في ظل توفر المغرب على واجهتين بحريتين ماذا عن الإمتداد التاريخي لعلاقة المغاربة بالبحر

0
Jorgesys Html test

    نشرت جريدة الخبر مقالا مطولا للمرحوم الحسين بولقطيب أستاد مادة التاريخ بكلية الآداب بمدينة الجديدة ، تحت عنوان المغرب والبحر خلال العصر الوسيط يتحدت فيه عن تاريخ علاقة المغاربة بالبحر حيت أكد كاتب المقال فراغ الساحة من أعمال جادة تتيح فرصة توضيح مساهمة البحر في تخصيب الحياة السياسية والاجتماعية والذهنية للمغاربة عبر مختلف الحقب والعصور. مؤكدا أن تاريخ المغرب ارتبط منذ أقدم حقبه وعصوره بالبحر، ولهذا السبب بالذات، فإن أية قراءة لهذا التاريخ لا تستحضر العمق البحري للمغرب تعد ناقصة إن لم تكن غير ذات جدوى. لاسيما  أن ميزة المغرب مقارنة بالعديد من الدول هي انفتاحه على واجهتين بحريتين تعرفان حركة تجارية دؤوبة مما يجعل علاقة المغاربة بالبحر تستحق اهتماما خاصا.

   وأضاف بوالقطيب أن موقع المغرب على البحر الأبيض المتوسط جعله نقطة عبور أساسية للعديد من الشعوب والأجناس الباحثة عن موطئ قدم لها بالقارة الإفريقية. كما أن موقعه على المحيط الأطلسي جعله أيضا معبرا أساسيا للمغامرين الأوربيين الباحثين عن المواد الأولية والأسواق واليد العامل الرخيصة. إلا أن محاولة كتابة التاريخ البحري المغربي يضيف المرحوم الحسين بوالقطيب الذي كانت قد وافته المنية سنة 2001 تصطدم بالعديد من العراقيل والصعوبات لعل أبرزها غياب «أرشيف بحري» وطني يضم المؤلفات والوثائق ذات العلاقة بالنشاط البحري المغربي. فالنصوص التي تعالج النشاط الملاحي المغربي توجد موزعة بين أرشيفات العديد من الدول الأوروبية والإسلامية والإفريقية.

الأوربيون ينفون عن المغاربة كل دراية بالبحر وشؤونه

    إن الكتاب الأوربيين ينفون عن المغاربة كل دراية بالبحر وشؤونه. ولتأكيد هذا الطرح أورد أستاد مادة التاريخ  عددا من الأراء لكتاب غربيين من بينها رأي روبير مونطان الذي يقول فيه، «إن المغاربة لا يحبون البحر ولا يعرفون عنه شيئا. فالمحيط الأطلسي يخلق لديهم شعورا عميقا بالرعب». كما إستحضر أيضا  رأي جون ديبوا  الذي ذهب فيه إلى أن سكان المغرب رغم أهمية المسطحات المائية المحيطة بهم، لم يساهموا في النشاط البحري إلا بشكل محدود ومحلي أحيانا، وبتحفيز من الأجانب في أحيان كثيرة. هذا فضلا عن الإستدلال برأي فرنان بروديل ، الذي إعتبر أن الطبخ الإسلامي لا مكان فيه لمنتوجات البحر.

   ولم ينجو أفراد النخبة السياسية والعسكرية المغربية يقول بوالقطيب من إعادة إنتاج نفس خطاب الأوربيين حول عدم دراية المغاربة بشؤون البحر منطلقا في ذلك من رأي ل«القرصان» السلاوي المشهور ابن عائشة  في إحدى خطاباته الموجهة لسكرتير فرنسا بونشرتان،  إذ يقول: «لو كان المغاربة غزاة بحريين لما تركوا أي قرصان إنجليزي يمر عبر المضيق، لكن العرب لا يعرفون غير ظهور جيادهم».

   ورغم إقرار صاحب المقال بوجود بعض النصوص القليلة المتناثرة بين المظان التاريخية تشير إلى أن عددا من الأفراد كان لهم موقف رافض لاتخاذ البحر وسيلة للنقل. كما هو الشأن لموقف الشيخ الولي أبي محمد صالح الماجري الذي نهى أصحابه ومريديه عن ركوب البحر و الفقيه ابن زكون الذي أوصى السلطان بمنع الناس من الإضرار بأنفسهم والتغريب في البحور إذا لجت». إلا أن بولقطيب إعتبر أن أي إعادة لكتابة تاريخ المغرب من منظور وطني يجب أن تنطلق من تحرير تاريخه البحري من إسار التصور الاستعماري الذي لا يذكر النشاط الملاحي المغربي إلا عرضا، أو في سياق ربطه بالنشاط الملاحي الأوربي.

الموحدون سبقوا الغربيين إلى إرساء دعائم قانون بحري جنيني

   وفي سياق إرتباط المغاربة بالبحر ذهب المقال  إلى كون الموحدين كانت لهم الريادة في إرساء تقاليد بحرية تتعالى عن الصراعات السياسية والعسكرية بين المسلمين والنصارى. وهو ما إعترف به الغربيون أنفسهم يقول بولقطيب كما هو الشأن ل ماص لاتري الذي إعتبر أن المغرب كان متفوقا خلال عصر الموحدين على الإمارات الأوربية فيما يتعلق بالتعامل مع السفن والمراكب الغارقة بعرض سواحله. وأضاف صاحب المقال أن السلطة الموحدية  فرضت على رعاياها تقديم المساعدات الضرورية للمراكب التي تعاني من صعوبات داخل البحر، أو مثيلاتها التي يرمي بها البحر على الشواطئ، كما فرضت عليهم احترام الركاب الناجين ومساعدتهم وحماية بضائعهم. وهي كلها إجراءات تعد حسب صاحب المقال سبقا حضاريا ومساهمة بارزة لم يطبق بأوربا إلا في مرحلة متأخرة من العصر الحديث.

   وينظاف إلى هذا الإهتمام حسب لغة المقال دائما ، تلك الأهمية التي حظيت بها الديوانة. وهي أهمية لا يمكن فصلها عن ارتفاع حجم العائدات المالية التي كانت تدرها المعاملات التجارية بين التجار المسلمين والتجار المسيحيين. ففي عهد الموحدين ارتقى المشرف على الديوانة إلى مستوى والي. كما أن الخلفاء الموحدين كانوا لا يختارون لتولي هذا المنصب سوى الشخصيات المعروفة بولائها التام للخلافة الموحدية.

هل توفر المغرب على أسطول تجاري؟

  إجابة عن هذا السؤال أورد صاحب المقال ما ذهب إليه الباحث محمد القبلي، الذي ناقش هذه الإشكالية اعتمادا على الإرث التاريخي والنظري لابن خلدون، فلاحظ في هذا الصدد بأن ابن خلدون سواء في «عبره» أو في «مقدمته» أكثر الحديث عن الأساطيل الحربية، لكن لم يتم العثور لديه ولو على إشارة واحدة حول الأسطول التجاري. وقد فسر الباحث هذا الغياب بكون الدولة المغربية الوسيطية «لم تفكر بتاتا في الاتصال بالأسواق الخارجية مباشرة عن طريق البحر وإنما اكتفت بدور الوساطة السهلة المربحة، ».
  كما إستدعى صاحب المقال رأي روبير برانشفيك، الذي أرجع ضعف الأسطول التجاري الحفصي إلى عوامل التدهور الاقتصادي والتخلف الفني. ذلك أن سكان المغرب في نظره- لم يستفيدوا من التقدم التقني البارز الذي حققه الأوربيون في القرون الأخيرة من العصر الوسيط في ميدان صناعة السفن وتسييرها. لهذا السبب بالذات كان عليهم انتظار التدخل التركي لتحقيق نوع من التوازن المؤقت، على أن فريقا آخر من الباحثين، يعتقد بأن تراجع القوة البحرية العربية بدأ في الظهور منذ نهاية القرن العاشر الميلادي. ويعزون هذا التراجع إلى نقص الموارد الخشبية بسبب الاستنزاف الذي تعرضت له الغابات الداخلة ضمن نطاق العالم الإسلامي.
  وذهب بولقطيب ، إلى كون الرد العملي على أطروحة الاستنزاف هذه، يكمن في إنجاز الباحثين المغاربة لتاريخ الغابة المغربية على غرار تاريخ الغابة الأوروبية التي غدا معروفا بما فيه الكفاية من طرف الباحثين الأوروبيين. ويضيف المرحوم الذي وافته المنية كما أسلفنا سنة 2001 إن بعض النصوص القليلة المتناثرة بين صفحات المظان التاريخية قد تدفع إلى الاعتقاد بصحة ما ذهب إليه هؤلاء الباحثون.

* الحسين بولقطيب أستاذ سابق للتاريخ بكليو الآداب بمدينة الجديدة  توفي عام 2001

المصدر جريدة الخبر  بتصرف

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا