مما لاشك فيه، أن ما تخلفه الصورة المرئية كأداة تعبيرية، أبلغ أثرا في النفوس، لما تحويه من نقل مباشر للأحداث و الوقائع دون امتلاك القدرة على نفيها. ولعل الفيديوهات التي وثقت للحريق الذي تعرض له مركب الجر “صبري 2” المسجل تحت رقم 941-6 يوم الأحد 12 يناير 2020 على بعد حوالي 75 ميلا بحريا شمال ميناء الداخلة، وفوق عمق مائي 45 مترا، أظهرت صورة واقعية لا لبس فيها، ينبغي الوقوف عندها و الاستفادة من دروسها البليغة، من قبل كل المعنيين والمهتمين بشأن السلامة البحرية و حماية الأرواح البشرية بالبحر بالمغرب.
فنجاة طاقم المركب المكون من 16 روحا، و الذين كادت الأسماك أن تنتشي بشواء أجسادهم، هي نجاة حظ (بعد قدر الله)، وليس بمجهود إنساني تفرضه مثل هذه الحوادث البحرية. فلو افترضنا أن قارب الصيد البحري “هاجر 2” (رقم 5102-12)، و الذي يعود له الفضل الكبير في إنقاذ هذه الأرواح لم يكن قريبا من موقع الحادث، فما هو السيناريو المتوقع؟ و الخيار لن يخرج عن إثنين: إما الموت غرقا أو الموت احتراقا… أليست نجاتهم نجاة حظ …؟؟
ولو افترضنا أن حالة البحر كانت سيئة، فالقارب “هاجر” لن يستطيع الاقتراب من المركب المنكوب، و الحصيلة أنها سيتكرر نفس السيناريو السابق … أليست نجاتهم نجاة حظ …؟؟
ولو افترضنا أن لا أحد من المراكب والقوارب، كانت قريبة من موقع الحادث، فأرواح هؤولاء البحارة لن تفر من الموت غرقا أو الموت احتراقا، وقد سمعنا ( في الفيديو الموثق للحادث)، أحد أفراد طاقم سفينة الصيد بأعالي البحار ” الرزاق 5″ الذي تسلم البحارة من القارب “هاجر 2″، يوجه كلامه إلى أحد طاقم المركب المنكوب قائلا:” أصاحبي حتى شي واحد معيط ف الراديو” و هي إشارة إلى عدم إرسال إشارة طلب استغاثة … أليست نجاتهم نجاة حظ …؟؟
من المؤسف ومن الحسرة، أن نجد أنفسنا نربط مصير نجاة هؤولاء البحارة “بالحظ”، بدلا من اتخاذ أسباب ومقدمات سلامتهم، فإذا كنا لم نستطيع الجزم من توفر المركب المنكوب على أدوات مواجهة الحريق من عدمه، أو مدى قدرة و خبرة طاقمه من مواجهة الحريق من عكسها، فإنه من المؤكد أن كل أفراد الطاقم، لم يربطوا صدريات نجاتهم، وهو سلوك تقشعر منه عقول من أفنوا حياتهم لوضع أسس السلامة البحرية عالميا. بل هو رسالة تسائل الكل، من البحار إلى أعلى مسؤول عن حماية الأرواح البشرية بالبحر في وزارة الصيد البحري، باعتبارها الجهة المسؤولة حكوميا في هذا المجال، بل تسائل منظومة السلامة البحرية برمتها، إذا قمنا باستحضار المآسي التي عاشها الوسط البحري في القريب المنظور، من فقدان أرواح منهم من جثثهم لاتزال في رحم المحيط …
ومن باب الحكمة، فإن هذه الصورة تعطي الصورة الحقيقية والجواب الكافي لكل من يسأل: لماذا كثرة الغرقى والمفقودين في صفوف البحارة؟ بل تفرض ضرورة العمل على معالجة هذا الوضع النشاز، وترتيب الأولويات لدى واضعي سياسة السلامة البحرية بالمغرب، وفي اعتقادنا أن وزارة الصيد البحري، يجب أن تضع مخططا عمليا ومحددا زمنيا على تحقيق هدف أساسي يمكن أن نسميه ب:”الترابط الدائم” بين البحار و صدرية نجاته، باعتبارها الوسيلة الناجعة و الضامنة على بقاء البحار فوق الماء حيا أو ميتا.
وقد كان من اللازم أن يعطى لهذا الهدف الأولوية بدل الإجراء القاضي بتزويد مراكب الصيد ب: “راديو باليز” (Radio Balise)، لأن الإشكال العويص عندنا في مجال السلامة البحرية، ليس بالدرجة الأولى مشكل تحديد موقع أي مركب منكوب، و لكنه إشكالية انتفاء عملية الطفو على سطح الماء، و التي تعد الشرط الأساسي في قدرة البحارة المنكوبين على النجاة. فمن الممكن أن نتوصل بإشارة تحدد موقع مركب في حالة خطر، ومع ذلك فإن القطع البحرية التي ستسلك مجاريها في اتجاه موقع الحادث للقيام بعمليات البحث و الإنقاذ، لن تجد عند الوصول إلا سرابا، فلا المركب المنكوب الحامل ل: “الراديو باليز” ستجد، و لا البحارة فاقدي صدريات نجاتهم ستنقذ، و إلا فما قيمة العثور على المركب دون الطاقم؟؟
وعلى أمل إحداث تغيير جدري ، سيظل ما حدث و أمثاله شهادة على الأعطاب، التي تكتنف منظومة حماية الأرواح البشرية بالبحر، و التي للأسف الشديد لا تشرف وطنا إسمه المغرب…
** رأي كتبه للبحرنيوز فكري السيد محمد ربان خافرة أسا- طانطان- و رئيس الجمعية الوطنية لضباط و بحارة خوافر الإنقاذ البحري
صحيح.كلمات معبرة لصاحب التعليق.نعم القدر بيد الله.ولكن يجب اخذ الحيطة والحذر.قال تعالى وخذوا حذركم.كما شاهدنا في الفيديو هناك من البحارة من لم يرتدي سترة النجاة
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
صحيح التاريخ ليس الخميس 2يناير بل
تاريخ صحيح هو الأحد 12يناير 2020
الاعمار بيدي الله علينا ان نقول قدر الله ماشاء فعل
كلام في الصميم، الأستاد الفاضل سيمحمد فكري مشكور على هدا المقال الذي يجسد واقع السلامة البحرية بالمغرب والتي تدمع لها العين ???