البحر يطعم العرب

0
Jorgesys Html test

 

البحر يطعم العربتنتج البلدان العربية نحو 4.2 مليون طن من الأسماك سنوياً. ومع أنها تحقق مجتمعة فائضاً تصديرياً، فإن بعضها يعتمد على الاستيراد لمقابلة نقص الإنتاج المحلي. ولكن هناك إمكانات لزيادة الإنتاج العربي بما لا يقل عن مليوني طن سنوياً بحلول 2030.

تزخر المنطقة العربية بموارد كبيرة من الثروة السمكية التي توفر بروتيناً صحياً ورخيصاً للمواطن إذا ما قورن بالبروتين الحيواني من المصادر الأخرى. وبما أن المنطقة تعاني من نقص في الموارد الرعوية والعلفية يحد من إمكانية التوسع في إنتاج اللحوم، فمن المهم جداً الحفاظ على مستوى مساهمة الثروة السمكية في توفير البروتين الحيواني في سلة الغذاء العربية. بل يجب العمل على تنمية هذا القطاع بما يزيد من مساهمته على نحو مستدام في منظومة الأمن الغذائي العربي.

يقدر الإنتاج العربي السنوي من الأسماك بنحو 4.2 مليون طن، ينتج نحو 75 في المئة منه في ثلاث دول هي مصر والمغرب وموريتانيا. ويتم التركيز على الصيد الساحلي، لضعف قدرة أسطول الصيد العربي في المياه العميقة. ويشكل الإنتاج من الاستزراع السمكي نحو 25 في المئة من الإنتاج الكلي، وهي نسبة تقل عن مثيلتها العالمية المقدرة بنحو 44 في المئة. ويتركز نشاط الاستزراع السمكي في مصر بصورة رئيسية.

حقق قطاع الثروة السمكية في المنطقة العربية فائضاً تصديرياً عام 2013 بلغ 912 ألف طن بقيمة 2965 مليون دولار، وفق المنظمة العربية للتنمية الزراعية. وقد ساهمت ست دول عربية مجتمعة بنحو 95 في المئة من قيمة صادرات الأسماك العربية عام 2013، وهي المغرب (59.9 في المئة)، واليمن (11.2 في المئة)، وسلطنة عمان (9.8 في المئة)، وتونس (7.7 في المئة)، وموريتانيا (4.4 في المئة) والسعودية (1.8 في المئة).

وعلى رغم وجود فائض تصديري من الأسماك ومنتجاتها في المنطقة العربية، إلا أن هناك عدداً من الدول العربية تعتمد على الاستيراد لمقابلة النقص في إنتاجها المحلي من الأسماك ومنتجاتها. وتتمثل واردات تلك الدول في الأسماك الطازجة والمبردة والمجمدة، إضافة إلى الأسماك المملحة والمدخنة والمعلبة.

وقدرت واردات الدول العربية من الأسماك في 2013 بنحو 950 ألف طن بقيمة بليوني دولار، وبزيادة 3.4 في المئة عن قيمتها في 2012. وتتصدر مصر (26.5 في المئة) والإمارات (19.3 في المئة) والسعودية (16.0 في المئة) الواردات العربية من الأسماك.

أنظمة التسويق

يتم التسويق المحلي للأسماك ومنتجاتها في الدول العربية من خلال عدة حلقات، من أهمها التعاونيات وأسواق الجملة والأسواق المفتوحة (مواقع الإنزال)، التي يتم من خلالها بيع المنتجات السمكية إلى تجار الجملة الذين يقومون بدورهم ببيعها إلى الوسطاء وتجار التجزئة ومنها إلى المستهلكين النهائيين. وفي بعض الدول يتم بيع المنتجات مباشرة من المنتجين إلى المستهلكين.

ويتصف العديد من أسواق الأسماك في الدول العربية بالبدائية والافتقار إلى البنى التحتية والخدمات الأساسية وتسهيلات التداول والحفظ، وهذه أمور تنعكس سلباً على جودة الأسماك وقيمتها. وتعاني النظم التسويقية للأسماك ومنتجاتها من صعوبات ومشاكل ومحددات، أهمها: ضعف الأنظمة التسويقية وعدم تطويرها بشكل يتلاءم مع التطورات الإنتاجية ومتطلبات الأسواق المحلية والخارجية، وضعف التشريعات الوطنية المنظمة لعمليات تسويق وتجارة الأسماك، وارتفاع الهوامش التسويقية نتيجة لتعدد الحلقات والمسالك التسويقية وسيطرة بعض التجار، وغياب المعلومات المتعلقة بالعرض والطلب في الأسواق المحلية. ومن المعوقات أيضاً عدم انتظام الإنتاج الذي يحد من إمكانات المصدرين ويعيق الوفاء بالتزامات التبادل التجاري، وضعف وتهالك البنيات الأساسية لتداول وحفظ وتخزين المنتجات في مواقع الإنزال وموانئ الصيد والأسواق ومنافذ البيع، ومحدودية الكوادر المؤهلة وضعف برامج التدريب الموجهة نحو القطاعات الإنتاجية والترويجية والتسويقية والرقابية، وضعف الاهتمام بالدراسات والمعلومات التسويقية.

تصنيع

يقسم تصنيع الأسماك في الدول العربية الى ثلاثة أنماط وفقاً للتقنيات المستخدمة، وهي:

النمط التقليدي: وفيه تتم معالجة الأسماك على القارب أو بالقرب من مواقع الإنزال بطريقة التمليح والتجفيف.

النمط شبه الصناعي: ويضم وحدات تصنيع الأسماك المملحة والمجففة والمدخنة، وتصنيع الأسماك المعلبة والمجمدة ومشتقات الأسماك (مسحوق السمك وزيت السمك). ويعمل هذا النمط غالباً في ظروف صحية ملائمة وبشكل أكثر تركيزاً في أفران تدخين أو معدات تجفيف وتمليح مغلقة أو تعليب أو مسحوق سمك.

النمط الصناعي: حيث تستخدم الأساليب الصناعية والمعدات المتطورة في ظل نظام إداري وفني خاص، مع تطبيق نظم متطورة لمراقبة الجودة.

ومن أهم المشاكل والمحددات المتصلة بالتصنيع السمكي في الدول العربية: بدائية مصانع التعليب ووحدات التجميد في العديد من الدول، قِدم التكنولوجيا المستخدمة في الصناعة ونقص العمالة المدربة والخبرات الفنية، نقص المواد الأولية اللازمة للتصنيع من أسماك وأحياء بحرية، عدم تطبيق نظام نقاط تحديد المخاطر والرقابة، ضعف أو عدم وجود مختبرات ضبط الجودة، نقص الكوادر الفنية المدربة، نقص أو عدم انتظام التمويل للمصانع.

ولتطوير عمليات تصنيع الأسماك ومستلزماتها، يتطلب الأمر العمل بنظم المواصفات القياسية وضبط الجودة، وتطوير الصناعات السمكية الريفية، وتكثيف التدريب الفني في مجال حفظ الأسماك وتصنيعها لترقية النمط التقليدي، والعمل على تحديث الصناعات القائمة.

تحديات قطاع الثروة السمكية

تتشابه التحديات التي تواجه تنمية الثروة السمكية في الدول العربية. ومن أهمها سيادة طرق الصيد التقليدية والفجوة التقنية، والتركيز على الصيد الساحلي لضعف قدرة أسطول الصيد العربي في المياه العميقة، ومحدودية المعلومات والإحصاءات الخاصة بالصيد والمخزون السمكي أو عدم دقتها، والصيد الجائر وتدهور المخزونات السمكية. ومن المعوقات أيضاً محدودية أعداد موانئ الصيد ومواقع الإنزال، وافتقار قطاع الصيد إلى البنيات الأساسية في الموانئ مثل ورش الصيانة ومخازن التبريد وغيرها، وضعف القدرات المؤسسية والإدارية والخطط الاستراتيجية لقطاع الثروة السمكية.

والقدرات في التصنيع السمكي محدودية، وكذلك في ما يختص بضبط جودة الأسماك، وتربية الأحياء المائية، وبناء القدرات البشرية في قطاع الثروة السمكية. ويلاحظ ضعف البحوث ونقل التكنولوجيا والخدمات في جميع المجالات ذات العلاقة بتنمية الثروة السمكية واستغلالها (الصيد، الاستزراع السمكي، النقل والتداول، التصنيع، ضبط الجودة، التسويق…).

وتعاني تنظيمات الصيادين صعوبات فنية وتنظيمية. ومن العوالق أيضاً محدودية التسهيلات الائتمانية الممنوحة للصيادين من المصادر التمويلية، ومحدودية الاستثمارات الحكومية والقطاع الخاص الموجهة لقطاع الثروة السمكية.

الاستثمار

نظراً لمحدودية فرص تنمية الصيد في المصائد الطبيعية في المنطقة العربية، فإن آفاق تنمية الثروة السمكية قد تتركز في تربية الأحياء المائية البحرية وفي المسطحات المائية الداخلية، حيث إن هناك إمكانات لزيادة الإنتاج العربي من الأسماك بحلول سنة 2030 بما لا يقل عن مليوني طن سنوياً. فلدى المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، على سبيل المثال وليس الحصر، خطط وبرامج طموحة تتوافر لها الأموال، موجهة لزيادة قدرة البلدين في إنتاج الأسماك.

كما تتمتع السودان بمساحات كبيرة من المسطحات المائية الداخلية بحاجة لوضع خطة استراتيجية من أجل استغلالها للإنتاج السمكي، مع الترويج للاستثمار في تربية الأحياء المائية بغية إنتاج مليون طن من الأسماك.

وترتبط تنمية الثروة السمكية وتشجيع الاستثمار في قطاعها في الدول العربية بما يأتي:

– تطوير وتفعيل القوانين والتشريعات الخاصة بالصيد وتربية الأحياء المائية التي تضمن الاستدامة.

– إصدار قوانين بشأن الاستثمار في جميع مجالات تنمية الثروة السمكية في المصايد الطبيعية والاستزراع السمكي.

– زيادة معتبرة لحجم رأس المال المستثمر في القطاع، وبخاصة في البنيات التحتية والاستزراع السمكي والتصنيع.

– تطوير الصيد في المسطحات الداخلية والاستزراع السمكي في المياه العذبة.

– تهيئة مناخ استثماري مناسب مع تحديد فرص الاستثمار لجذب رؤوس الأموال إلى الاستثمار في القطاع.

– إحداث آلية عربية أو إقليمية لتمويل تنمية قطاع الثروة السمكية في المنطقة.

– الاهتمام بآليات وتقنيات الترويج للاستثمار في القطاع.

– توفير قاعدة بيانات معتمدة عن القطاع تتضمن حجم الموارد المتاحة ومدى استدامتها.

– توفير البنيات التحتية والخدمات الداعمة وتسهيلات النقل والتخزين والتصنيع والأسواق.

– بناء القدرات وتنمية المهارات في مجالات المصايد الطبيعية وتربية الأحياء المائية.

– تشجيع إنشاء الشركات الإنتاجية والتصنيعية والتسويقية العربية المشتركة في قطاع الثروة السمكية.

 

 

* طارق الزدجالي المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الزراعية

عن جريدة الحياة

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا