعد الأذن كافية أحيانا في ظل ارتفاع الضجيج في أعماق البحار بسبب حركة السفن وتراجع أعداد السمك بسبب الصيد المفرط.
وبالفعل، فقد فقدت ماليزيا ما يقارب 92 بالمئة من مواردها من السمك بين العامين 1971 و2007، بسبب الإفراط في الصيد، حسب ما تظهر دراسات علمية.
ويستهلك الماليزيون السمك بوتيرة عالية جدا، إذ يزيد معدل استهلاك الفرد الواحد عن 56 كيلوغراما في السنة، متفوقين بذلك على اليابانيين.
وللمقارنة، فإن معدل استهلاك الفرد للسمك في العالم لا يزيد عن 20 كيلوغراما في السنة، وجراء ذلك حذر الصندوق العالمي للطبيعة من أن مياه ماليزيا قد تخلو من الثروة السمكية بحلول العام 2048.
ويصف هارون صوت الأسماك بأنه كصوت إلقاء الحصى في المياه. ويقول “الأسماك تصدر أصواتا تختلف باختلاف أنواعها، لكن يصعب على المبتدئين التمييز بينها”. مضيفا: “مع مرور الوقت يتمرس الصياد، فيشعر حين يسمع صوت المياه وكأنه ينظر بعينيه ويرى مواقع الأسماك وأنواعها“.