تناولنا في المقال السابق الجدل القانوني الذي يصاحب ما بات يعرف بملف الجراد المرتبط بمركب الصيد بالخيط منتصر 2، حيث توقفنا في ذات المقال مع قرار وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم 4201.14 الصادر في 25 نونبر 2014 والمتعلق بتنظيم صيد كبار القشريات والذي تم نشره في الجريدة الرسمية عدد 6322 الصادر في فاتح يناير 2015 والذي تم تحيينه سنة 2018 بالقرار الوزاري رقم 2930.18.
وإستنتجنا من خلال القرار الصادر في سنة 2014، فإن الوزارة الوصية عمدت إلى تنظيم صيد كبار القشريات، بما فيها جراد البحر بمختلف أنواعه، من خلال تقسيم السواحل المغربية إلى منطقتين بحريتين، تمتد منطقة الصيد الأولى بين المتوازيين 35 درجة 06 شمالا السعيدية و27 درجة 56 شمالا طرفاية . فيما تمتد المنطقة الثانية الواقعة بجنوب المملكة بين المتوازيين 37 درجة 56 شمالا طرفاية و20 درجة21’46 شمالا الرأس الأبيض.
غير ان المتمعن في هذا القرار يجده غير كافي على مستوى الإحتكام، في ظل الوقائع المتراكمة في نازلة مركب الصيد “منتصر 2″، ما لم يتم الوقوف عند الإحالات الموجود بذات القرار التنظيمي، لاسيما المرسوم رقم 2.10.164 الصادر في 7 جمادى الأولى 1432( 11 أبريل 2011 ) القاضي بتحديد شروط وكيفيات صيد الأصناف البحرية، التي تقتضي تنظيما خاصا نظرا لعادات محلية أو لظروف خاصة، وهو المرسوم الذي يعد الأرضية التي بني عليها القرار المنظم لصيد كبار القشريات. إذ بموجب هذا المرسوم يعين الوزير المكلف بالصيد البحري، لأجل صيد الأصناف البحرية أو مجموعات الأصناف البحرية المنصوص عليها في نص المرسوم، وبعد استطلاع رأي المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، منطقة الصيد المعنية ويحدد، حسب الحالة، بالنسبة لكل منطقة وهو ما تم فيما بعد على مستوى القرار رقم 4201.14 بالنسبة لكبار القشريات موضوع النقاش.
ما يهمنا من هذا المرسوم تبقى بالدرجة الأول هي شروط الصيد المحددة في الباب الثاني، حيث تِؤكد المادة 4 أنه يمكن الترخيص بالصيد في منطقة صيد منظمة، طبقا لمقتضيات هذا المرسوم فقط للسفن التي تتوفر على مرافق تستجيب لمعايير النظافة والسلامة المنصوص عليها في التنظيم المعمول به في هذا المجال. وتؤكد المادة 5 انه و علاوة على البيانات المنصوص عليها في المرسوم رقم 2.92.1026 الصادر في 4 رجب 1393( 29 ديسمبر 1992 )وكل تنظيم معمول به، يجب أن تشير رخصة الصيد المسلمة للسفن المرخص لها بالصيد في منطقة صيد منظمة طبقا لمقتضيات هذه المرسوم، حسب الصيد المعني إلى منطقة الصيد والفترة التي سلمت من أجلها الرخصة؛ و الصنف أو الأصناف أو مجموعات الأصناف المرخص بصيدها مع الإشارة، عند الإقتضاء إلى الأصناف الإضافية، ونسبها المئوية المسموح بها؛ و عدد معدات الصيد المرخص لها ونوعها؛ و حجم المصطادات أوعدد القطع المصطادة المسموح بها للسفينة في نطاق توزيع والحاصل الإجمالي، عند الإقتضاء.
كما تشير الرخصة إلى طرق حفظ المصطادات المرخص لها على متن السفن؛ و طرق المناولة والإعداد و/أو التحويل الممنوعة على متن السفينة، إذا لزم الأمر ذلك؛ مع تحديد ميناء أو موانئ التفريغ، عند الإقتضاء؛ وكل البيانات الأخرى المفيدة، لاسيما في حالة رخصة الصيد المسلمة في إطار تنظيم خاص ضروري، نظرا لعادات محلية، أو من أجل تنظيم استعمال الشباك لصيد الأصناف الصغيرة أو بعض معدات الصيد الأخرى غير الشباك.
وتنص المادة 6 من ذات المرسوم على انه و في حالة منح رخص للصيد بموجب مقتضيات المادة 5 من الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 1.73.255 الصادر في 23 نونبر 1973 ، للصيد في منطقة منظمة طبقا لمقتضيات هذا المرسوم، يجب أن تشير هذه الرخصة، إضافة لهوية المستفيد منها، إلى منطقة الصيد والأصناف ومعدات الصيد، وعند الإقتضاء، حجم المصطادات المرخص بصيدها. وتسحب، على الفور، رخصة الصيد في حالة عدم احترام إحدى البيانات المشار إليها في الرخصة المذكورة، أو في حالة عدم إعداد التصريح بالمصطادات المنصوص عليها في في ذات المرسوم أو في حالة التصريح المزور أو في حالة التصريح غير الكامل.
وتلزم المادة 7 وجوبا قبطان أو قائد سفينة صيد مستفيدة من رخصة صيد ممنوحة للصيد في منطقة منظمة طبقا لمقتضيات هذا المرسوم، بإمساك يومية للصيد تابعة للسفينة، والتي يجب أن يشير فيها على الخصوص إلى منطقة وتاريخ وكميات الأصناف المصطادة، بما في ذلك الأصناف الإضافية. إذ يرقم مندوب الصيد البحري ويؤشر على يومية الصيد المعدة، وفقا للنموذج الملحق بذات المرسوم، عند منح رخصة الصيد المطابقة إلى مجهز السفينة المستفيدة أو إلى ممثله. ويجب أن تبقى يومية الصيد المؤشر عليها قانونا من طرف القبطان أو قائد السفينة بعد كل تفريغ الأصناف المصطادة في متناول الأعوان المنصوص عليهم في الفصل 43 من الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 1.73.255 لسنة 1973 .
سنكتفي بالمواد المذكورة من المرسوم رقم 2.10.164 على أساس العودة إليه في باب المخالفات والعقوبات في مقالات قادمة، لكن إلى ذلك الحين نعود للتوقف عند المادة الخامسة من ذات المرسوم التي تشدد على أن رخصة الصيد المسلمة للسفن المرخص لها بالصيد في منطقة صيد منظمة طبقا لمقتضيات هذه المرسوم، حسب الصيد المعني من المفروض أن تشير إلى منطقة الصيد. وهو ما تم على مستوى رخصة الصيد “منتصر 2” المعنية بهذا الجدل الدائر ، بالإحالة عليه برقم القرار رقم 4201.14 ، الذي ينظم صيد كبار القشريات، وهو ذات القرار الذي يحدد منطقتين للصيد . وهو معطى يطرح السؤوال بخصوص الجهات المانحة للرخصة ، ألم يكن بإمكانها تحديد منطقة الصيد بين المنطقة 1 أو المنطقة 2 ، خصوصا وأن المندوبية التي منحت الرخصة هي تتواجد بالمنطقة 1؟
هل بالفعل إدارة الصيد تفصل بين المنطقتين في تحديد موقع نشاط المركب المرشح للرخصة، وهل المراكب التي تنشط بمصيدة الجنوب هي تملك رخص تحدد لها مجال النشاط في المنطقة الجنوبية دون غيرها، لاسيما وأن الكل يعلم أن مراكب الصيد بالخيط هي مراكب غير معنية بالزونينك والمناطقية ؟ وهل مندوبيات الصيد وهي تمنح هذا النوع من الرخص تفرض إلتزامات موقعة على مجهزي مراكب الصيد بالخيط للنشاط في هذه المنطقة دون غيرها ، كما يحدث مع مراكب الصيد الساحلي صنف السردين. وهو أمر يبدو مستبعدا، لأن مركب منتصر 2 إنطلق من منطقة 1 وقطع أميال طويلة للوصول للمصيدة الجنوبية بكل ثقة، ما يؤكد غياب إلتزامات تحصر النشاط في هذه المنطقة دون غيرها، إلا إذا افترضنا ان موقع تسليم الرخصة هو من يفصل بين المناطق، فمثلا المندوبيات التي توجد بالمنطقة 1 ترخص للمركب لمزاولة نشاطها في نفوذ هذه المنطقة ، فيما ترخص المندوبيات بالمنطقة 2 للمراكب التي تنشط بذات المنطقة ..
فالمادة الخامسة من المرسوو 2.10.164 وهي تتحدث على منطقة منظمة، والتي جاء القرار الوزاري رقم 4201.14 ليحدد تفاصيلها بالنسبة لصيد كبار القشريات، قد أكدت على ضرورة تحديد ميناء أو موانئ التفريغ، عند الإقتضاء؛ وكل البيانات الأخرى المفيدة، وكأن المشرع كان يعلم بأن جدلا مهنيا سيحدث في حالة ما تم ترك الباب مفتوح امام المراكب ، لأن إدارة الصيد لو كانت بالفعل قد حسمت في أدق التفاصيل ، ما كنا لنجد أنفسنا امام هذا الجدل القانوني، الذي خلف نقاشا قويا، لاسيما وأن موقف الإدارة بدى ضعيفا في التفاعل مع الملف، وإلا لماذا تم الإختباء وراء الهاجس الأمني، ولم يتم الإعلان الصريح بكون المركب العائد من المصيدة الجنوبية كما تؤكذ ذلك صور vms، هو مركب مخالف، ويحتوي على مصطادات غير قانونية، كان من المفروض حجز سجله ومصادرة جراد البحر المتأتي من المنطقة الجنوبية وعرضها للبيع بالدلالة، وتفويث قيمتها لخزينة الدولة!
فقهاء القانون يؤكدون أن لا إجتهاد مع وجود النص، لكن في قطاع الصيد البحري كان من المفروض أن يتم التعاطي مع النازلة ببلاغ صحفي يستحضر الحيتيات ويسمي الأمور بمسمياتها لفك الإلتباس الحاصل، وإيقاف التأويلات التي إختلط فيها الحابل بالنابل، فاسحة المجال أمام نقاش سيطرت فيه الشخصنة والذاثية، لاسيما في ظل تضارب المصالح الإدارية والمهنية والسياسية. حيث بات لزاما الإنتصار للقوانين المنظمة والإحتكام للمقتضيات النصية لإنتشال قطاع الصيد من المشاهد الفوضوية، التي تتععشش وتنمو في الفراغات القانونية لأن الشيطان يكمن في التفاصيل ، حيث أن تحديد منطقتي الصيد كان يتطلب التسريع بإعداد مخطط للتهيئة واضح المعالم، يلزم الفاعلين بتدابير تعزز القرار رقم 4201.14، وتفتح الباب أمام الممارسة الشفافة بما يضمن ترشيد الإستغلال وإستدامة الصنف القشري وتحسين دينامية الولوج للمصيدة .
البحرنيوز: يتبع ..