بقلم: عمار الحيحي *
قبل سنة 2004 كان أسطول الصيد بأعالي البحار المتكون حينها من 332 سفينة يمارس نشاطه شمال بوجدور بصفة إعتيادية، وفي سنوات ثمانينات وتسعينيان القرن الماضي، كان هذا الأسطول ينشط كل خريف بصفة دورية في الشريط الممتد من فم الواد شمال العيون إلى واد ماسة جنوب أكادير. حيث كانت مصايد هذه السواحل تجود عليه بصيد وفير من الأخطبوط والحبار وخصوصا الكالمار، أفضل بكثير مما تجود به المصايد الواقعة جنوب بوجدور.
بل أكثر من ذلك كانت عشرات الوحدات التابعة لأسطول شركة أومنيوم المغربي للصيد OMP، تنشط شمال كاب جوبي ( طرفاية ) طوال السنة..! لدا فالسؤال الذي يتبادر إلى ذهن المتتبع المهني اليوم، هو ما هي أسباب هذا التراجع الخطير للكتلة الحية بهذه السواحل..؟ وما هو السبيل لإنقاذ هذه المصايد حتى تعود لسابق عهدها؟
للإجابة على هذين السؤالين، يجب على المهني القح أن يسمى الأشياء بمسمياتها بكل جرأة، رغم الإنتقادات والتجييش الذي سيوظفها المضللون و “أصحاب الحسنات” كما يقال بالعامية.. فالسبب الأول هو عدم مبالاة التمثيليات المهنية للصيد بالجر، وعدم إلمامها بخبايا الحنطة فوق ظهر البحر وعمقه، وليس تجهيز المراكب وتتبع المعاملات والحسابات البنكية، التي تعد المؤشر الوحيد لدى غالبية المجهزين، في تعافي القطاع من دونه. لأنهم وببساطة يدركون الغاية و يجهلون الوسيلة لبلوغ ذلك..!
وهنا تطفو نازلتين تسببت فيما هو عليه هذا الوضع الكارثي اليوم لهذه المصايد.. وتتمثل النازلة الأولى في إهمال تمثيليات الصيد بالجر، لأحد المبادئ الأساسية لإستراتيجية أليوتيس، التي كانت تؤكد على تقليص مجهود الصيد “Réduction de l’effort de pêche”. وهو الشئ الذي فطن له وفعله مهنيو الصيد بأعالي البحار، في الوقت الذي كان فيه مهنيو الصيد بالجر خارج السياق.
فقد كانت جميع إستثمارات الصيد بالجر في العقدين الأخيرين تستهدف جنوب بوجدور . وذلك في خطأ قاتل، وفي إهمال ممنهج للسواحل شمال بوجدور التي كان ينشط فيها تاريخيا أسطول الصيد بالجر .. و هكذا ظلت مئات المراكب تصول و تجول في هذه السواحل، دون أن تنعم هذه الأخيرة بفترات راحات بيولوجية، تعيد الإعتبار إلى أعماقها إسوة بنظيرتها جنوب بوجدور ..!
وبخصوص النازلة الثانية فهي تتمثل في القرار الوزاري الذي حدد عيون جيوب الشباك Sac de chalut سنة 2004 شمال بوجدور في 50 ملم. هذا القرار نقولها بصراحة، قرارا ليس عمليا ولا علميا إطلاقا، لأن طبيعة مصطادات هذه السواحل، تفرض عيون جيوب الشباك maille ما دون 40 ملم. وهنا ظل عموم الربابنة، يتمردون كل بطريقته على هذا القرار. والدليل هو حجم المصطادات Taille التي تباع في أسواق المكتب الوطني للصيد. و لا يفوتنا هنا إلا أن ندعو صناع القرار إلى مراجعته.
و للإجابة على السوال الثاني حول السبيل لإنقاذ هذه المصايد حتى تعود لسابق عهدها؟ فحري في الأمر أن تكون هناك إرادة سياسية عاجلة لدى صناع القرار، والتنسيق مع المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري بمعية الربابنة والتمثيليات المهنية الجادة على قلتها، قصد العمل الفوري لبلورة تنزيل مخطط ليس بالضرورة أن يتقاطع مع نظيره جنوب بوجدور، لأن خصائص caractéristiques المنطقتين مختلفة تماما، لا من حيث الاجراف القارية، ولا من حيث الملوحة و لا من حيث كثافة الماء densité..
إن بلورة و تنزيل مخططات شمال بوجدور، لن يكون بالأمر الهين، نظرا لمجموعة من التراكمات، مع ما يقتضيه ذلك من نكران للذات وتضحيات جسام، ولنا في تضحيات إخواننا في أسطول الصيد بأعالي البحار سنة 2003 و 2004 أكبر دليل على ذلك.. أما دون ذلك من حلول ترقيعية، فلن تفيد في شىء، فقط كالمسكنات التي تخفض الألم دون تذخل جراحي عاجل لإستئصال الورم !
* كتبها للبحرنيوز: عمار الحيحي ناشط مدني ومدون مهتم بقضايا قطاع الصيد البحري