الناجي: “المواطن الأوربي يجب أن لا يأكل الغلة ويسب الملة.. والمغرب مدعو لتغير إسترتيجيته”

0
Jorgesys Html test

وقع المغرب والإتحاد الأوربي يوم الثلاثاء الماضي وبالأحرف الأولى على إتفاقية الصيد البحري ، بعد أن إمتدت المفاوضات على سبع جولات وزعت بين بروكسيل والرباط ، حيث أعتبر الإتفاق الجديد نصرا سياسيا للمغرب. في هذا الحوار الذي يستضيف فيه الزميل سعيد المنصوري ، الخبير الإقتصادي  محمد الناجي المتخصص في إقتصاد الصيد البحري والأستاد بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط  سنسلط الضوء على بعض مضامين الإتفاق الجديد بنظرة خبراء الإقتصاد .

مرحبا بك ضيفنا الكريم ، فلاحديث اليوم سوى على  التوقيع بالأحرف الاولى على إتفاق الصيد الجديد مع الإتحاد الأوربي، كيف تلقيتم هذا التوقيع ؟

شكرا لكم على الإستضافة.  فككل المغاربة نفتخر بالنصر الجديد للدبلوماسية المغربية. خصوصا أن الإتفاق حمل إنتصار سياسسيا بصيانته للوحدة الترابة للمغرب بأقاليمه الجنوبية .  كما ان بعض التغييرات التي طالت المضمون فهي جاءت  لحفظ ماء الوجه الإتحاد الأوربي بعد الحرج الذي وضعته فيه المحكمة الأوربية، وذلك بالتلميح المباشر لإستفادة الساكنة المحلية من صرف التعويضات. وهو أمر لا جدل فيه، لأن المغرب يصرف اليوم على أقاليمه الجنوبية، أضعاف ما يجنيه من المنطقة، فالبرنامج التنموي قد ضخ إستثمارات مهمة تفوق التعويضات التي تلقاها المغرب مقابل الإتفاقيات التي تم إبرامها مع الإتحاد  منذ إنطلاقها في القرن الماضي .

ما تعليقكم على مضمون الإتفاق ؟

 يمكن القول أن الإتفاق الجديد ، قد  حافظ إلى حد بعيد عن إستمرارية بنود الإتفاقية المنتهية مع تغيير طفيف ، لأن المتتبع سيجد  المضمون هو نفسه مع تعديلات طفيفة على مستوى الشكل،  فحجم الأسطول كان محدودا في  126 باخرة ، ليرتفع بسفينيتن إضافيتين فقط ، إذ انتقلنا من 126 سفينة في الإتفاق المنتهي إلى 128 في الإتفاق الذي نحن بصدده.  كما أن حجم المصطادات إرتقى من 60000 طن في الاسماك السطحية إلى 80000 طن.  وهو حجم تم منحه للسفن الأوربية هذه السنة  بمعنى أنه تم قبل الإتفاق. اما بخصوص الزيادة في المقابل المالي  فهو أمر مفروغ منه ،  لأن أثمنة الأسماك قد إرتفعت فلا ضير في رفع العائدات المالية للبلد. إلى ذلك من التغييرات البسيطة كرفع عدد البحارة المغاربة ونسبة الغرامات على الأسطول في حالة إرتكاب مخالفات .. خصوصا ان الإتفاق ينص على حظر بعض الأنواع السمكية كما يفرض حظرا على صيد الأسماك في البحر الأبيض المتوسط.

هناك من المتتبعين من تحفظ عن رفع حجم المصطادات من الأسماك السطحية الصغيرة  الممنوحة للإتحاد. ما تعليقكم ؟

صراحة قد أثارتني الزيادة التي طالت حصة الأسطول الأوربي من الأسماك السطحية الصغيرة وكذا الخطاب الذي رافق هذه الزيادة على المستوى الرسمي، لأن الإجراء الجديد قد إعتراه نوع من الضبابية والإرتباك،  ففي الوقت الذي تتحدث فيه الوزارة عن صيانة الموارد السمكية وتدبيرها،  تقوم في نفس الوقت برفع الحصة الممنوحة للإتحاد، مراعاة للدورة البيلوجية. فهناك تناقض، لأن الوزارة لا يمكن أن تتنبأ بما سيحدث في أربع سنوات،  حتى أن الأمر يبدو مستحيلا ، فما الذي وقع في هذه الدورة حتى تعطيهم 20 ألف طن إضافية وقد يرتفع الرقم. وهو تحول لا ينسجم مع قرار الوزارة السنة الفارطة، بمراجعة الحصص الممنوحة في مصيدة الأسماك السطحية الصغيرة، و نقص 15 في المائة من الكوطا الممنوحة للمهنيين كإجراء إحترزي، يجيب عن تنبيهات  الدراسات العلمية  بكون المخزون بالحنوب وصل لمرحلة الإستغلال الكامل.

البعض يرى أن طبيعة الإتفاق وإمتداده على اربع سنوات قد فرضت هذا التوجه، في حين يرجح آخرون أن يكون الإتحاد قد طالب بأكثر من الحجم المتفق عليه. ما رأيكم؟

قد يكون الأمر كذلك، لكن أن يقال تماشيا مع الدورة البيولوجية الوزارة  ترفع من الحصة الموجهة للأسطول الأوربي،  بمعنى ان الوزارة ضمنيا تلمح  إلى ان المخزون كان في وضعية صعبة، لكنه  قد تحسن. لذلك تم رفع الكوطا، أو أن هناك أمور لم يتم ذكرها،  بمعنى أن هناك حلقة مفقودة في الرفع من 60000 طن إلى 80000 طن أو أكثر . ورغم أن هذا الزيادة ليست بالحجم الذي من شأنه التأثير على المصايد في علاقة بمبدأ الإستدامة، إلا أن الوزارة يجب أن تكون بعيدة عن إزدواجية الخطاب بين الداخل والخارج. وما ينطبق على السمك الأزرق هو ينطبق تماما  على السمك الأبيض. فكان من الممكن القول أن المخزون في وضع ينبأ بوجود ضائقة، ورغم ذلك ضغطنا على أنفسنا وقمنا بتقديم تضحيات في سبيل تعزيز العلاقة التي تربط المغرب بالإتحاد، كشريك بل وكحليف. وهو الخطاب الذي من المفروض أن لا  يوجه للمفاوضين وحدهم، وإنما للمواطن الأوربي.

لماذا بالضبط المواطن الأوربي ؟

فتوجيه الخطاب إلى المواطن الأوربي وجعله مخاطبا أساسيا سيجعلنا ننعطف عن إسترتيجيتنا القديمة بشكل عميق ، فالمخاطب ليس هم المفاوضون وحدهم، وليس الإتحاد الأوربي أو البرلمان الأوربي كما نفعل اليوم ، وإنما الظرفية أصبحت تحتم إقحام  المواطن الأوربي .لأن السؤال المطروح اليوم، من الذي تسبب لنا في القلاقل والعراقيل في هذه السنة؟  سيكون الجواب  “جمعية” أي المجتمع المدني ، بمعنى أن المواجهة اليوم يجب أن تكون على مستوى القاعدة، والنزول من قمة الهرم التي تعودنا مخاطبتها طيلة  السنوات الماضية إلى قاعدة الهرم . وهو تحول يفرض بناء سياسة تواصلية، موجهة بأليات المجتمع المدني، من جمعيات وشبكات للتواصل، ليس على المعطى السياسي فحسب، وإنما إبراز الجهود والتضحيات التي يقوم بها المغرب، ومعه الساكنة المحلية، من أجل إرضاء المستهلك الأوربي، وتناول الأسماك بجودة عالية وأثمنة مناسبة.  ف “لا يمكن للمواطن الأوربي أكل  الغلة وسب الملة “.

ما المطلوب في هذا السياق ؟

نحن للأسف لم نضع أليات لتوصيل الخطاب للمواطن الأوربي، لأن تواصلنا ظل مرتبطا بالقمة، الحديث  هنا  عن الساسة والقيادات الأوربية والتكثلات الجهوية والإقليمية . فغفلنا بذلك عن وضع إسترتيجية لتأسيس وساطات ودعمها، لبناء خطاب مواز للتحركات الرسمية ، وتمكينها من المعلومة وتحريكها.  فيمكن الإعتماد مثلا  على الجالية المقيمة بالخارج، وكذا الطلبة الذين يتابعون دراساتهم بالجامعات والكليات الأوربية. فهناك جيش كبير جدا، لكن يفتقد للتأطير.  فمن المطلوب اليوم وضع إطار مؤسساتي لتأطير هذا الجيش في السياق المطلوب . وتعريفه منهجية القيام بالمهام المطلوبة منه.  وهذا معطى يجب أن يمتد لمجالات أخرى كالتسويق والتعريف بالمنتوج المغربي .

نرجع للمفاوضات كيف تنظر للمدة التي إستغرقتها قبل التوافق على بنود الإتفاق والتوقيع عليه بالأحرف الأولى  ؟

انا شخصيا تفأجات بعد إعلان الوصول لتوافق على بنود الإتفاق الجديد ، لأن هذه المفاوضات تأخذ وقتا أكثر،  قد تصل في المتوسط إلى سنة وزيادة. ما يجعل نجاح مسلسل المفاوضات في حدود سبع جولات التي تم خوضها في ظرف ثلاثة إلى أربعة أشهر، نجاحا هاما و قياسيا . وهذا المعطى يعزز الكلام الذي قلناه في وقت سابق، أن المفاوضين لم يناقشوا المضمون بشكل كبير ، وإنما النقاش إنصب على المستوى السياسي،  على ضوء ما خلصت إليه  محكمة العدل الأوربية، حيث إنخرط الطرفان معا في ظل الرغبة الموجودة إلى جانب العلاقة القوية ، في إيجاد تخريجات للمأزق القانوني والحرج الذي وجد فيه الإتحاد نفسه بسبب قضائه  .  فلما تم الوصول للتخريجة تم التوصل لإتفاق وبسرعة  .

تحدثتم في السابق عن إرتفاع التعويض المادي في نص الإتفاق ، الا يمكن القول أن الإتحاد قد كشف أوراقه للمغرب بعد إعلانه كل أورو يستمره يجني من ورائه 2.79 أورو؟

قد يكون هذا المعطى صحيحا ، فهذه في آخر المطاف مفاوضات،  والمفاوض الناجح هو الذي يدرس خصمه ويعمد إلى إستغلال كل المعطيات المتوفرة في الوقت المناسب ، لكن حتى نقدم بعض التوضيحات، فمركب صيد ساحلي ينشط في صيد السردين بالمصيدة الجنوبية ، هو يحقق رقم معاملات سنوي يبلغ 10 ملايين درهم، ما يجعل من العائدات المالية المتفق عليها تعادل معاملات سنوية ل50 مركبا لصيد السردين فقط.  أما إذا تحدثنا عن الصيد في أعالي البحار فهو رقم معاملات خمس سفن على الأكثر ، وخلاصة القول ان الربح السياسي هو المهم بالنسبة للبلاد، خصوصا أن إتفاقية من هذا الحجم يجب النظر إليها في سياق عام وربطها بإتفاقيات أخرى في إطار العلاقة التي تربط المغرب بالإتحاد   .

كما تفضلتم فالإتفاقية يجب ربطها بإتفاقيات أخرى من قبيل تسهيل ولوج منتجات الصيد وتسهيل المبادلات بين الطرفين وغيرها من المعطيات أليس كذلك ؟

 نعم هذا ممكن ، لكن دعنا نخوض في مسألة ولوج المنتجات البحرية للسوق الأوربية، ما دمت تحدث في سؤالك عن هذا الموضوع. فهنا يمكن الحديث عن المنتوجات الفلاحية وليس منتجات الصيد ، بإعتبارها ينطبق عليها ما ينطبق على التبادل الحر من حيث الإطار العام، فإذا كانت المنتجات الفلاحية يجب أن تخضع لنظام الحصص ومعها التعرفة الجمروكية لغياب إتفاق فلاحي على مستوى المنظمة العالمية للتجارة ، فهذا يجب أن لا ينطبق على منتجات الصيد البحري ،  وبالتالي ففي مختلف دول العالم فإتفاقيات  التبادل  الحر نجد في العادة  مكونها الأساسي هو الفلاحة، كما هو الشأن لإتفاق التبادل الحر مع الإتحاد الأوربي وأمريكا ..  لأن المنتجات الغير فلاحية في تصنيف المنظمة العالمية للتجارة محسوم أمرها ، فقد تم تحريرها منذ 2010 ، حيث لم تعد تخضع للرسوم الجمروكية، ونزلت للحد الأدنى المتفق عليه بموجب إتفاقية الكاتGATT ، التي انجزت بمراكش سنة 1995.

سنكون ممتنين لو تفضلتم  بالتوضيح أكثر بخصوص هذا الموضوع؟

ففي العالم جميع السلع تنقسم إلى قسمين، منتوجات فلاحية ومنتوجات غير فلاحية.  فهذه الآخيرة هي تضم المواد الغير فلاحية، بينها وللأسف وبشكل غير مفهوم منتوجات الصيد البحري.  بمعنى أن منتوجات الصيد البحري هي بدورها ووفق التصنيف المذكور، قد حررت.  وليس للإتحاد الأوربي الحق في تقييدها بنظام الحصص أو التعريفة الجمروكية، للحد من إنسيابية  تبادل السلع المرتبطة بالصيد البحري، سواء تعلق الأمر بالمصنعة أو الخام . وحتى في ظل وجود إتفاقية تبادل حر، فهي لا تضيف شيئا. فقد كان هذا يحدث في الإتفاقيات القديمة جدا، عندما كان المغرب خارج منظمة الكات ، حيث كانت لدينا حصص سنوية  للسمك المعلب تصل ل14000 طن خالية من الرسوم . فقد كان هذا قديما، أما الإتفاق الجاري اليوم أصبح خاليا من مثل هذه الممارسات، على عكس المنتجات الفلاحية . فالسوق الأوربية تعترض على دخول الأسماك عبر مطالبتها بمنشإ السمك، في إطار ما يعرف بالحواجز الغير الجمروكية،  إرتفاع نسبة الإستامين .. تهديد صحة ساكنة الإتحاد.. إلى غير ذلك، حتى المنظمة العالمية للتجارة تحدد بالتفصيل كيفية التعامل مع مثل  هذه الحالات. لكن وهذا بيت القصيد ، فالحديث عن إعتماد “بلد  المنشأ” في السماح لدخول الصادرات من الأسماك  يعتبر تحديدا سياسيا، وهنا يطرح السؤال لأساتدة القانون.

هل تقصد أن شرط المنشأ أو  التحديد السياسي  كا تفضلتم ، غير وارد في الإتفاق المعتمد من طرف منظمة التجارة العالمية؟

كما قلت، هو سؤال مطروح لخبراء القانون،  أتساءل صراحة ، ألم يكن ممكنا للمغرب اللجوء إلى المنظمة العالمية للتجارة ولقسم المنازعات في الرد على المحكمة الأوربية، والتقدم بدعوة على أن الإتحاد الأوربي يريد خرق بند أساسي من إتفاقية الكات لسنة 1995  ، التي تنص على تحرير تجارة المنتوجات السمكية؟ وهل شرط المنشأ مقبول؟  سيما أنه يقيد إنسيابية تدفق المنتوجات البحرية؟  لأن بمثل هذا الإجراء سنرمي الكرة في مسرح الإتحاد، لأننا اليوم أصبحنا مطالبين بالمبادرة للهجوم ، وليس انتظار الضربات والتحول لمدافع .

 حتى نختم معكم الخبير الإقتصادي محمد الناجي، ما تعليقكم على مجهودات المفاوض المغربي؟

عموما فالاتفاق يضم ماهو إيجابي كما يضم ماهو سلبي، لكن على العموم يمكن القول أنه متوازن بما يحمله من ربح وخسارة.  لكن الأهم أنه لا يتوفر على غبن.  فالمغرب يعرف ما يريد، كما يعرف الأشياء التي ربحها،  بمعنى ما حصل عليه وما الذي قدمه بالمقابل،  خصوصا أن هناك رضى من أصحاب القرار على الإتفاق . وهي معطيات تجعلنا نهنأ  المفاوض المغربي وكذا الدبلوماسية المغربية على مجهوداتها  الكبيرة في هذا الإطار،  لأنه ليس من السهل بتاتا  ان تقلب معادلة بمعطياتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية، في ظرفية قياسية.  خصوصا في ظل مناخ إتسم نوعا ما بالتوظيف القانوني، وأن تربح معركة قانونية من هذا الحجم الذي طبع سياق المفاوضات. فهو أمر هام جدا لمستقبل البلد .

 

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا