تكتسي تجارة الأسماك بالمغرب أهمية بالغة بالنظر إلى الدور الرئيسي الذي تلعبه في تثمين المنتجات السمكية و الرفع من مستوى الاستهلاك الوطني . و قد اعتمد تجار الأسماك مند وقت طويل في تخزين سلعهم من الأسماك ونقلها على وسائل تقليدية ، حيث ظل هاجس الجودة حاضرا بامتياز ، في وقت كانت تعبأ فيه الأسماك المختلفة في الصناديق الخشبية ، إلا أنه في حالة الأسماك السطحية الصغيرة ، فرض منطق الإقناع لبيع البضاعة من حمولة الصندوق ومن جودته و مصدره .
واعتمد تجار الأسماك على الصناديق المصنوعة من مادة الخشب لنقل الأسماك إلى وجهات مختلفة ، من المعامل و الأسواق . وكانت الحمولة تختلف بحسب الوجهة ،بحيث أن كميات الأسماك الموجهة إلى المعامل لم تكن تتعدى حدود الصناديق ، في حين أن الأسماك الموجهة إلى الأسواق كانت لها طابعها الخاص، بزيادة الحمولة عن المتعارف عليه و التي تجد إقبالا كبيرا من طرف تجار التتقسيط .
آسفي تاريخ في الصيد تاريخ في الإبداع
اعتبرت مدينة أسفي من المناطق الحيوية في تاريخ قطاع الصيد البحري ، و قد شكل ميناؤها قاطرة حقيقية في الحركة الاقتصادية و التجارية بالمنطقة ككل، من حيث مواردها الطبيعية من الأسماك السطحية الصغيرة و جودتها و مذاقها أيضا، حتى فاقت شهرته الأفاق. و أكسبت مدينة أسفي لقب عاصمة السردين فكانت الوجهة المفضلة لمراكب الصيد ، و قبلة للعديد من الوحدات الصناعية التي استطانت بالمنطقة، بحكم الكميات الوفيرة من السمك الصناعي و خاصة السردين.
وإكتسح تجار أسفي أغلب الأسواق الاستهلاكية الوطنية بمادة السردين هؤلاء الذي إعتمدوا على الصناديق الخشبية في تخزين و نقل سلعهم إلى الأسواق المختلفة ،على ظهر شاحنات لا تتوفر فيها وسائل التبريد الحالية ، بحيث كانت تغطى الصناديق بمادة الثلج بالحصير ، و تشحن إلى وجهات مختلفة ، و من ثم فرض واقع الجودة لغزو الأسواق البعيدة باستعمال مادة الثلج كون السردين سريع التلف .
كما عمد تجار المدينة إلى إستعمال أخشاب طويلة مستطيلة ، أو ما يعرف بالباريط بعد إكتسابهم تجربة استغلال نشاطهم التجاري في الأسواق الاستهلاكية ، مراهنين على الجودة لغزو الأسواق البعيدة عن ميناء التفريغ، بحيث أن حمولة الصناديق الخشبية الممتلئة جيدا بالأسماك تلعب دور كبيرا في إغراء تجار التقسيط. و كان لابد من ابتكار الباريط الذي يشكل مساحة فارق بين الصناديق المتراصة فوق بعضها البعض .
و قد جاءت فكرة استعمال الباريط ، بعدما فرضت الأسواق هاجس الكمية المعبئة، إضافة إلى الجودة ، لتفادي الإشكال الذي كان مطروح بخصوص فساد كميات كبيرة من الأسماك بسبب ضغط الصناديق على بعضها، مما حدا بالتجار إلى استعمال أخشاب طويلة، تشكل فارقا بين الصندوق و الصندوق الذي فوقه دون الإضرار بالأسماك الذي تحته ، فارتفعت حمولة الصناديق بأربع كيلوغرام عن المألوف. و مع مادة الثلج لم يكن هناك أي تأثير على حمولة الصناديق ، بل بالعكس نجحت الفكرة و أصبح الباريط من مستلزمات تجار الأسماك ، فتعمم استعماله في الأسواق القريبة من أسفي ،و انتقلت الفكرة و الاستعمال إلى مدن أكادير و الدار البيضاء و ومدن الشمال .
و قد اقتصر استعمال الباريط على الأسماك الموجهة إلى الأسواق الاستهلاكية ،كالسردين و الإسقمري و الأنشوبة ، بل و أصبح ضرورة ملحة في حالة الحمولة الزائدة، لتحقيق بيع أكثر بقيمة اكبر. وهو الأمر الذي أجج التنافسية بين التجار و بين المنتجات القادمة من الموانئ المختلفة .
الباريط وسيلة لضمان جودة الأسماك وتحسين تنافسيتها
حسي عبد اللطيف السعدوني رئيس الكونفدرالية الوطنية لتجار منتوجات الصيد البحري بالموانئ والأسواق الوطنية فإن ظاهرة الباريط التي إرتبطت بشكل كبير بأسماك السردين إنطلق استعمالها لأول مرة بميناء آسفي ، باعتبار الكميات الوفيرة التي كانت تنتجها مصايد أسفي ، و بحكم حرص تجار المنطقة على الأسواق الاستهلاكية لتصريف بضاعتهم ما كان يتطلب تحسين طرق و ظروف تسويقية جيدة عبر إبتكار آليات جديدة تفسح المجال أمام تحسين تنافسية الأسماك المتاتية من سواحل المدينة .
واضاف السعدوني أن مهنيي آسفي كانوا سباقين ايضا إلى استعمال أوراق كلاسي papier glacier ، من أجل الحفاظ على طراوة و جودة الأسماك التي كانت تنقل من قبل في شاحنات عادية “الكاروسري”. إذ يتم تغطية المنتجات السمكية بالحصير أو الباش ،و بالتالي تعبئة الصناديق على شكل كوم و إضفاء مادة الثلج فوقها ، كمراهنة من التجار على توفير كميات كبيرة تساعدهم على إحتكار البيع في أسواق الاستهلاك .
و إلى حدود اليوم يتم اعتماد الباريط بشكل كبير ، رغم استعمال الصناديق البلاستيكية من طرف الماريورات ، كما أن الشاحنات الحديثة، لا تشغل جهاز التبريد، لأنه يؤثر على لون السردين ليميل إلى زرقة كاشفة ، و بالتالي فالباريط و الثلج يلعبون دورا أكبر في نقل الأسماك من موانئ التفريغ إلى الأسواق المختلفة و البعيدة .و إنتقل استعمال الباريط حسب رئيس الفدرالية من ميناء أسفي إلى موانئ الجديدة و الدار البيضاء و مدن الشمال، حتى أصبح مع الوقت معمما .
الباريط وإشكالية الوزن
رغم نتشإ ار إستعمال الباريط في شحن الأسماك فإن إشكالية الوزن ظلت تشكل هاجسا للتجار. هؤلاء الذين كانو يتخوفون من التحايل على الوزن بواسطة الباريط . وهي تهمة دفعت في إتجاه إعتماد عمليات الوزن في كل مرة بتحديد حجم الأسماك المعبئة في الصناديق، بعد ان يتم إخضاع الباريط في أول الأمر إلى الوزن ، و إعادة وزنه بعد شحن الأسماك .
وحسب بوشتى الهواري ، واحد من أقدم تجار السمك في المغرب، فإن نقطة الخلاف في فهم دور الباريط و ضرورة استعماله، تكمن أولا في احترام البحارة و احترام حقوقهم ، دون التلاعب بقيمة وزن الباريط المستعمل في كل عملية شراء ، لأن الأسماك بإخضاعها للوزن بالباريط المستعمل تكون قد استوفت القيمة الحقيقية الإجمالية ، أما فيما يخص أسماك الفقيرة التي تستعمل فيها أيضا الباريط ، و لا تخضع الشحنة المعبئة إلى الوزن بل تباع كما هي ، و هنا يستوجب استيفاء الثمن الحقيقي لحجم الأسماك المعبئة ،إضافة إلى أن الباريط مستعمل بشدة في صناديق الماريور ، و ليس الصناديق الموحدة التي تكون وجهة شحناتها إلى معامل التصبير و التعليب .
وأشار الهواري أن استعمال الباريط من الضروريات القصوى في الأسماك الموجهة إلى الأسواق الاستهلاكية، (لأن لعمارة ديال الصندوق هي لي كتبيع الحوت، و الطراوة ديالو)، موضحا أن مراكب صيد السردين اليوم بكل من أسفي الجديدة و الدار البيضاء و مناطق أخرى ، تستعمل الباريط في البحر بعد عملية الصيد مباشرة . وذلك لكون مصطاداتها تكون في الغالب موجهة إلى الأسواق، و بالتالي (باش السردين ما يتبجغش كيديرو الباريط ).
يذكر أن تجار الأسماك قد طورو أنفسهم ووسائل عملهم ، بالتخلي عن الصناديق الخشبية إلى أخرى بلاستيكية، لكون منتجات الصيد هي سريعة التلف بطبيعتها. و لكون الصناديق الخشبية التقليدية ، لا تقدم أي ضمانات صحية ، وصعبة التنظيف بعد أي استعمال. فكان ضروريا أن ينساق “الماريورات” مع المعايير الجديدة، باستعمال الصناديق البلاستيكية، المتوفرة على مزايا إفراغ المياه الناجمة عن تعبئة الأسماك وإضافة مادة الثلج بالصناديق . ما يضمن تسويق المنتجات البحرية في أحسن الظروف الممكنة ،و بمعايير النظافة و السلامة الصحية . حيث ظل التجار يستعملون الصناديق البلاستيكية العادية لما يزيد عن 20 سنة خلت.