تشكل المساهمات المالية التي يتم جمعها عند كل فاجعة بحرية، أحد أهم الأدوات التي كانت ولا تزال تلعب دورا هاما في ترسيخ ثقافة التضامن بين مكونات مهنة الصيد البحري، وتحقق الإستجابة الإنسانية بشكل مؤقت، في ظل غياب قوانين، وأليات حماية الأرامل والأيتام، وتأمين حقوقهم، أو تمويلهم بخدمات اجتماعية.
لم يغب عن البعض متتبعي الشأن البحري طرح و متابعة شريحة أرامل، و أيتام البحارة الذين يعانون البؤس و الفقر و الإهمال بعد وفاة المعيل، في غياب استراتيجية اجتماعية، لبحث أوضاع هذه الشريحة. ووضع الحلول اللازمة لهذه المشاكل ضمن فترات زمنية محددة، تخضع فيها ألية التنفيذ للتقييم. ما يجعلنا نطرح السؤال هل ثمة حلول قريبة ؟
الأجوبة منعدمة ويمكننا المراهنة على حلول دائمة، وليس مساعدات مؤقتة على من حكمت عليهن الأقدار بالانتقال الى جحيم فردي يتلظى، وسط حياة تشهق بالحياة. فماذا لو نظرنا إليهن كأنفس وأرواح وحياة تنبض، إلى من منحتهن الدنيا لقبا قاسيا، واعتصرتهن بفجيعة، ورمتهم على أرصفة الحيرة والإكتئاب والبكاء، بعدما امتلكن الشقاء من أطرافه، لتوفير العيش للأطفال اليتامى، في زمن أصبحت فيه الحياة بعيونهن سوداء. لا تطير في سمائها غير غربان الشؤم والتشاؤم، وحيث لا يجدن فسحة أمل أو بصيص ابتسامة، سوى غيم يسيل اكتئابا و يأسا وموتا.
جاءت اقتراحات معينة من ذوي الخبرة، و التجربة والرؤى المستقبيلة، أن إشكالية الأرامل والايتام في قطاع الصيد البحري بلا حماية، تكمن إلى حد كبير في جوهر المغالاة على حقوق البحارة، وذويهم. والهدف الرئيسي هنا، هو دراسة طريقة ديناميكية؛ يتقاطع فيها مصير هذه الشريحة نحو السعي إلى غرس برامج التماسك الاجتماعي، واحتواء متطلبات الأرامل والأيتام. إذ أنه آن الأوان للاستثمار في التماسك الاجتماعي في عالم متغير، من أجل تحديد و تقديم حلول عملية لرفع مثل التحديات الملحة التي تدفعنا إلى { الصينية }لجمع المساهمات المالية في كل فاجعة غرق.
إن حماية أرامل، و أيتام البحارة من خلال السعي بقدر كبير من الشمولية الإجتماعية، أصبح أمرا حتميا، حفاظا على كرامة البحارة أحياء، و أموات. وباعتبار أن التماسك الإجتماعي مبني حول قيم أساسية، تنطلق من رأس المال الإجتماعي، فإن الإدماج الاجتماعي يشير إلى المدى الذي يمكن فيه للأرامل، والأيتام البحارة الاستفادة من الحماية الاجتماعية، في أوقات الشدة، للشعور بالانتماء إلى هذا المجتمع .
يمكن أن تحدث الثقافة التأمينية فرقا كبيرا، باعتبارها موردا متاحا يمكن استثمارها، في إعالة الأرامل و الأيتام، و تحسين رعايتهم المعيشية، والصحية، وحمايتهم من العوز، والفقر في حالة وفاة البحار المعيل. بل أيضا وسيلة مفيذة تحافظ على التماسك الإجتماعي لأسر البحارة. إذ أنه على هذه القاعدة الذهبية من خلال تفعيل تأمين سنوي على الوفاة لكل بحار، يمكن ذوي الحقوق الإستفادة في الشهر الأول، بعد الوفاة من مبلغ مالي محترم يغطي متطلبات الأسرة المنكوبة في معيلها. حيث يستوجب على التمثيليات المهنية تفعيل قراءة الواقع، والتخطيط التشاركي، ووضع أسر البحارة على رأس الأولويات والإهتمامات من تيسير سبل الحياة الكريمة .
إن مفاهيم التماسك الإجتماعي في قطاع الصيد البحري ترتكز على عناصر أساسية وأخلاقية وقانونية، كذلك، بعدما أهملت بشكل من الأشكال العناصر الأساسية الضامنة لقوة التماسك الاجتماعي لأسر البحارة، ودوامها، في غياب روح الإصرار لدى التمثيلات المهنية للمجهزين وانشغالها الحثيث في الصراعات و تصفية الحسابات. وتقاعس الوزارة الوصية فتح هدا الورش الكبير، الذي تتناوله من طرف أحادي الجانب. و في الغالب بنظرة نسبية لا تضمن الصلابة والمناعة، ونقائص الشخصية المعنوية، والاستشارية لغرف الصيد الدستورية التي لم و لن تثير موضوع إخراج مؤسسة اجتماعية للبحارة و عائلاتهم. ولن تقوم مكونات الحنطة بالاضطلاع بأدوارها الكاملة، بابتداع خطط ديناميكية و تعزيزها بقوانين جديدة، بداية من السلامة البحرية بفرض صدريات النجاة بالمعايير الدولية، و ليس الاستعراض و أخد الصور بها، و من تم إرجاعها إلى الشركة، وفرض استعمال الخودات و رماثاة النجاة Radeaux de sauvetage، و جميع الوسائل المتطلبة للسلامة البحرية، مع تفعيل تأمين سنوي على الوفاة للبحارة.
قد يجول بالخاطر أسئلة كثيرة، و متنوعة بما أن القيم الأخلاقية تمثل ركيزة أساسية لعلاقات إنسانية راقية و إيجابية، تساعد على تمتين التماسك الإجتماعي. فلما لا يكون حظ أسر البحارة من الاهتمام و إفراد القوانين التي تؤكد الحماية المثلى، عوض الارتهان إلى {الصينية} لجمع المساهمات المالية، بعيدا عن الأفكار المحنطة التي لم تعد تتماشى مع تطورات مهنة الصيد البحري.
إن إنقاذ أسر البحارة الآن من العوز، و الفقر، وبطريقة عاجلة هو الأولوية.. وفي إنقاذها الفعلي، سيتحقق السلم الاجتماعي الحقيقي، الذي سيكون له وقعه و تأثيره في تحقيق الكرامة لأرامل، وأيتام عائلة البحارة، من خلال التخطيط و العزم و التفعيل، لتتجسد الأمور على أرضية الواقع…
{وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
*رأي كتبه للبحرنيوز بوطلطست عبد الرحمان، عضو جمعية البحث وإنقاذ الأرواح البشرية بالبحر بالداخلة