صراحة لا يسع المتتبع للشأن المهني البحري إلا أن يسجل قمة النقاش الذي خلفه قرار الجامعة الوطنية للتمثيليات المهنية لصيد الساحلي بالمغرب، والقاضي بإعلانها مقاطعة المعرض الدولي أليوتيس في نسخته الثالثة إحتجاجا على تدهور أوضاع القطاع. وهوالقرار الذي شغل الخاص والعام حتى غطى على المعرض وكدى ندوة وزير الفلاحة والصيد البحري. الأمر الذي يجعلنا اليوم نتساءل من المتضرر الأكبر من إعلان كهذا قرار؟
إن المتتبع لن يمل من تكرار قناعة ستكون حتما متشابهة في كون المعرض فرصة مثالية لإطار جديد من اجل بسط مشاريعه، وتقريب اليات إشتغاله من مئات العارضين وألاف الزائرين الذين ستستقبلهم أروقة الملتقى على مدى أربعة أيام بمدينة أكادير ، سيما أن الإطار الجديد ينبني على ثالوث يحدث لأول مرة في تاريخ المغرب، الأمر يتعلق بالمجهز والربان والبحار. وهو الأمر الذي كانت الجامعة ستستثمره في نقريب رؤيتها من مختلف الشرائح المهنية داخل أروقة المعرض، مما كان سيحقق فضاء أرحب للجامعة يمكنها من توسيع دائرة الإشتغال.
والحالة هذه، فإن الجامعة وهي تقدم على خطوة المقاطعة التي وصفها البعض بالخطوة السادجة، فهي تضع نفسها بين طرحين، أولهما ان الجامعة ترتكب خطأ تاريخيا ستدفع ثمنه غاليا في القادم من المحطات بإعتبارها تضيع على نفسها مناسبة المعرض من اجل التوسع . وثانيهما يصب في كون الجامعة تحلت بشجاعة مهنية لتصنع من خلالها لنفسها علامة تضع القطاع في كفة الموازنة مع الأهداف البنيوة لإستراتيجة أليوتيس. و التي تبقى اليوم في حاجة ماسة للجلوس لطاولة النقد البناء. وبين الطرحين يبقى السؤال اليوم، هل القرار الذي دعت إليه الجامعة كان يستدعي كل اللغط الذي رافقه في الأوساط المهنية وحتى الإدارية؟
ربما الجواب عن هذا السؤال يجد تفاصيله في الطريقة التي تعامل معها الرأي العام البحري مع قرار المشاركة الذي أعلنت عنه النقابة المهنية لمجهزي مراكب السمك الصناعي. وهو القرار الذي جاء في آخر لحظة رغم ان النقابة لم تعلن في وقت سابق عن نيتها المقاطعة. كما ان الدورة السابقة لم تسجل بلاغات من هذا الطرف اوداك يخبر من خلاله نية المشاركة في معرض هو فضاء مفتوح للجميع. ليطرح بذلك السؤال حول من له الصالح في هذا التسويق الذي يخير المهنيين بين المشاركة والمقاطعة، ومنه بين الرضى والسخط ؟ كأن الأمر يتعلق بحرب تدفع نحو تقوية المعسكرات، وإستعراض موازن القوى حتى صار البعض ينبش في طبيعة الأشخاص وتاريخهم من أجل تحين اللحظة، وإستصدار أحكام لا علاقة لها بمنطق اليوم.
مجبر آخاك لا بطل، ربما المنطلق الذي رسمته الجامعة لنفسها في إتخاذ قرارها المهني في ظل تدني مستوى الخدمات وغياب المعلومة وضعف الدخل الفردي للبحار. بالإضافة إلى عدد من المؤشرات الآخرى كشرعنة قوانين يتم تنزيلها وفق مبدإ فرض الأمر الواقع بعيدا عن لغة المشاركة في صنع القرار وتتبع مراحله المختلفة قبل التنزيل وغيرها…والتي تلقفتها الأصوات المعارضة لتضعها في محك الرقابة التي أغضبت الكثيرين. حتى أنها دفعت بالبعض إلى وصف خطوة الجامعة بالشادة والغير المقبولة.
إلا انه مهما كانت الطريقة التي تفاعل بها الجسم المهني مع قرار الجامعة، يبقى من الواجب المهني أن يتم إحترام رأي الإطار الجديد بإعتباره يتمتع بكامل الإستقلالية الداخلية في صياغة قراراته، والتعبير عن ذلك بمختلف الأشكال التي تم التوافق بشأنها لتخرج للعلن، دون ربط ذلك بإطارات آخرى حتى وإن كان الأشخاص يحملون صفة الإنتماء المزدوج، والإشارة هنا للنقابة المهنية التي ليست لها تثمثيلة داخل الجامعة .
إن اللغط الذي رافق قرارات الجامعة ومعها بعض التمثيليات التي وجدت لنفسها مساحة في الوسط المهني يجد صداه لدى البعض، في رفض القطاع لكل ما هو جديد في ظل سيطرة تمثيلية كلاسيكية أصبحت تتماهى مع سلطة القرار، حتى صار البعض يرى فيها بأنها مجرد ملحقة للوزارة، متباعدة بشكل خطير ومتناقض مع طبيعة تواجدها كإطارات تمثيلية. وهو غبن وحيف يتناقض مبدئيا وطموح دولة تسعى إلى مأسسة المكاسب الدستورية، وتنزيل مضمون الدستور لخدمة القضايا العادلة للشعب المغربي.
هو إشكال يجعل الوضع المهني اليوم بقطاع الصيد البحري يعيش منعرجا خطيرا، مما يتطلب مداواة عدد من الجروح التي تعمق من التشردم والتشتت، عبر إعمال آليات الحوار والتواصل المهني المهني في سياق معادلة رابح رابح دون، تنقيص من الآخر. وذلك على إعتبار ان المهنيين اليوم هم أدرى من غيرهم، بأن المتضرر الأكبر في ظل التنافر الحاصل، هو القطاع .
إن الإيمان بالإختلاف بإعتباره لا يفسد للود قضية، يبقى مطلبا أساسيا في الوسط المهني البحري اليوم من أجل تدارك النقص الحاصل في الحوار داخل الأوساط المهنية بغية الخروج من التكثلاث النخبوية إلى تكثلات تعني بالمصلحة العامة، سيما ان هناك تقاطعات توحد أكثر مما تفرق، والنموذج من الكونفدراليتين التيين عاشا زمزنا على إيقاع التنافر قبل أن يجدا في بعضهما تلاقحا وتكاملا تمت ترجمته على مستوى العمل المشترك .
غير أن بلوغ هذه القناعة تالتي صب في إتجاه التكتل والتنسيق جاء بعدما إستهلكا الطرفان معا وقتا مهما. وهو الأمر الذي تم الإنشغال عنه اليوم بخلق تكتلات لدحض التجارب الصاعدة في وقت كان من الأجدر إعمال الحركية التي يعرفها القطاع والمثمثل قي تفريخ إطارت جديدة في تقييم الدات المهنية بشكل يراعي المصلحة العامة للحنطة بعيدا عن الحسابات الضيقة ما دام القطاع يتسع للجميع.
بصدد النقاش الدائر حول مقاطعة الجامعة الوطنية للهيات المهنية للصيد الساحلي بالمغرب لمعرض اليوتيس في دورته الثالثة باكادير، نلاحظ كثيرا ما يتم إسقاط مفهوم المقاطعة المغلوطة التي تلجأ إليها بعض اللوبيات الفاعلة في الوسط المهني ما محكوم بنسق ممنهج معين على مقاطعة الجامعة للمعرض، فمثلا لا يستقيم استفراد موقف المقاطعة للمعرض من موقف مقاطعة التوجه الخاطئ للإستراتيجية و مقاطعة المهنيين ككل، كما لا يصح إسقاط نفس المواقف في محاولة خلق نوع من التماهي بين ما قد يترتّب عن كلا المقاطعتين .
في نظري شتان بين مقاطعة الجامعة للمعرض ومقاطعة القرارات المنبثقة عن الإستراتيجية ، فأن نقرأ هذه المقاطعة على ضوء هذه المقارنة المستترة فيه إجحاف في حق القطاع وأيضا إجحاف في حق المهنيين العارضين .
بالنسبة إلي إن كان الهدف من المشاركة في المعرض هو إعطاء صورة مفبركة عن واقع قطاع الصيد عندنا أمام ضيوف المعرض، فإن ما قامت وستقوم به الجامعة هو أجدى وأنفع وأكثر فاعلية في بلوغ هذا الهدف من خلال وسائل الإعلام
لننظر إلى الأمور بتؤدة وهدوء، منذ إعلان موقف الجامعة الرافض للمشاركة في المعرض للأسباب التي عدّدتها، اهتمت بالأمر العديد من كبريات وسائل الإعلام المغربية ، وبدت منذ الآن، حتى قبل انطلاق المعرض، تخصص بعض فقرات قصاصات الأخبار المتعلقة بالمعرض للإشارة إلى المقاطعة ، وبعض وسائل الإعلام استضافت أعضاء في الجامعة للاستفسار عن موقفها المقاطع للمعرض مما وفّر لهم فرصة جيدة (يفترض أن تستغل بشكل جيّد) للتواصل مع الجميع وفضح واقع قطاع الصيد البحري بالمغرب، مما يبدو أنه، لحد الآن، الجامعة ربحت الرهان، واستطاعت ان تجعل وسائل الإعلام تسلط عليها الأضواء بالموازاة مع اهتمامها بالمعرض .
لننظر الآن لو اختارت الجامعة ان تشارك كما أراد ويريد لها بعض من المتعاطفين معها ومن المقربين إليها، لأن هؤلاء يفترض أن يكون انتقادهم نابع من غيرتهم لا مثل الذين يصبحون ويمسون على سب الجامعة لأنها قادمة في إطار تصحيحي، ولهذا، فالنقاش معهم مهم وهو نقاش صادق يروم أولا وأخيرا الدفاع عن مستقبل قطاع بأكمله .
لنفترض أن الجامعة شاركت، الذين يعرفون كيف تتم المشاركة في هذه المعارض وكيف تمر؛ يعرفون ان المعرض يعرف تنظيم عشرات الو رشات والندوات و…، غالبا في نفس الوقت، حتى وإن عملت الجامعة بحزم وإصرار على فضح واقع قطاع الصيد البحري فإنها ستضيع بين كمّ الو رشات، كما سيضيع صوتها وسط باقي الأصوات المشاركة التي جلّها ستطالب بالاهتمام بالحدث و النظر إلى المستقبل بتفاؤل، قد تثير بعض وسائل الإعلام قصة الحقائق التي ستوردها الجامعة خلال مشاركتها، لكن ستُحسب أخيرا من صميم مثل هذا الحدث، وقضي الأمر، يعني هو أمر عادي؛ الجامعة ستقدم صورة سوداء لواقع قطاع الصيد البحري و فشل الإستراتيجية المستوردة وفي المقابل وزارة الصيد البحري ستدفع بتقديم صورة وردية للقطاع و نجاح هاذ اللي مكتسماش مند انطلاقها سنة 2009.. لتكون النتيجة في أسوأ حالاتها تعادلا بين السوداوية والوردية لتترسخ صورة برتقالية لقطاع في طريقه للهيكلة و قطاع يعتمد عليه و…هنا ستكون وزارة الصيد البحري قد ربحت الرهان.
الآن الجامعة أعلنت رفضها المشاركة في المعرض، وهي لحد الآن انتصرت في معركتها من أجل فضح الصورة المزرية لواقع الصيد البحري بالمغرب خصوصا بعد خفوت صوت البحارة و الشروع في تنزيل (قرارات الإستراتيجية) مقتضيات ممنهجة (هيبة الوزارة الوصية ) ، وإذا ما استكملت برنامج مقاطعتها للمعرض كما أعلنت عنه، في تقديرنا، سيكون له صدى جيّد، خاصة إذا فعّلت تنظيم فعاليات موازية للمعرض تقدم خلالها لمهنيي القطاع أسباب مقاطعته، وتقرّب إلى ذهنه بعض صور فشل تدبير القطاع و المغالطات التي سوقت و المزايا التي قدمت للموالين للوزارة الوصية هنا ستكون الجامعة ربحت رهانين
– رهان توصيل صورة واقع قطاع الصيد البحري، وهو ما ستتيحه المشاركة الموازية أفضل من المشاركة من داخل المعرض.
– رهان خلق نقاش حول ازدواجية الذين يديرون القطاع المتمثلة في: تقديم صورة مغلوطة للضيوف و صورة في الداخل تشوبها العديد من التجاوزات .
وعليه فإن هدف مقاطعة المعرض ليس هو نفسه هدف مقاطعة المهنيين ، فرق كبير بين هذا وذاك، مقاطعة المعرض مرهون بحسابات دقيقة متعلقة بزمن المعرض القصير والرهان على توصيل صوتك إلى المسؤولين ، بينما مقاطعة المهنيين و التواصل معهم غير مرتبط بزمن قصير معدودة أيامه على رؤوس الأصابع، بل مرتبط بالزمن القياسي الذي يفرضه الطرف و اللوبي المتحكم والمتسلط، ويكون الرهان على إحراج هذا اللوبي وتبيان طبيعته الاستبدادية لدفعه للتراجع عن الممارسات المشينة و احتكار الثروة .
نظن أن الجامعة حسنا فعلت في الإقدام على هذا القرار الذكي خاصة في سياق هذا الهجوم الذي استعر مؤخرا ضدّها واستهدف أنشطتها في الندوة الصحفية.
درءاً لأي تأويل مغرض أو غير مغرض، يهمني أن أوضح أنني لن أتوانى في الدفاع عن حقوق البحارة كوني بحار و لن أتوانى في فضح كل من سولت له نفسه الاسترزاق على ظهر البحار أو التأمر ضده و لن أتراجع عن فضح أي اختلالات أو تجاوزات كيفما كانت لان للحقيقة وحدها وقع و الدوام لله .