الصيد العرضي بين نص القانون وواقع البحر .. حينما يُحاسب الربان على ما لم يختره !

1
Jorgesys Html test

بقلم: عبد الخالق جيخ* 

بحكم تجربتي الميدانية كممارس في الصيد البحري، تعلمت: أن الشباك لا تلتقط دومًا ما استهدفته. التيارات البحرية، وسلوك الأسراب، والعلاقات الغذائية بين الكائنات البحرية، جميعها تصنع مفاجآت لا يمكن توقعها.

وفي قلب هذه المفاجآت، قد يجد  “الريس” أو “الربان” نفسه أمام أصناف ممنوعة أو غير مرخصة عالقة في شباكه، رغم أن وجهته كانت نحو الأسماك السطحية الصغيرة، ولمحاولة رفع اللبس وتوضيح بعض الامور ، فقد تم توصيف هذا السلوك بالمجزرة وتغليفها ببعد جرمي، إذ ان هناك من طالب بتنزيل اشد العقوبات على الربان والمركب،  وأعتبر الواقعة جريمة في حق الثروة السمكية. وهي كلها تراكمات رافق الواقعة الآخيرة لتخلي سفينة صيد عن الأطنان من اسماك الكوربين والدوراد، تحتاج بالفعل للوقوف عندها بالنقاش والتدقيق..

إن قانون الصيد البحري ، كما هو منصوص عليه في المادتين 31 و32 من الإطار التشريعي المنظم للقطاع، جاء لحماية الثروة السمكية وضمان استدامتها. وهو هدف نبيل لا يختلف عليه اثنان. لكن، عندما يُطبَّق النص بحرفيته على واقعة صيد عرضي، يصبح الخطر مضاعفًا،  خطر على مبدأ العدالة، وخطر على الثقة بين الإدارة والمهنيين. ونحن هنا وجب التأكيد مبدئيا على اننا لا نبرأ الربان ، كما أننا في ذات الوقت لا نحاسب النوايا .

فالواقعة التي نناقشها اليوم، هي متعلقة بربان اصطاد عرضًا أصنافًا ممنوعة لم يعلم بوجودها، إلا بعد أن طفت في الشباك فوق سطح البحر، وهي واقعة تكشف فجوة تشريعية حقيقية، فهذه الأصناف غالبًا ما ترافق الأسماك السطحية الصغيرة، لأنها تتغذى عليها. كما أن استهداف الأسماك السطحية في مناطق غنية بيولوجيًا يجعل الاصطياد العرضي أمرًا شبه حتمي. ناهيك عن كون التمييز المسبق بين الأصناف في العمق، يبقى مستحيلا عمليًا إلا في حالات استثنائية، (ورحمة الله على الرياس الذين كانوا يتقنون صيد سمك العين) وحتى الأجهزة الإلكترونية المتطورة لا تمنح دقة مطلقة.

ومن منظور قانوني، تُبنى المخالفة على ركنين أساسيين، أولهما الركن المادي المرتبط بارتكاب الفعل المجرّم (الصيد العمدي للأصناف الممنوعة او غير مرخصة ). ثم الركن المعنوي والمبني على وجود القصد الجنائي (نية ووعي الفاعل بالمخالفة). وبناء عليه ففي حالة الصيد العرضي، الركن المادي غير متحقق بالصورة المقصودة، والركن المعنوي غائب تمامًا، لأن الربان لم يتعمّد المخالفة ولم يسعَ إلى إخفاء ما وقع في الشباك.

وبالعودة إلى القانون المنظم لاسيما في مادته 31، هو يشترط التعريف بالعون المراقب وتوثيق المخالفة بالأدلة، فيما تلزم المادة 32 العون المراقب بتحرير المحضر فورًا مع إشعار الربان. حيث تبقى المعاينة هي أم البراهين ، و أي خلل في هذه المسطرة يجعل المحضر عرضة للبطلان. لكن حتى مع سلامة المسطرة، يبقى السؤال الجوهري: هل يُعقل أن يُعاقب الربان على حصيلة فرضها البحر ولم يخترها؟

إننا، كمهنيين وجمعيات تمثلهم، نؤكد على ضرورة إدخال تعديلات تشريعية واضحة، تعترف بالصيد العرضي كحالة خاصة، وتضع له مساطر ومعايير بيولوجية وتقنية دقيقة، حتى لا يتحول القانون من أداة حماية إلى سيف عقاب غير عادل. فحماية الثروة السمكية مسؤولية مشتركة، لكن لا بد أن ترافقها قوانين أكثر ذكاءً ومرونة، تراعي العلم البيولوجي، البحث عن حلول تصريف الصيد العرضي،  ليستفيد منه المستهلك الوطني ،وتستفيد من عائداته مرافق اجتماعية وثقافية لفائدة ساكنة المنطقة، التي صيد بها ذالك السمك عوض رميه في البحر.

*عبد الخالق جيخ : فاعل كنفدرالي سابق، ناشط جمعوي في قطاع الصيد، ومدون مهتم بقضايا الصيد الساحلي 

Jorgesys Html test

تعليق 1

اترك رداً على عبدالرحيم الهراس إلغاء التعليق

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا