ولد الحنطة مصطلح يتردد باستمرار في الأوساط المهنية وهو يعبر عن ذلك المهني المخضرم، الذي تتلمدت على يده اجيال من البحارة والربابنة، باعتباره استاد السطح الذي يلقن بحارته مبادئ السلامة البحرية وأساسيات الإبحار، بالإضافة إلى معارف وطرق الصيد المختلفة والمتنوعة .
غير أن مفهوم الحنطة عند الكثيرين، ينحصر فقط في كمية المصطادات او الوَسْقَة أي ملء القارب أو العنابر عن آخرها . كان هذا إبان حقبة امتدت لعقود زمنية، تميزت بوفرة المصطادات على اختلاف أنواعها وكدلك كانت البدايات لتدهور العديد من المصايد، حيت نجد أن هناك مصايد تعاني من سوء التدبير ومصايد تعاني من جهد الصيد، ومصايد انقرضت فيها البيئة البحرية.
استنزاف المصايد ساهم فيه مجموعة من العوامل، يتقدمها “ولد الحنطة” أي العنصر البشري الدي له صلة مباشرة مع البحر، والدي من المفروض أن يكون حريصا كل الحرص على استدامة المخزونات السمكية وحمايتها، لكن من الغرابة أن تجد ولد الحنطة لم يطور من آليات عمله، المتعلقة باستدامة الصيد. بل لازال ينهج نفس الأسلوب الذي ورثه عن سابقيه، وهو التسابق الى استغلال أي مخزون ظهر على السطح، والعمل على حصد حصة الأسد منه، ليصبح هذا الربان أو ولد الحنطة، محط اهتمام العديد من المجهزين لخبرته في تفريغ المصايد من مخزوناتها. وبالتالي يصبح رقما صعبا بين رفقائه الربابنة. وهو المعطى الذي جنى على الكثر من المصايد!
تنازل ولد الحنطة عن دوره المحوري داخل البحر وفي اليابسة، قد ساهم بشكل كبير في تفريغ الحنطة من محتواها الأصلي، باعتبار الربان العمود الفقري لمهنة الصيد. فبدون ربان مسؤول حتما، لن نصل إلى نجاح المخططات المرصودة لقطاع الصيد البحري، ويبقى السؤال المطروح كيف يمكن للربان أن يلعب دورا طلائعيا في الحفاظ على الثروة السمكية واستدامة الصيد؟
تفعيل الدور المحوري للربان في قطاع الصيد، غاية ملحة تتطلب العزيمة والإرادة المهنية، من جهة، وخبرة الاطر العلمية من جهة ثانية، وذلك عبر تمكين الربابنة من مسار أكاديمي علمي، يخول لهم المساهمة في وضع أسس الاستغلال المعقلن للمصايد، تحت إشراف المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري و كليات العلوم المهتمة بالحياة البحرية.
فلنتصور تقارير ويوميات الصيد لأزيد من 16000 ربان صيد تقليدي و1600 ربان صيد ساحلي و 334 ربان صيد في أعالي البحار ستدفق بشكل يومي أو أسبوعي لتشكل اللبنة الاولى لوضع أسس الصيد مستقبلا ببلادنا. حيت يتوجب على المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، توفير عدد مهم من الموارد البشرية لاستقبال ومعالجة البيانات اليومية القادمة من المصايد، فأزيد من 17000 الف وحدة صيد بكل أصنافها، ستصبح مراكز بحث عائمة متوفرة على ربابنة متمكنين من جرد المصطادات وتدوين الحصيلة بكل ما فيها، بدءاً من الأسماك دات الحجم التجاري والتي ستعرض في أسواق الجملة لاحقا، تم الأسماك دون الحجم التجاري والتي سيتم إلقاؤها بالبحر دون إغفال التقاط صور مختلفة للعرام قبل الفرز و بعده.
ويبدوا أن المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري قد تأخر كثيرا في فهم الدور المحوري للربابنة في توفير المعلومة، ما أضاع عليه الكثير من الوقت في التعاطي مع مجموعة من الظواهر التي تعرفها المصايد ، حيث شاهدناه مؤخرا يؤكد على أهمية إنخراط ربانية الصيد في أعالي البحار في البعث بتقارير يومية بخصوص مصيدة الأخطبوط. كما إلتقى بربانبة الصيد الساحلي بالجر في سياق إعداده لمخطط الزونينك، دون إغفال تسليمه لهواتف ذكية لبعض ربابنة الصيد التقليدي خصوصا ببوالفضايل وقبلها ببوجدور،
وهي خطوات مهمة تحتاج لمزيد من التحفيز في إتجاه إعادة الإعتبار ل “ولاد الحنطة” بغرض إشراك هذه الشريحة المهنية في عملية الرصد العلمي للموارد البحرية والظواهر البيئية. وهي مؤشرات يمكن وضعها في سياقها العام الرامي لخلق نوع من الثقة بين الباحثين العلميين والربابنة دون التقليل مع أدوار أي منهما ، في إتجاه الإرتقاء بالبحث العلمي والتركيز على الميدان يا حميدان ، وهي خطوة يجب أن يلتقطها الربابنة بكثير من الإيجابية لإسماع أصواتهم والإدلاء بملاحظاتهم الصادقة في التعاطي مع الظواهر التي تعرفها المصايد.
كتبها للبحرنيوز : يوسف فايدة رئيس الجمعية المغربية لتنمية الصيد البحري التقليدي