أثارت حملة أطلقها نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك منذ 9 يوليوز الجاري تحت هاشتاك ” كن رجلا” لدعوة الرجال إلى ثني النساء عن الخروج بلباس وصفوه بـ”الفاضح وغير المحتشم” خصوصا بالشواطئ وممارسة السباحة جدلا على الفضاء الأزرق بين مؤيد ومعارض. فيما فسحت الحملة المجال أمام إنتشار متزايد للبوركيني الذي إنطلق في السنوات الآخيرة في غزو الأسواق المغربية، بعد أن غزا شواطئها ومسابحها، وهو عبارة عن بذلة مطاطية للسباحة تغطي كامل الجسم ما عدا الوجه واليدين والقدمين. وفي ظل النقاش الذي يعرفه هذا الموضوع والجدل الكبير الذي تعيش على إيقاعه الساحة البحرية بخصوص لباس المراة عند السباحة، والذي يتجدد مع إنطلاق موسم الصيف إخترنا إعادة نشر ربورتاج أنجزناه في غشت 2017 تحت موضوع “البوركيني في شواطئ أكادير..إنتشار صامت يوازيه نقاش هادئ” مع التصرف محتواه إنسجاما مع المستجدات التي تعرفها المرحلة
يعيش المغرب كل سنة، مع بداية كل موسم صيف، نقاشا قويا حول لباس المرأة بالشواطئ المغربية، تتجاذب فيه الآراء بين البيكيني والبوركيني أو ما يُسمى بـ”المايوه الشرعي”. هذا الآخير الذي لقي رواجاً كبيراً في الآونة الأخيرة من طرف المغربيات، خاصة بعد الضجة التي أحدثها على الشواطئ الفرنسية في صيف 2016 بحجة أنه رمز ديني لا يصلح في الأماكن العمومية.
البوركيني :من صالة عرض الأزياء الأوربية إلى جدل أوربي وإقليمي
صمم البوركيني سنة 2003 من طرف مصممة الأزياء عاهدة زناتي الأسترالية واللبنانية الأصل، حيث حاز على براءة الإختراع، وصار علامة تجارية عام 2007. كما لقي اقبالا من طرف السباحات التي اتخذنه كلباس بديل عن لباس السباحة “البكيني” المعروف.
كما سبق لنايجيلا لاوسون الكاتبة المتخصصة في شؤون الأكل والتغذية، ومذيعة تلفزيونية تعمل في مجال الصحافة، ارتداء “البوركيني“ في إحدى المرات على أحد الشواطئ الأسترالية عام 2011. فالبوركيني؛ لباس البحر الطويل غير المكشوف كان موضة أوروبية. كما يشير التاريخ، ارتدتها النساء الغربيات في بداية القرن العشرين. بأشكال مختلفة تبعاً للثقافة أو السن.
وبعد الضجة التي تناولتها وسائل الإعلام العربية والغربية، وكذا المغربية بسبب البوركيني الذي غزى شواطئ فرنسا، ما دفعها لحظره وفرض غرامات مالية في حالة ارتدائه على شواطئها.
البوركيني بشاطئ أكادير .. بين التأييد العاطفي والمعارضة الحداثية
يشهد شاطئ مدينة أكادير كغيره من شواطئ المملكة، إنتشار إرتداء البوركيني من أجل السباحة. فبعض النساء أعربن عن ارتياحهن الكبير بالسباحة به، حيث تقول إحداهن” بالنسبة لي أفضل أن أسبح بالبوركيني لأنني أشعر بالخجل من أن أسبح بلباس غير محتشم. وقمت بشرائه السنة الفارطة بمدينة الوليدية” وتضيف فيما يخص ثقافة البوركيني ” فكل له اختياراته و ثقافته و عقليته، هناك من يرتاح بالسباحة به، وهناك من لا يحس بذلك. بالنسبة لي هو لباس محتشم بالنسبة للمتزوجات”.
يقول أحد الشباب، ” أنا مع لباس البوركيني في الشواطئ، لأنه لباس محترم ورائع، عكس اللباس الأخر الذي أعتبره “مسخ”. وهو ما أكده كذلك سائح فرنسي مسلم “أنا مع البوركيني والحجاب على شواطئنا فنحن مسلمين”. “أنا لست ضد البوركيني، أنا لن ألبسه، تقول فتاة أخرى “. فيما أكدت نورة وهي شابة في الثلاثينيات من العمر، أن ثقافة البوركيني، تغزو الشواطئ المغربية رويدا رويدا ،كما هو الأمر بالنسبة للمسابح والوديان.
محمد و مهدي القادمان من القنيطرة للإستمتاع بأشعة الشمس المتكسرة على شواطئ أكادير، سجلا في تصريح للبحرنيوز ، انهما ضد ثقافة البوركيني قائلان “رغم أن المجتمع المغربي مجتمع إسلامي،إلا أن هذا اللباس مثله مثل اللباس الأفغاني، فهو دخيل على مجتمعنا” ، وبالتالي فهو تقليد الأخر. ويضيف مهدي” البوركيني لباس لا يليق بالبحر والسباحة، وإن كان الهدف من باب الحياء فمن الأفضل أن تجلس المرأة في بيتها، لأن على الشاطئ رجال يسبحون بسراويل قصيرة”.
ويواصل البوركيني إثارة الجدل في ظل الخلاف الحاصل حول الشكل خصوصا بعد غطلاق هاشتاك “كن رجلا” ، فمثلا في مراكش هناك مسابح تقبل السباحة بمثل هذا اللباس وأخرى تمنعه، فيما يضطر عدد من الشاب إلى الإستهزاء بمرتديات هذا النوع من لباس السباحة، حتى وإن كان اللباس قد سجل هذه السنة تزايدا ملحوظا بالشواطئ المغربية.
البوركيني في الأسواق المغربية رواج موسمي تخنقه الأسعار المرتفعة
لقي البوركيني إقبالا ملحوظا مع بداية موسم الصيف ، خاصة بعد الضجة الإعلامية والجدل الذين رافقا الحملة التي إنتشرت على موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك منذ 9 يوليوز الجاري تحت هاشتاك ” كن رجلا” لدعوة الرجال إلى ثني النساء عن الخروج بلباس وصفوه بـ”الفاضح وغير المحتشم” خصوصا بالشواطئ وأماكن السباحة ، حيث نلاحظ على شاطئ أكادير نساء وشابات، سواء كانت محجبات أو غير ذلك البوركيني، سواء كان سبب إرتداءه عن قناعة أو لأسباب أخرى.
ويعتبر البوركيني لباسا دخيلا على ثقافتنا يقول حسن صاحب محل تجاري بسوق الأحد المتخصص في بيع الملابس الرياضية، وملابس السباحة مؤكدا في ذات السياق ، “أن أثمنة البوركيني تتراوح بين 300 درهم إلى 550 درهما حسب الجودة للفتيات والنساء، مبرزا أن أغلب المعروضات يتم إستيرادها من فرنسا وتركيا.
وصرح إبراهيم وهو تاجر ملابس نسائية أن: “أغلب الزبناء المقبلات على شراء بدلة البوركيني هن نساء متزوجات، فهناك إقبال على هذا النوع من ملابس السباحة. فالنساء يعتقدن أن البوركيني يضفي عليهن نوعا من القداسة والاحترام. كما أن هناك من تأتي برفقة زوجها الذي يفرض عليها هذا اللباس، فيما البعض يقتنينه عن قناعة فردية”.
وبالعودة إلى الشاطئ صادفنا نرجس فتاة في مقتبل العمر تبدو أكثر تحررا لإرتدائها “مايو” السباحة من نوع “بكيني” التي صرحت للبحرنيوز، غيرتها من مرتديات البوركيني، مسجلة ان ما يحول بينها وبين شرائه هو غلاء أثمنته قائلة “بالنسبة للثمن يجب أن يكون في متناول الجميع على الأقل، ابتداء من 150 درهما، كما نجد في المواقع المتخصصة لتسويقه على شبكة الإنترنت، إذ تتجاوز أثمنته بسوق الأحد باكادير، 399 درهم، حينما يتعلق الأمر بالنوع الجيد، وهو مبلغ لن تستطيعه الطبقات ذات الدخل المحدود.
السوسيولوجيون : تركيبة المجتمع المغربي ساعدت في إنتشار البوركيني.
يرى الباحثون في مجال السوسيولوجيا ان ظهور هذا النوع من اللباس المائي كان له إرتباط بالعامل التجاري والإقتصادي في تصميمه، قبل أن يكون له بعد ديني. ولا يمكن دراسة انتشار هذا اللباس في الشواطئ المغربية عموما وشواطئ أكادير بشكل خاص، بمعزل عن ما وقع بعد منعه في الشواطئ الفرنسية، بحيث يكون الفعل الديني في المجتمعات المغربية والاسلامية بشكل عام، مرتبطا برد فعل عاطفي، وبالتدين. فالمجتمعات الاسلامية تعتبر منع هذا اللباس في فرنسا منعا للتدين، والتضييق عن الدين الإسلامي في الغرب.
وأحسب حسن حالو الباحث في مجال السوسيولوجيا فإن المنع يبرز الصراع التاريخي بين الشرق والغرب، وهو المعطى الذي مهد لهذا اللباس الانتشار في المجتمعات الاسلامية. موضحا في ذات السياق أن المنع يؤسس للفعل العاطفي والتعاطف مع البوركيني في إتجاه التأسيس لانتشاره الواسع في المجتمعات الاسلامية عامة، والمجتمع المغربي خاصة. وذلك إنسجاما مع الإمتداد البحري المهم للبلد. فالقاعدة تقول أن “كل ممنوع هو في الأصل مرغوب”.
وسجل حسن حالو أن انتسار هذه الظاهرة في المجتمع المغربي، هو مرتبط بواقع اجتماعي مختلف، بحيث في أوربا نجد البيكيني هو اللباس الموحد في شواطئها، ولكن في المغرب الأمر مختلف قبل ظهور البوركيني، فقد كان لباس السباحة النسوية في الشواطئ المغربية يعتمد صيغا مختلفة ، حيث نجد البيكيني، كما نجد نساء يسبحن بجلباب أو لباس محجب، أو سروال طويل ويكون لباسا مختلفا. وهو ما يعطي الإنطباع بكون المجتمع المغربي مجتمع مركب، ولا يمكن أن نحلله بعيدا عن البعد التاريخي للمجتمع. كما لا يمكن دراسته من منظور واحد أو بنظرية غربية.
ويرى الباحثون أن البوركيني قد وجد طريقا معبدة للإنتشار بالمغرب لكونه مؤسس تاريخيا في المجتمع المحلي، من حيث نماذج اللباس المتنوع في الشواطئ المحلية. فلا تستغرب إن وجدت في الشواطئ المحلية نساء يرتدين “الملحفة” أو “الفرطيطة”أو “الجلابة” وحتى “البيجامة” . وهذا الفعل مؤسس على بعد ديني محض ، وكدا كلمة “حشومة” الرامزة لحياء المرأة المغربية، والتي ترى في عمومها أن لباسا البوركيني هو لباس محتشم. فيما تذهب مختلف الدراسات السوسيولوجية، إلى كون المجتمع المغربي لا يمكن دراسته بمعيار واحد، بعيدا عن البعد التاريخي الأنثروبولوجيا، لأنه يعتمد في ذلك على خصوصياته الثقافية وتركيبته المختلفة “.
البحرنيوز: زينة أوتيان بتصرف