عقوبات بحرية .. مهنيون غاضبون من الإدارة بسبب مسطرة الصلح

0
Jorgesys Html test

بدأت أصوات مهنية محسوبة على مجهزي الصيد،  تطالب الوزارة الوصية على القطاع بمراجعة المسطرة المتبعة في إقرار الدعائر والعقوبات في قطاع الصيد، لاسيما إشكالية منع إبحار المراكب المخالفة والتحفظ على رخص الصيد بعد إقرار المخالفة وإبرام الصلح بشأنها،  حيث تصبح المراكب كأنها في حجز تحفظي إلى حين أداء مبلغ الغرامة التصالحية .

وأفادات مصادر مهنية في تصريحات متطابقة لجريدة البحرنيوز ، أن سياسة قطاع الصيد في تدبير العقوبات وملف الدعائر تحتاج لكثير من المراجعة، خصوصا بعد المسطرة الآخيرة التي تم إعتمادها لتنظيم عملية الصلح،  لكون هذه المسطرة تفرض توقفا إجباريا على مراكب الصيد رغم إدعانها للصلح، حيث أن الجهزين يبقون عاجزين عن تحريك مراكبهم بل وإستخلاص رخصهم، إلى حين أداء مبلغ الدعيرة ، فيما يمهل القرار المنظم المعتمد آخرا بشأن مسطرة الصلح المخالفين بعد إبرام الصلح،  60 يوما من أجل الأداء ، لكن الغريب أن تحريك السفينة يبقى مشروطا بالأداء.  وهو أمر يعطل النشاط المهني ويضر بالإستثمار،  بل يهدد الإستقرار الإجتماعي لأطقم الصيد تقول المصادر المهنية .

وأمام هذا الوضع تعالت الأصوات المهنية الداعية إلى ضرورة إحالة هذا الواقع المعاش على مستوى السياسة الزجرية في قطاع الصيد على المؤسسات التشريعية، من أجل إعادة النظر في أبعاده، حيث أكد كمال صبري المستشار البرلماني عن قطاع الصيد، أن المسطرة المتبعة من طرف مديرية المراقبة، تجعل مجهزي الصيد أمام شطط في إستعمال السلطلة، لاسيما وأن القانون المنظم، يعطي للمخالف خيارين، من أجل تسوية العقوبة المفروضة على المركب عند إرتكابه مخالفة، فالخيار الأول يرتبط بالصلح والتسوية الحبية، فيما يهم الخيار الثاني، التوجه للقضاء وإنتظار قرار المحكمة .

وأضاف كمال صبري أن المجهزين عادة ما يلجِؤون للصلح، لتلافي الانتظار الطويل، الذي قد تستهلكه مسطرة التقاضي، لكن خيار الصلح تعتريه مجموعة من التجاوزات المسكوت عنها، والتي تبقى في حاجة للمعالجة،  لقطع الطريق على بعض الإنفلاتات التي تخدش  أهمية هذه المسطرة، في تخليق الممارسة المهنية، والحفاظ على الموارد البحرية والقطع مع التجاوزات، التي ترتكب في حق المصايد والقوانين البحرية. حيث نبه المصدر أنه من غير المعقول بعد الإتفاق بين الطرفين (والحديث هنا عن المجهز وإدارة الصيد )، على سلك مسطرة الصلح ، وكذا توقيع المجهز لوثيقة الصلح وقبوله بالشروط المفروضة من طرف مديرية المراقبة ، تستمر الإدارة في تجميد رخصة المخالف وتمنع السفينة من إستئناف نشاطها ، ما يكبّدها خسائر كبيرة تهدد الإستثمار وتعصف بنشاط الأطقم البحرية، رغم أن المشرع يمنح للمخالف المستفيد من مسطرة الصلح 60 يوما لتسوية إلتزاماته المالية مع الإدارة الوصية .

وقال المصدر أن المجهز يوقّع هو الأول على محضر الصلح الذي يوافق بموجبه على شروط الإدارة، هذا دون أن يعرف حجم العقوبة ، وكأنه يوقع شيكا على بياض، ليترك لمديرية المراقبة حق تقرير قيمة العقوبة وتنزيلها ، وهذا في حد ذاته تجاوز خطير، لأن إبرام الصلح يفرض تضمين عقوبة الغرامة في وثيقة الصلح قبل توقيعها من طرف المجهز. وبالرغم من هذا الأمر، فإن توقيعه على محضر الصلح، لا يسعفه في إستئناف نشاطه بموانئ الربط، إلا بعد أداء قيمة الدعيرة المترتبة عن المخالفة. فيصبح المجهز المخالف أمام عقوبات، تتعلق الأولى بالضغط النفسي الرهيب، في إنتظار ما ستقرره المديرية على مستوى قيمة العقوبة، وكذا الحرمان من إستئناف نشاطه ، ناهيك عن كون الأطقم البحرية  تضاعف الضغط،  بكونها عاطلة عن العمل، ما يجعل مجموعة من البحارة يبحثون عن فرص شغل على ظهر مراكب أخرى .

وسجل المصدر أن الوقت قد حان لمراجعة هذه المساطر، حيث ستكون هذه من المعارك المسطرية، التي يجب الخوض فيها على مستوى التمثيليات الدستورية ، ونقاشها بمؤسسات التشريع لقطع الطريق على التجاوزت،  التي ترتكب في حق المستثمرين في قطاع الصيد بإسم القانون. مشيرا في ذات السياق أن لا أحد يختلف حول حماية المصايد، وإعمال الجانب الزجري ، لكن هذا يجب أن ينبني على أرضية مبنية على الحوار والتواصل وتبسيط المساطر، وتكييف خصوصيات التشريع مع تطورات القطاع، حيث أن مديرية المراقبة، من المفروضة أن تنزل إلى الساحة المهنية،  بخطة تواصلية  ترفع اللبس عن مجموعة من المساطر، بتكتيف اللقاءات مع الفاعلين المهننين، والإنفتاح على غرف الصيد ،  وتعزيز لغة الحوار التوعوي لجعل القانون في خدمة القطاع .

ودخلت مند  17  نونبر 2021 حيز التنفيد المسطرة الجديدة لإبرام المصالحة بمخالفات الصيد البحري، والتي تتم بناء على طلب يتقدم به المخالفون في أجل محدد. حيث تمهل المسطرة الجديدة التي ينظمها المقرر رقم 2021/DCAPM/002 بتاريخ 03  نونبر  2021، المخالفين 15  يوما  من أيام العمل، تحتسب إبتداء من تاريخ تحرير محضر المخالفة، لإظهار النية في إبرام المصالحة. إذ وبمجرد التوصل بالطلب يخبر مندوب الصيد البحري الكتابة العامة لقطاع الصيد البحري،  بنية المخالف في إبرام المصالحة ويرسل هذا الطلب إليها على الفور . فيما تقرر السلطة المخول لها حق إبرام المصالح في أجل أقصاه 30 يوما من أيام العمل، تحتسب إبتداء من إيداع الطلب . في حين يتوفر مرتكب المخالفة على أجل 60 يوما من أيام العمل، تحتسب إبتداء من تاريخ تسليم سند التحصيل، قصد أداء مبلغ الغرامة الجزافية التصالحية .

إلى ذلك قالت مصادر متتبعة للشأن البحري أن  المشرّع أعطى سلطة مطلقة للإدارة في تسوية مخالفات الصيد البحري عن طريق الصلح، حتى أصبحت هي الخصم والحكم في نفس الوقت، إذ لها وحدها دون رقابة القضاء إنهاء المخالفة صلحا أو تجاوزا عنها. كما سجلت المصادر في ذات السياق، أن المخالفات في ميدان الصيد البحري، تدخل في زمرة الخروقات الاقتصادية، ذلك أنها تستهدف مجالا استراتيجيا له دور كبير في التنمية الاقتصادية، حيث أن تبني مسطرة للصلح يأتي للتخفيف على المجهزين ، والإنتصار للتسوية، غير أن المجهزين عادة ما يتأخرون في الأداء ويتقدمون بإستعطافات للإدارة الوصية لتخفيض العقوبات أو إلغائها، وهو ما يربك نجاعة هذه المسطرة في تحقيق الغاية منها، لأن الصلح يمنع المركب من العودة لإرتكاب نفس المخالفة، غير أن هناك الكثير من المراكب التي خالفت وأعادت الكرة في المخالفة.

ويعطي الفصل 48 من القانون رقم 15.12 المتعلق بالوقاية من الصيد غير القانوني وغير المصرح به وغير المنظم ومحاربته، لمندوب الصيد البحري الحق بعد الإطلاع على محضر المخالفة في التوقيف المؤقت للسفينة المخالفة فيما ينص الفصل 1-48 على إمكانية وضع حد لقرار توقيف السفينة المنصوص عليه، في أي وقت، إذا أدى مرتكب المخالفة مبلغ الغرامة الجزافية الصلحية أو الغرامة القضائية، حسب الحالة، ويمكن كذلك أن يوضع حد لتوقيف السفينة قبل تحديد مبلغ الغرامة الجزافية التصالحية أو النطق بالحكم القضائي النهائي عندما يودع مرتكب المخالفة لدى بنك المغرب ضمانة مالية كافية لضمان تنفيذ العقوبات المالية والتي يحدد مبلغها، حسب الحالة، من طرف سلطة المصالحة المنصوص عليها في المادة54 من القانون المدكور ، أو من طرف رئيس المحكمة المعنية. وفي حالة صدور حكم قضائي نهائي بأداء غرامة مالية ولم يتم تنفيذه داخل أجل أقصاه ثلاثة  أشهر تحتسب ابتداء من تاريخ تبليغه للمعني بالأمر، فإن الضمانة الموضوعة تعود نهائيا للخزينة العامة وذلك بعد خصم الصوائر العدلية والتعويضات المدنية المحتملة.

وكانت مصادر متتبعة قد أفادت أن واقع الحال يفرض أن يكون هناك قضاء مختص يتعاطى مع المخالفات البحرية بما فيها قطاع الصيد ، خصوصا وأن  هناك ثغرات شجعت بشكل أو بآخر على كثرة الخروقات المضرة بميدان الصيد،  إذ أن عدد المخالفات المسجلة أصبح في ارتفاع، مما يحتم  تبني سياسة أكثر دينامية في التعاطي مع هذه المخالفات، ضمانا لتحقيق مفهوم العدالة التدبيرية، حتى لا تضيع حقوق جميع الأطراف، سواء أثناء تحرير المحاضر أو أثناء إجراء عقود الصلح ودفع مبلغ الغرامات وما يخلف ذلك من آثار على ذمتهم المالية. وذلك حتى لا يصبح الصلح عاملا في تسهيل ارتكاب المخالفات المرتبطة بالصيد البحري، وبالتالي استنزاف الثروات البحرية.

وأشارت ذات المصادر أن النقاش يجب أن يتجه لمنع إرتكاب المخالفة، حتى لا تكون هناك عقوبات من الأصل، وهو ما يتطلب تعزيز حملات التوعية أولا، وإذكاء ثقافة تنتصر للحفاظ على الموارد السمكية، والإدعان للقوانين المنظمة، والإبتعاد عن كل ما من شأنه إرباك المجهودات التنظيمية، فيما تكون سياسة العقاب مكملة للمجهودات الرامية لتحقيق الإستدامة. فالغاية من تنزيل العقوبات تبقى في الأخير تعزيز الإستثنمار،  عبر تخليق الممارسة المهنية، والقطع مع فوضوية نشاط الصيد، وضمان تكافئ الفرص بين مختلف الفاعلين في العملية الإنتاجية. 

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا