ما أن نشرنا الوثيقة التي تكشف الأثمنة التي حددتها الشركة الوطنية الموريتانية لتصدير مصطاداتها من الأخطبوط إلى حدود منتصف يناير من السنة القادمة، حتى تهاطل على البحرنيوز سلسلة من المكالمات، خصوصا من طرف ثلة من المستثمرين والتجار العارفين أكثر من غيرهم، بأسرار تجارة الأخطبوط ومفاتيحها خصوصا بالسوق الأوربية .
وإعتبرت التصريحات المتطابقة ضمن المكالمات الواردة على البحرنيوز، الأثمنة الواردة في الوثيقة وإن كانت تراهن على حماية المنتوج المحلي في وجه المضاربين الأوربيين ، فإنه يكتنفها نوع من المغالاة ، لاسيما في ظل الظرفية الإقتصادية المرتبطة بنوع من الركوض جراء المخزون الحاصل في مستودعات الموردين الأوربيين ، والذين لازالو ينتظرون فرصتهم، في تصريف بضاعتهم التي كانت قد حصلت بأثمنة قياسية في السنوات الثلاث الماضية ، حيث تراجع الطلب على المنتوج المغربي داخل الفنادق والمطاعم، بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطن الأوربي. هذا فيما يراهن المستوردون الأوربيون على مراجعة الأثمنة في سياق تحقيق نوع من الإستقرار في أثمنة العرض.
ونبهت ذات المصادر إلى وجود مخاوف من تهاوي الأثمنة بموريتانيا، حتى في أوساط المهنيين المحليين ذاتهم ، خصوصا وأن عملية الصيد إلى حد الآن لاتزال هي مقتصرة على الصيد التقليدي بحصيلة يومية تتجاوز 400 طن يوميا ، في إنتظار إنطلاق بواخر الصيد في الأعالي. هذه الأخيرة المقرر ولوجها للمصايد في 21 من الشهر الجاري ، تنظاف إليها الأطنان من المصطادات المخزنة منذ الموسم الماضي ، وهي معطيات لا يمكن عزلها عن إنطلاق الموسم بالمغرب مع مطلع السنة القادمة ، حيث المخاوف من تقهقر السوق العالمية للأخطبوط ، في حالة وصلت عدوى الأثمنة إلى السوق الأسيوية، التي تدخل بقوة لتنافس على الأخطبوط مع آواخر شهر يناير .
ووسط هذه التصريحات، نوهت مصادر أخرى بالخطوة التي إتخذها المغرب في تمديد الراحة البيولوجية لمصايده ، في ظل بروز تحديرات علمية من عودة شبح مرحلة 2004 بعد تناقص الكتلة الحية للأخطبوط بحوالي 50 في المائة ، جراء مجموعة من الممارسات المرتبطة بالصيد الممنوع ، وكدا إعادة رمي الأطنان من الأخطبوط في البحر . وهو ما يتطلب تعزيز نظام الحماية بشكل إستباقي، وسن المزيد من القيود على صيد الأخطبوط ، لتلافي إجهاد المصايد بما يتناسب والمخطط المنظم للمصيدة . كما أن قرار التمديد سيكون له انعكاس إيجابي في إنتعاش المصايد وتطورها ، وكذا خلق نوع من التوازن داخل السوق ، بإعطاء مزيد من الوقت للمصدرين في دراسة الوضعية العالمية، ومحاولة التخلص من مخزونهم الذي ظل يشكل هاجسا قويا للعديد من الفاعلين في علاقتهم بزبنائهم بالخارج.
وفي موضوع متصل أبرزت المصادر المهنية ، أن نمط التجارة والتصدير في كل من المغرب وموريتانيا هو مختلف تماما ، على إعتبار أن الشركة الوطنية الموريتانية هي التي تشرف على العملية بالجارة الجنوبية ، فيما في المغرب يعتمد على نظام السوق وحرية الأسعار والمنافسة ، كما أن العملية التصديرية هي مفتوحة في وجه المصدرين ، وهو معطى يفسح المجال لتنويع العرض وكذا الأثمنة ، تحت شعار العرض والطلب. وهي السياسة التي يجب إستثمارها في تنويع الأسواق ، وتعزيزها بعلاقات بيمهنية، يكون لها الأثر الإيجابي في توحيد الرؤيا، بخصوص العلاقة مع الأسواق الخارجية المختلفة ، حيث يتساءل خبراء الإقتصاد بالمغرب، عن السبب الكامن وراء عدم نجاح التكثلات البيمهنية في الصيد البحري، مقارنة مع القطاع الفلاحي الذي قطع اشواطا كبيرة في هذا الإتجاه .
وأفادت ذات المصادر، أن إعتماد تنظيمات بيمهنية مهيكلة تضم مختلف التكثلات والإهتمامات المرتبطة بسسلاسل الإنتاج في قطاع الصيد ، من شأنها تجنيب الدولة في شخص الوزارة الوصية ، الحرج في تعاطيها مع مجموعة من القضايا البيمهنية ، على غرار النقاش الذي اثير مؤخرا ، حول مطلب راحة تجارية، التي تم تبريرها بتهاوي أثمنة الأخطبوط ، وهو المطلب الذي يجب أن يكون مهنيا محضا، ضمن سلسلة الإنتاج، بإحترام خصوصية مختلف المكونات من بحارة ومجهزين وتجار ومصدرين ، ما يتطلب التعجيل بهذا النوع من التكتلات لإعادة بناء الثقة بين القاعلين المهنيين ، وتلافي السقوط في مواجهات مهنية، قد تكون إنعكاساتها وخيمة على المنتوج ومعه القطاع في تجلياته المختلفة .
ومع التحليلات المختلفة التي لازالت ترافق خلاصات المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، وما حملته من أرقام مخيفة، وكذا الصراحة المهنية التي إتسم بها اللقاء الأخير للجنة تتبع مصايد الأخطبوط ، فما يعرفه قطاع الأخطبوط من حركية على المستوى العالمي، والإهتمام المتزايد داخل الأسواق المستوردة ، و ما تعرفه هذه الآحيرة من إرهاصات خصوصا السوق الأسيوية، التي تجتهد في تعزيز نمط التخزين الذي يكفيها لسنوات ، جعلت البعض يقول بأن هناك أشياء تدبر في الكواليس للأخطبوط ، حتى أن كثيرون لم يستبعدوا بأن يصبح هذا النوع من الرخويات ، محميا من طرف منظمات عاليمة على شاكلة ما أصبحت عليه مصايد التونيات وغيرها …
وبما أن المغرب والصين يعتبران أكبر مصدر للأخطبوط على المستوى العالمي، وفق إحصائات الفاو لسنتي 2016 و2017 ، فالمغرب مطالب بحماية مصالحه بشكل إستباقي ، والمبادرة في خلق تكثل عالمي في إتجاه إستصدار قرارات دولية تصب في صالح البلدان المنتجة و المصدرة ، خصوصا وأن المغرب يعد اليوم نموذجا يقتدى به عالميا ، على مستوى تدبير مصايد الأخطبوط ، وهو ما يتطلب تعزيز هذه الجهود وصيانة ما تم تحقيقه على مدار 14 سنة من التراكمات الميدانية إنطلاقا من مخطط 2004.