في خضم الصراع الذي تعرفه الساحة المهنية في الصيد الساحلي، زاد الجمع الذي نظمته الكنفدرالية الوطنية وهي تعقد أشغال تأسيس فدراليتين في الصيد السطحي والصيد بالجر، من صب المزيد من الزيت على النار المشتعلة بين التمثيليات المهنية، ببعث مجموعة من الرسائل المشفرة للفرقاء المهنيين.
فالحاضر للقاء والمتتبع لكلمات رئيس الكنفدرالية العربي المهيدي في محطات مختلفة في الجلسة الإفتتاحية للقاء الذي توج بإنتخاب إبراهيم البطاح على رأس الفدرالية المغربية الوطنية لصيد الأسماك السطحية الصغيرة و حسن أرزاز على رأس الفدرالية المغربية الوطنية للصيد بالجر، سيجدها مليئة بالإشارات التي لا يمكن القفز على دلالاتها، وهي تؤكد بكون المبادرة الجديدة هي تهم إعادة رص الصفوف بالبيت الداخلي، وإعطاء دفعة جديدة للهيكلة الداخلية وضخ دماء جديدة في التمثيلية المهنية، وذلك إستعدادا للإنخراط بقوة في المستجدات التي يحملها القادم من الأيام، لاسيما الإستعداد لإطلاق إسترتيجية قطاعية جديدة ستكون مكملة لإسترتيجية اليوتيس التي بلغت مراحلها النهائية.
وإذا كانت هذه هي الأهداف المعلنة فإن ما حملته كلمات الرئيس بين سطورها أبان عن كون الكنفدرالية هي تعمل اليوم على رد الصاع صاعين لمجموعة من الفرقاء، سواء على مستوى الصيد الساحلي أو على مستوى الصيد في أعالي البحار، خصوصا بعد الطريقة التي تمت بها إزاحة سرود من رئاسة الغرفة الأطلسية الوسطى، حيث الآسف لايزال يحضر في كلمات رئيس الكنفدرالية حيال هذه الطريقة، أو حتى تلك التي تم بها طرد ابركان من الغرفة المتوسطية. وهما معطيين كانا وراء مجموعة من اللقاءات المهمة التي رسخت مبدأ الإنزال بكل من الناظور وأكادير، هذه الآخيرة التي تحولت لما يشبه بؤرة الأحداث بعد أن إستقبلت مجموعة من اللقاءات الكبيرة للكنفدرالية بعد ايام من إنتكاسة الغرفة وما تلاها من بوليميك مهني بين الكنفدراليتين.
وبالعودة إلى اللقاء التأسيسي فمن بين الراسائل التي نطق بها العربي المهيدي ، الحديث عن حضور قطاع الصيد بشكل محتشم في قبة البرلمان رغم وجود برلمانيين يمثلان القطاع إلى جانب تلة من البرلمانيين الذي لهم صلة بقطاع الصيد، حيث نوه رئيس الكنفدرالية بالعمل الذي يقوم به كل من خطاري الجماني وحسن عكاشة وحمية هذا الأخير الذي تم توشيحه بعبارات الثناء، في حين أسقط الرئيس من كلامه رئيس الغرفة المتوسطية بطنجة يوسف بنجلون من “نفعه للقطاع”، وهو الذي يعتبر أحد أعمدة الكنفدرالية المغربية للصيد الساحلي رغم تقديمه له ضمن ممثلي القطاع بالبرلمان، ما يعكس في عمق كلام الرجل، الصدام الحاصل بين الكنفدرالية التي يرأسها والغرفة المتوسطية من جهة و بين الكنفدراليتين الوطنية والمغربية من جهة ثانية.
ويتغدى هذا الصدام من مجموعة من الأحداث التي طبعت تاريخ الكنفدراليتين سنقتصر على ذكر بعضها فقط، يبقى أبرزها في كون الكنفدرالية الوطنية ظلت تنعث يوسف بنجلون وزملائه من مؤسسي الكنفدرالية المغربية ب “الإبناء العاقين” للكنفدرالية الوطنية، بإعتبارهم مهندسي ما تصفه شخصيات بالكنفدرالية الوطنية بالإنقلاب على التكتل الأم، والخروج عن طوعها بإخراج تكتل جديد، ظل يرى فيه البعض غصة في حلق الكنفدرالية. وذلك في سياق التنافس على زعامة القطاع، وإستقطاب الشخصيات المؤترة في تحريك دواليب صيد السردين على المستوى الوطني، والتعاطي مع مجموعة من الأحداث الفاصلة في قطاع الصيد.
ولازال كثيرون يتدكرون الخلاف القوي الذي كان موضوعه يوم فاتح أبريل 2012 محمد أبركان والتجديد لهذا الاخير على رأس الكنفدرالية الوطنية. وهو الخلاف الذي قسم ظهر البعير، بعد التشبت بأبركان والإبقاء عليه رئيسا لمهنيي الصيد الساحلي في جمع أثار الكثير من الجدل حول مشروعيته بسبب النصاب القانوني، ما دفع ببنجلون رفقة عدد من المعارضين إلى الخروج من جلباب الكنفدرالية، وإعلان الثورة على هياكلها بإعلان الداخلة وما تلاه من تشكيل للكنفدرالية الجديدة، التي إختار لها مؤسسوها انداك إسم الكنفدرالية المغربية…
وبالعودة إلى الصراع الدائر بين بنجلون وأبركان بحمولته السياسية وكدا التمثيلية في قطاع الصيد خصوصا من الجانب الكونفدرالي بالمنطقة المتوسطية بإعتباره صراع بين الكونفدراليتين التقليديتين، سنجد له إمتدادا على مستوى الغرفة المتوسطية التي أصبحت في وقت من الأوقات بمعسكرين، أحدهما شمالي بقيادة بنجلون والآخر شرقي بقيادة أبركان، قبل أن يتراجع المعسكر الأبركاني، الذي كان من نتائجه داخل الغرفة، طرد قيدوم الكنفدرالية الوطنية من تمثيلية الغرفة، بحجة غيابه المتواصل عن أشغال المؤسسة الدستورية. وهو تطور خطير رأت فيه الكنفدرالية الوطنية نوعا من الإهانة لأحد مكوناتها، لكون العذر المقدم لا يرتقي لإصدار قرار مماثل، بل رأت في الخطوة نوعا من التصعيد بين الكنفدراليتين، رغم الإستقلالية الحاصلة بين مؤسسة الغرفة وتمثيلية الكنفدرالية.
الغرفة الأطلسية الوسطى بدورها شكلت في السنوات الاخيرة محط شد وجذب بين الكنفدراليتين بقطبين أحدهما يتزعمه عبد الرحمان سرود نائب رئيس الكنفدرالية الوطنية و القطب الثاني يقوده عبد الكريم فوطات رئيس الكنفدرالية المغربية، حيث تحولت الساحة المهنية لمسرح للمواجهات بين الطرفين، لكن كلمة الحسم ظلت في يد الجهة التي تعرف كيف تدبر التحالفات خصوصا مع قطاع الصيد في أعالي البحار والصيد التقليدي في إتجاه سباق الأغلبية، الذي آلت نتائجه في المحطة الآخيرة للكنفدرالية المغربية. لتتحول بذلك أحد أهم الغرف المهنية على المستوى الوطني من حيث الإستثمار وكذا النفوذ المهني، لعملة صعبة في يد الكنفدرالية المغربية، خصوصا أن أكادير ظلت لعقود خلت ماسكة بزمام الأمر في مجموعة من الملفات المهمة، حتى أن صوتها ظل مسموعا على مستوى سلطة القرار، قبل أن يتراجع لصالح غرف أخرى.
ولأن الصراع هو لا يتوقف عند حد معين بل يتجدد بتجدد الأحداث وتناميها من فصل لأخر، حتى وإن تخلله نوع من الهدنة خصوصا في إنتخابات مجلس المستشارين، والتي كان لها الفضل في خلق نوع من التقارب السياسي بين يوسف بنجلون رئيس الغرفة المتوسطية وكمال صبري رئيس الغرفة الأطلسية الشمالية بما يحملانه من رمزية كل منهما داخل الكنفدرالية التي يمثلها، وذلك بمباركة من الكنفدرالية الوطنية، التي إستقبل رئيسها في أحد ايام رمضان إفطارا مصغرا حضرته الشخصيتين المذكورتين، إلى جانب كل من العربي المهيدي الرئيس الحالي للكنفدرالية ومحمد أمولود رئيس جامعة الغرف وأحد رموز الكنفدرالية الوطنية، و عبد الواحد الشاعر الرئيس السابق للكنفدرالية المغربية الذي أعتبرت فترة رئاسته لهذه الأخيرة أزهى مراحل التقارب والتفاهم بين الكنفدراليتين، ومحمد علالو العضو بالكنفدرالية الوطنية، إذ عجل اللقاء بتراجع كمال صبري عن الترشخ للتمثيلية البرلمانية عن قطاع الصيد بالدائرتين البحرية الشمالية والمتوسطية لصالح يوسف بنجلون، حتى أن صبري أدلى حينها بتصريح للصحافة قال فيه أن “تزكية يوسف بنجلون تأتي بعد مشاورات عميقة مع الكونفدرالية الوطنية للصيد الساحلي، وغرفة الصيد البحري الأطلسية الشمالية، اللتين اقتنعتا بتزكيته لاعتبارات مهمة، تتمثل في المحافظة على وحدة الصف البيمهني”.
ورغم هذا التقارب الذي فرضته المرحلة في سياق معلوم، فإن المواجهة ستعود تدريجيا لسابق عهدها ، حيث ظل المحيط المقرب من بنجلون يرى في مجموعة من الأحداث التي عرفتها الساحة المهنية، والتي تستهدف في عمقها تمثيلية الرجل وكذا دائرته الإقتصادية، حد القيام بوقفات أمام مقر مجموعته الإقتصادية، ورفع مجموعة من الشعارات المناوئة للإستثماراته، بأن محركها يبقى الكنفدرالية الوطنية، إذ سيتار نقاش كثير بخصوص توزيع الحصص على مستوى تدبير مجموعة من المصايد المتوسطية، والحديث هنا على سمك أبوسيف وسمك التونة وطريقة توزيع هذه الكوطا بين المضربات والصيد التقليدي والصيد الساحلي، وهو النقاش المتواصل حول ملف سمك التون خصوصا بعد الحصة التي تم تخصيصها هذا الموسم لمراكب الصيد بالخيط.
ففي الوقت الذي يتمسك فيه رئيس الغرفة المتوسطية بكون الحصة التي تم تخصيصها لمراكب الصيد بالخيط بكونها تحصيل حاصل بعد إرتفاع الكوطا المخصصة للمنطقة من طرف منظمة الأيكات، ترى الفدرالية الوطنية المغربية للصيد بالخيط أحد الأدرع الثلاث للكنفدرالية الوطنية للصيد الساحلي، في الزيادة إنجازا من إنجازاتها في سياق الترافع على إعادة الإعتبار لمراكب الصيد بالخيط، بل أكثر من ذلك فتم الترويج للمستجد الجديد بمصطلحات تصادمية من قبل الحديث عن “إنتزاع”. وهو مصطلح يؤكد في عمقه أن النسبة المذكورة قد أخدت بالقوة وبلغة المغاربة “بزز” حتى وإن كانت تؤطرها المقولة المعروفة “الحق ينتزع ولا يعطى”. ترويج لم يرق محيط رئيس الغرفة المتوسطية الذي إعتبر في هذا التوجه تجييشا لمهنيي المنطقة وتقليبا لهم ضد رئيس الغرفة في محاولة لزعزعة إستقرارها في إشارة لحادث “فكري” بالحسيمة.
وإذا كانت الغرفة المتوسطية قد أخدت حيزا مهما من الرسائل المشفرة في لقاء أول أمس، فالكنفدرالية المغربية بدورها لم تكن في منأى عن الحضور ضمن رسائل الكنفدرالية الوطنية، ومعها الغرفة الأطلسية الوسطى، حيث واصل العربي المهيدي تحصره على الطريقة التي تم بها حسب تعبيره الإنقلاب على عبد الرحمان سرود في صيروة نصف الولاية التي رفعت جواد الهلالي إلى رأس الغرفة. فيما يعد إختيار مدينة أكادير لإحتضان أشغال اللقاء هو ضرب عصفورين بحجرة واحدة، الغرفة الوسطى والكنفدرالية المغربية في أن واحد، فأن ينتخب أرزاز الشخصية التي أثارت الكثير من الجدل في الآونة الآخيرة على رأس فدرالية الصيد بالجر هو يعد إشارة قوية لعبد الكريم فوطات الذي ظل مخاطبا قويا على مستوى هذا النوع من الصيد بالجر، وكدا لمهني الأعالي في صيرورة النقاش حول مخطط 2004 الذي ظل محط مد وجزر، بين الإدارة والمهيين من جهة، وبين المهنيين أنفسهم من جهة أخرى، لاسيما بعد أن رمى عزيز أخنوش بالكرة في ملعب المهنين في معرض أليوتيس الآخير، بإعتبارهم المعنيين بأي مراجعة محتملة للقرار.
ونحن نبارك للكنفدرالية الوطنية نجاح المحطة التأسيسية للفدراليتين ومعها الرئيسين المنتخبين في هذه المرحلة التي لن تكون طريقهما مفروشة بالورود ونحن على أعتاب عدد من الإستحقاقات، وقبلها مجموعة من التحديات، فإن الوقت لايفوتنا بأن نثمن خطوة الكنفدرالية يقينا، في تجميع جهودها وحصر عدد المخاطبين على مستوى هذا التكتل المهني إستنادا للإختصاص، ما سيعطي شحنة مهمة للنقاش البيمهني الداخلي، وكدا إعطاء نوع من الخصوصية للقاءات التي تجمع مهني القطاع المؤطرين ضمن الكنفدرالية، حتى وإن كان النقاش اليوم سينصب على حدود الصلاحيات الممنوحة للفدراليات، والحدود المسموح بها لكل إطار من هذه الإطارات ضمن العلاقة التي تربط الكنفدرالية بفيدرالياتها الثلاث. فالمهيدي يقول أن الكنفدرالية حبلت وولدت له ثلاث أبناء يقصد الفدراليات الجديدة، مبرزا أن هؤلاء هم أبناء بارين للكنفدرالية، وأن مفهوم”الرضى” بمفهومه الدارج يرافق خطواتهم المستقبلية” لكن التجربة الجديدة للكنفدرالية في توجهها الهيكلي وما سيصاحبه من تحول في إسترتيجية العمل، ستجعلنا ننتظر الطريقة التي ستدبر بها المرحلة في القادم من السنوات.
إن إعداد هيكلة جديدة إستعدادا لمصاحبة الإسترتيجية القطاعية اليوتيس في نسختها الثانية، التي بشر بها أخنوش المهنيين عند ترأسه لأشغال المجالس الإدارية للمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، والمكتب الوطني للصيد ووكالة تنمية تربية الأحياء البحرية، سيجعلنا اليوم أمام وعي مهني جديد يراهن على ثقافة الإستباق في ترتيب الأوراق، وتقوية الجبهة الداخلية بإستقطاب وجوه جديدة لتنصيب النفس المهنية كمخاطب سياسي وإقتصادي، في المصايد الساحلية. هذه الآخيرة التي أصبحت اليوم تواجه مجموعة من التحديات القوية التي تهدد إستقرار المراكب الساحلية في توجهاتها المختلفة. غير أن غياب مجموعة من الوجوه في ظل التطاحنات المهنية الحاصلة بين التكتلات التقليدية عن لقاء أكادير، أعطى إشارات بأن المستقبل سيستمر في تكريس حرب المواجهة والكواليس بين المعسكرين التقليدين.
فلا أحد اليوم يمكنه أن ينكر عن الكنفدرالية كونها إختارت توجها جديدا في رسم معالمها المستقبلية، في إنتظار ما سيحمله مؤتمرها من تطورات جديدة، كما أن لا أحد له الحق في التدخل في سياستها الداخلية على إعتبار أن تأسيس فدراليات تحت غطاء الكنفدرالية هو شأن داخلي يهم قيادي ومنخرطي الكنفدرالية. لكن لا احد يمكنه بالبثة والمطلق تجاوز الكواليس التي ميزت إختيار قيادات هذه الفدراليات، وكذا النقاش الذي خلقته في المنطقة، والذي كشف حجم التطاحن الحاصل بين الإخوة الأعداء. وهي معطيات تجعلنا نؤكد اليوم بأن قطاع الصيد الساحلي سيكون أمام نوع من “الصرع” التمثيلي، إن لم يستصغ الفراقاء المهنيون الجلوس إلى طاولة النقاش، وتقوية الجبهة المرافعاتية، لاسيما وأن الساحة اليوم، أصبحت تعج بالتمثيليات المهنية التي لا يمكن القفز عيليها، والتي صار لها اليوم تأثير أكبر في توجيه الرأي العام المهني البحري، فمتى سيدرك الجسم المهني أن الساحة المهنية تتسع للجميع وأن الصراع في المستقبل سيكون صراع أفكار ومبادرات؟