مراكب الصيد تعيد الروح لميناء آسفي بعد أيام من الجفاء

0
Jorgesys Html test

بدا ميناء آسفي مساء أمس الأربعاء وصباح اليوم الخميس على غير عادته في الأيام الآخيرة، بعد أن عادت طيور النورس لتحلق بجموع غفيرة في الميناء، وإختارت غالبية مراكب الصيد البحري الساحلي العودة إلى المصايد والتفريغ سواء بالصويرة او آسفي، بعد أن ظلت متوقفة بشكل إضطراري على إثر الحركة الإحتجاجية، التي إنخرط فيها البحارة، رافعين مجموعة من المطالب التي تنوعت بين ماهو إجتماعي ، وأخر تنظيمي.

أحد البحارة صرح للبحرنيوز، ان “البحار مثله مثل السمك لايتحمل الحياة بعيدا عن الماء وزبد البحر ، فالروح تتجدد مع كل رحلة صيد وهبّة النسيم “، فيما صرح آخر ، “أن تكاليف الحياة تجبر البحارة على إستئناف نشاطهم، بعد أيام من الإحتجاج، شكلت مناسبة لتمرير مجموعة من الرسائل لمن يهمم الأمر” ، فالبحار يقول “عاق وفاق ، ولن يتسامح مع من يلهو أو يستغفله في  حقوقه.”

فطيلة الأيام الآخيرة لا شيئ يعلوا في آسفي عن واقع البحارة ووضعيتهم الإجتماعية ، والدوافع التي دفعتهم للإضراب عن الخروج للبحر، بل ان هذا النقاش قد سيطر على المنتديات واللقاءات والإجتماعات ليس في المدينة فحسب بل حتى خارج حدود الإقليم، حتى ان عامل الإقليم إختار النزول برجله إلى المحتجين، وسؤالهم عن مطالبهم ودعوتهم للحوار، وهي خطوة وإن كانت فيها الكثير من المغامرة، فقد حملت مجموعة من الرسائل للمحتجين ، بكون السلطات الإقليمية هي واعية تمام الوعي بالتحديات الإجتماعية لرجال البحر، وأنها مستعدة لفتح باب الحوار ورعاية أي مفاوضات ممكنة، في سياق تقارب الرؤى بين الفاعلين والمتدخلين. بل أكثر من ذلك فقد باشر عامل الإقليم الذي قضى سنوات بحاضرة المحيط ، وأصبح عارفا بخبايا الميناء وأسراره المختلفة، إتصالات مع مجموعة من المتدخلين الإداريين والمهنيين، مطالبا بالتعجيل بحل مجموعة من المشاكل بما فيها تلك المتعلقة ببوابة الضمان البحري. 

ناشط نقابي أكد للبحرنيوز، ان النضال لا يقتصر عن التجمهر أو الوقفات الإحتجاجية، التي عادة ما تدخل المحتجين في مواجهات مباشرة مع السلطات،  كما ان التوقف يبقى المتضرر الأول والآخير منه هو البحار، هذا الآخير الذي لن يستحمل الصمود امام التحديات الواقعية لإصلاح مختلف العترات والتراكمات التي تجمعت مع مرور السنوات،  لتتحول إلى تقاليد وأعراف مهنية، وبالتالي فالمشروع النضالي لرجال البحر من المفروض أن يتبنى مقاربات إحتجاجية غير التوقف عن العمل، ورفع ملف مطلبي واضح المعالم  لإنضاج الفكر التفاوضي.. وهو المعطى الذي من المفروض مصالحة البحار مع العمل النقابي وتأطيره بالشكل الصحيح، لنقاش مشاكله داخل المؤسسات، فيما نبه في ذات السياق إلى خطورة الفراغ الذي أظهرته التمثلية المهنية، التي إختارت سياسة “النعامة” بما يحمله من دلالات ، يمكن إسقاطها على الضعف التأطيري لمجموعة من الهيئات التي كانت حتى الأمس القريب فضاءا للنقاش والتفاوض بين الفرقاء المهنيين ، إذ إنطلقنا من منطق الشراكة الإنتاجية التي تربط المجهزين  والأطقم البحرية . 

إلى ذلك أفاد بحارة في تصريحات متطابقة، ان آسفي كان لها صوت صريح ومطالب واضحة، تتجلي آساسا في إعادة الإعتبار للبحار كمكون إقتصادي وإجتماعي ، ومحاربة المظاهر السلبية في القطاع، خصوصا التهريب والسوق السوداء، مع إعادة النظر في الكثير من الممارسات الشادة التي جنت على الوضعية الإجتماعية للبحارة، دون إغفال التنبيه إلى إرتفاع كلف الإنتاج بفعل تغول فاتورة المحروقات، وتراجع المصايد، ومعها أثمنة المصطادات في ظل تراجع القدرة الشرائية للمواطن .. وهي مطالب إلى جانب أخرى يمكن نقاشها بشكل يعتمد على تحديد الأولويات، لأن التفاوض يجب أن تحكمه طريقة معقلنة، تتبنّى تفكيرا ممنهجا يراهن على تحقيق مكتسبات على المستوى الحالي والمتوسط والبعيد.

ولأن التفاوض ينتصر لمن يمتلك القدرة على الضغط، وطريقة تدبيره بشكل حربائي، فإن نجاح أي حركة إحتجاجية هو يقاس بما تحقق ، وبالتالي فإن خوض أشكال إحتجاجية عادة ما ينطلق بوضع مخطط مطلبي. حتى اننا تعلمنا بان بعض النقابات كانت تضع في ملفاتها المطلبية مطالب سهلة، تراهن على انها ستحضى بموافقة الجهات المسؤولة، لتحفيز هذه الجهات على التفاوض وجرها لتقديم تنازلات في ملفات معقدة ، مع العمل على أخذ وعود في محاور أخرى ، وهي سياسة لتلافي الخروج بيد “خاوية” من الشكل الإحتجاجي بلا غالب او مغلوب ، وهو فكر وإن كانا يتنافى مع نوايا الجهات المحتجة، ألا انه يخلق فكر القيادة ، ويؤسس لثقة الحوار.

  والحالة هذه يقول متتبعون للشأن البحري بآسفي ، فإحتجاجات البحارة نجحت في تحقيق مجموعة من الأهداف من قبيل صرف التعويضات العائلية المتأخرة وتسليط الضوء على مجموعة من الظواهر السلبية ، وإثارة قضايا قطاعية ..، غير أن ذات الشكل الإحتجاجي سجلت عليه مجموعة من المأخدات، لأن المطالب التي تم رفعها بدت وكأنها تتغير بإستمرار على مستوى الشكل وغير مستقرة، وبالتالي فالملف المطلبي بزخمه، لم يكن واضحا ودقيقا قبل الدخول في الشكل الإحتجاجي، كما أن الجهة التي ترعى هذه الوقفة لم تكن منظمة في الشكل لتبني لغة الحوار، وبالتالي فالكل يريد ان يحتج والكل يريد أن يشارك في المفاوضات ، والكل يريد ان يقرر ..، وهو أمر لن يستقيم في غياب روح القيادة، التي تحضى بثقة المحتجين، وإلا سيتحول الشكل الإحتجاجي إلى مجرد إستعرض وتفريغ من طرف البعض، فيما يؤتت أخرون المشهد لا أقل ولا أكثر .. بل أكثر من ذلك فالبحار الذي يعتدي على زميله او يتوعده بعدم الخروج إلى البحر بلغة شديدة اللهجة وتحتوي الكثير من الوعيد، هو معطى يلخّص الكثير من الأشياء، التي وجب الوقوف عندها بتجرد ومسؤولية في ثقافة الإحتجاج، وهنا يطرح السؤوال أين المشهد النقابي من قطاع الصيد ؟

 

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا