مع كل إستهلال ل “الثامن” من شهر مارس الذي يصادف اليوم العالمي للمرأة، يتجدد الحديث عن المرأة، وحضورها النوعي على مستوى المجتمع والقطاعات المنتجة، وهو نقاش لا يخلو منه قطاع الصيد البحري طبعا ، وسط دعوات صادقة إلى أن الإحتفاء يجب أن لايتوقف عند حدود التهاني الشكلية، لأن واقع الحال يفرض الانكباب على المشاكل والتحديات الحقيقية، التي تواصل إعتراض نون النسوة على مستوى قطاع منتج تلتقي فيه المتناقضات .
ونحن نهنئ المرأة المغربية عن النجاحات المطردة لاسيما في قطاع الصيد البحري الذي نعنى بأخباره، يقودنا التأمل البسيط إلى الوقوف على الحضور القوي للمراة في صناعة القرار، خصوصا على مستوى الكتابة العامة التي تدير شؤنها المراة المخضرمة زكية الدريوش مند سنوات، كانت شاهدة على الكثير من الإنجازات والتحديات، في سياق الإصلاحات الكبرى، التي رسمت الخطوط العريضة للعقد الماضي، وما واكب ذلك من حضور كريزماتي للمرأة على رأس مجموعة من الإدارات الإسترتيجية في قطاع الصيد، كما هو الشأن لصباح الأزرق على رأس مديرية صناعات الصيد البحري وأمينة فكيكي المديرة العامة للمكتب الوطني للصيد، وماجدة معروف على رأس الوكالة الوطنية لتربية الأحياء البحرية ، إلى جانب أخريات متدرجات في مواقع المسؤولية، وهي معطيات تقدم انطباعا قويا حول تسيد المرأة لمنصة القرار على مستوى مقاربة النوع في الصيد البحري.
فالحضور على مستوى المسؤولية ، يجب أن لاينسينا في سياق آخر عدد من النساء على مستوى قطاع الصيد والمصالح الخارجية لهذا القطاع سواء بالمندوبيات والإدارات المختلفة، واللواتي يجدن أنفسهن في المواجهة المباشرة مع مهنيي الصيد ، بحمولات مختلفة، عادة ما تنجم عنها سلوكيات تضر بكيان المرأة ، وتعد من المسكوت عنه. كما ان واقع الحال يجعلنا امام سيطرة دكورية على مناصب المسؤولية على رأس مندوبيات الصيد ، والمندوبة الوحيدة التي سجلها تاريخ القطاع “جليلة” في العقد الآخير، توارت عن الأنظار في ظروف صاحبها القيل والقال لتجد نفسها ضمن اسرة التكوين. يحدث هذا في وقت أعلنت فيه مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت في وقت سابق، أنّ العنف ضد المرأة في مكان العمل “يشكّل حاجزًا أساسيًّا واسع النطاق ، يعيق تمتّعها الكامل بالحقوق والحريّات الأساسيّة”.
فالأرقام المؤسساتية تقدم مؤشرات قوية حول حضور المراة على مستوى المسؤولية في السلم الإداري ، بعد ان كانت الدولة قد إعتمدت مجموعة من التدابير والإجراءات، التي تستهدف تكريس مقاربة النوع، وجعلها أساسية ومحورية ضمن استراتيجيات التخطيط والبرمجة، التي تهم مختلف الأنشطة المتعلقة بالقطاع ، حيث وبلغة الأرقام فأزيد من 45 في المائة من المسؤولين في مواقع صنع القرار على صعيد الإدارة المركزية لقطاع الصيد البحري، وكذا بمختلف الإدارات والمؤسسات والهيئات التابعة لها أو التي هي تحت وصايتها، هن من النساء.
ولأن مقاربة النوع أصبحت اليوم خيارا لا محيد عنه، فقد أسعف القانون رقم 11.21 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 9.97 المتعلق بمدونة الانتخابات وتنظيم مراجعة استثنائية للوائح الانتخابية الخاصة بالغرف المهنية، النساء في الحضور على مستوى التمثيلية السياسية للغرف المهنية في الصيد البحري، حيث نص القانون على أن لا تتضمن كل لائحة من لوائح الترشيح ثلاثة أسماء متتابعة لمترشحين من نفس الجنس. باستثناء الحالة التي لا يوجد فيها ناخبون مؤهلون للترشح من أحد الجنسين. وهو ما جعلنا نشاهد اليوم حضورا مهما للنساء بعد ان كان هذا الحضور محصورا في مرأة واحدة، حملتها تربية الأحياء المائية بجهة سوس ماسة للحضور ضمن نسيج غرفة الصيد الوسطى. غير ان الحضور في الكم يجب أن لاينسينا الأدوار المنوطة بهؤلاء النساء، اللواتي يؤسسن لمرحلة جديدة في الحضور السياسي للمرأة الطامحة لتولي رئاسة إحدى غرف الصيد البحري في السنوات القادمة ، غير ان هذا الطموح يحاصره روح المبادرة المتسم عموما بنوع من الإحتشام ، في التسويق لهذا الحضور الجديد ، الذي ينتظره الكثير من العمل للإستئناس بماهية الحضور والطموح المرتبط بالتمثيلية المهنية.
وغير بعيد عن المنصب السياسي ، يحضر الإقتصاد التضامني في قطاع الصيد البحري، الذي يسائل بدوره وضعية المرأة المتعاونة، التي تعاني اليوم مشاكل هيكلية، رغم أن القطاع يعرف وفق تصريحات رسمية وجود أزيد من 76 تعاونية نسوية في قطاع الصيد البحري، من أصل أزيد من 829 تعاونية تنشط في القطاع على الصعيد الوطني. وهو رقم على الرغم من محدوديته ، فإنه يؤكد نجاعة السياسة التحفيزية التي إعتمدها قطاع الصيد البحري، لتعزيز إنخراط النساء في الإقتصاد التضامني ، إلا أن تكوين تعاونية نسوية في منطقة معينة، لازال يتم تحت رقابة الرجل، وهو ما يؤكده الإنتشار الواسع للتعاونيات المختلطة بين الرجال والنساء، والتي عادة ما يتحكم فيها البعد العائلي، كما ان تعاونيات نسوية لازالت تسيّر بعقلية رجالية من خلف الستار، سواء تعلق الأمر بأزواج او أباء أو إخوان او أصدقاء لهم يد في تأسيس التعاونية.. وهو ما يفتح الباب امام القول بأن المرأة في حاجة للمزيد من المواكبة، خصوصا بالمناطق الساحلية القروية، لتحريرها من رقابة الوسط المهني والدكوري، وتمكينها من الأليات اللازمة، لإبراز ذاتها في قطاع الصيد البحري وتربية الأحياء المائية ، خصوصا وأننا أصبحنا نسمع اليوم عن نساء نلن الدفتر البحري لممارسة نشاط الصيد بالسواحل المغربية .
ومع تجدّد إحتفال المرأة بيومها العالمي ، فإن العديد من النساء العاملات بالوحدات الصناعية ، خصوصا تلك المتخصصة في معالجة وتصبير وتجميد السمك ، هن يواجهن تحديات كبيرة، على مستوى حقوقهن التي يكفلها قانون الشغل ، وراء أسوار مغلقة. هن النساء اللواتي بفضلهن يصل السمك المغربي من السردين والأنشوبا والأسقمر للأسواق الدولية. كما أن هناك شريحة جديدة بدأت تظهر للعلن وهن تاجرات الجملة الحاصلات على بطاقة التاجر، غير أن هذه الشريحة تواجه بدورها مجموعة من المضايقات التي تمنعهن من الإندماج بالشكل المطلوب في الأسواق .
فمرحبا بالثامن من مارس كيوم للوقوف على المكتسبات وتسليط الضوء على التحديات والتعريف بقيادات نسوية في قطاع الصيد البحري، في سياق تثمين هذه المبادرات وما يرافقها من اجتهادات لإحاطة المرأة في قطاع الصيد البحري بالاهتمام اللائق، وتعزيز قدراتها التنظيمية والمهنية، في أفق الرفع من مستوى قدراتهن السياسية والاقتصادية، وضمان حضور أرائها في صناعة السياسة العمومية في قطاع الصيد. وإلى ذاك الحين، فلكل النساء البحريات نقول كل عام وأنتن طموحات مكافحات ملهمات.