حظر صيد بعض الأسماك التجارية .. حماية على الورق ومجازر في البحر!

1
Jorgesys Html test

بقلم : عبد الخالق جيخ* 

في إطار برنامج تهيئة المصائد الجنوبية، أقدمت وزارة الصيد البحري قبل سنوات، على خطوة وُصفت حينها بالمثيرة للجدل، تمثلت في منع مراكب الصيد السطحي – بما فيها مراكب RSW – من صيد وتسويق أصناف معينة مثل الكوربين والدوراد، مع استثناء ضيق لا يتجاوز 5% من المصطادات اليومية تحت مسمى “الصيد العرضي”. خطوة بدت على الورق وسيلة لحماية المخزون، لكنها في التطبيق تحولت إلى مثال صارخ لسياسة النوايا الحسنة التي تنتهي إلى نتائج كارثية.

لقد كان لنا – كمهنيين – اعتراض واضح على هذا القرار منذ بداياته، ليس رفضًا لمبدأ حماية الثروة السمكية، بل لعدم واقعيته الميدانية. فالمصايد الجنوبية تزخر بكميات كبيرة من هذه الأصناف، وبيولوجيًا من المستحيل تفاديها أثناء الصيد، بحكم طبيعة النظم الإيكولوجية البحرية. بالفعل، توصّلنا بعد شهور من المشاورات مع المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، إلى صيغة وسطية تسمح بنسبة 3% من الكميات السنوية الإجمالية، غير أن هذا الاتفاق أُجهض بفعل قصر نظر بعض ممثلي القطاع، ممن وضعوا مصالحهم الضيقة فوق مصلحة المهنة والمستهلك، بدعوى أن مراكبهم مخصصة للسردين وليس للكوربين. وهكذا تبخرت مجهودات سنة كاملة من الاجتماعات واللقاءات التقنية.

النتيجة على الأرض كانت مأساوية فمع أي وفرة طبيعية لهذه الأسماك ، وجد الربابنة أنفسهم أمام خيارين، أحلاهما مرّ؛ إما رمي كميات ضخمة في البحر وهي ميتة، ما يسبب كارثة بيئية وهدرًا غذائيًا فادحًا، أو اللجوء إلى قنوات التهريب والتحايل عبر الصيد التقليدي، أو مراكب الخيط، أو حتى الصيد بالجر، في تواطؤات منظمة لتبييض هذه الأسماك بعيدًا عن أعين الرقابة.

وتبقى فضيحة ميناء الداخلة الأخيرة شاهدًا صادمًا، بعدما كُشف عن كميات كبيرة جدا من الكوربين والدوراد،  تمت إعادتها أو التخلص منها ميتة. هذه الكميات، لو سُوقت محليًا، لكانت وفرت للمستهلك المغربي لحومًا بحرية بأسعار تتراوح بين 20 و25 درهمًا للكيلوغرام، بدل الأسعار الخيالية الحالية التي تتجاوز 85 درهمًا، وهو ما حرم الأسر محدودة الدخل من مصدر بروتين بحري أساسي.

إن الأضرار لم تتوقف عند جيب المواطن، بل شملت حرمان السوق الوطني من موارد غذائية عالية الجودة، وخسائر مالية للدولة جراء ضياع مداخيل الضرائب والرسوم، فضلًا عن التلوث البحري الناجم عن رمي آلاف الأطنان من الأسماك يوميًا، وما لذلك من أثر سلبي على التوازن البيولوجي. والأسوأ من ذلك، أن هذه السياسة المتابعة في حماية الأصناف البحرية التجارية بالحظر ، غذّت السوق السوداء ووسعت قنوات الفساد، وأضعفت هيبة القانون، وعمّقت أزمة الحكامة في القطاع، مع بروز ممارسات مشبوهة حتى في صفوف بعض مراكب RSW نفسها.

فما يجري اليوم ليس مجرد تطبيق حرفي لقرار تنظيمي، بل هو نزيف بيئي واقتصادي واجتماعي، يهدد الأمن الغذائي البحري للمغرب. والحل لن يكون بالمنع الأعمى، بل بإعادة صياغة المقاربة برمتها، والاقتباس من التجربة الأوروبية التي تحظر إلقاء أي صنف مصطاد في البحر، مع إحداث آليات قانونية وشفافة لتصريف المصطادات العرضية في السوق المحلي أولًا، بما يضمن استفادة المستهلك المغربي، ويحافظ في الآن ذاته على المخزون البحري وثرواته للأجيال القادمة.

  • عبد الخالق جيخ : فاعل كنفدرالي سابق وناشط مدني في قطاع الصيد ومدون مهتم بقضايا الصيد البحري الساحلي 
Jorgesys Html test

تعليق 1

  1. للتذكير.
    *سفن الصيد البحري*
    إدارة الصيد تكشف مكونات اللجنة المركزية للسلامة البحرية والوقاية من التلوث.
    يهدف المرسوم المذكور إلى تمكين قطاع الصيد البحري من التوفر على مؤسسة قادرة على تزويده بالأراء اللازمة للتتبع التقني لسفن الصيد البحري وتجهيزاتها كيفما كان نوعها”. كما يتضمن المرسوم “مقتضيات تحدد تكوين لجنة مركزية للسلامة البحرية والوقاية من التلوث – الخاصة ب سفن الصيد البحري وكيفيات إشتغالها.
    https://albahrnews.com/إدارة-الصيد-تكشف-مكونات-اللجنة-المركز/

اترك رداً على عبدالرحيم الهراس إلغاء التعليق

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا