أنا في مصيدة السردين .. نوستالجيا تقاطعات على هامش الأزمة !

2
Jorgesys Html test

بقلم : عبد الخالق الجيخ *

مكنتني العلاقة الخاصة بيني وبين ابي رحمه الله ،كوني كنت ملازما له كثيرا ، منذ نعومة أظافري، أرافقه في رحلات صيد السردين الليلية التي كانت مدتها نحو عشرة ساعات كحد أقصى، من تكوين فكر مليء يالتقاطعات بين الأمس واليوم في ضيافة الحنطة ، التي إستهوتني شخصيا وأنا مراهق يتخلص من طقوس الطفولة، ليخلي الفضاء لإستقبال أولى بشائر الشباب . ففي الرابعة عشر من عمري خبرت البحر وخباياه، إلى أن إمتهنته كحرفة، من مكانيكي الى رايس ، ثم مجهز ، نشطت في العمل النقابي، ثم الجمعوي المهني، وخبرت المصايد من أسفي حتى تخوم الصحراء.

فبعد الطفرة التي عرفتها مصايد أكادير والتي كانت تمتد من تافضنة بسميمو شمالا إلى سيدي أحمد بن عبد الله (مير اللفت جنوبًا . وهي المصيدة التي عرفت وفرة كبيرة من سمك السردين،  مما جعل الأبناك تنفتح في وجه المجهزين بتسهيلات مغرية، مكنتهم من تغيير مراكبهم المحدودة بحمولة 20 طن، ومحركات من قوة 250 حصان كحد أقصى، إلى حمولات تتجاوز السبعين طنا ومحركات بقوة 500 حصان كحد اقصى. فقد كانت المراكب تبدآ سنة الصيد الفعلية ابتداء من شهر يونيو  جنوبًا ، من جنوب اگلو وتتجه شمالًا حتى مصايد الصويرة وأسفي والجديدة .

يحل شهر غشت ويدخل معه نوع أخر من الصيد،  إنه صيد “التونيات”،  حيث يغير بعض المراكب شبكة صيد السردين بشبكة صيد التونة،  بينما يكتفي البعض الأخر بإضافة صهريج عمودي يسمى “لڤيڤي”، يثبت في العنبر ليحافظ على اسماك السردين حيّة،  ليتم رميها كطعم لإستقطاب سمك التون، ليقوم المركب باغلاق شباكه بعد محاصرته لأسماك التونة العنيدة ..  ويمكن أن يشترك اكثر من من مركب في العملية، يوزعون الأرباح بالتساوي بينهم. الى أن يدخل الخريف وتبدأ معه العواصف والأعاصير ، ويذهب كل إلى مينائه، ليتجهز ويستعد للعام الموالي. اما البحارة فيلتحق أغلبيتهم بالبادية لإستثمار ما تم جنيه من مداخيل مالية من العمل البحري، في الزراعة وتربية الأغنام لتكتمل دورة الحياة.

في ظل توالي السنين والعقود، ومع  إرتفاع حمولة المراكب وسعة عنابرها وقوة محركاتها ، تمددت المصايد جنوبا،  حتى جنوب واد درعة. فمع بداية التمانينات افتتح ميناء طانطان ، بمركب يسمى (جواد )ثم مركب (جان گبرييل) حيث بدأ الاشتغال بإلزامية التعاقد مع معامل التصبير، وبحصة يومية لاتتعدى خمسة وعشرين طنا.  ومع كثرة المراكب تم أعتماد نظام التناوب، الذي تسهر على تنظيمه الهيئات المهنية. وهو النظام الذي ظل قائمًا، حتى اشتغلت معامل التحويل المحلية، التي أصبح معها العمل قارا في ميناء طانطان، ينطلق من شهر يونيو حتى آوخر شهر دجنبر  في احسن الاحول. ومع بداية التسعينات امتد النشاط المهني الى ميناء طرفاية ثم العيون، وكان نشاط هذين الميناءين يبدأ من شتنبر وينتهي مع نهاية فبراير في أبعد الحدود.

عبد الخالق الجيخ*

ومع التطور الصناعي في الصناعات التحويلية ، وتوسيع البنية التحتية وقرب المصايد، وبعض الامتيازات الضريبية استقرت أغلبية أسطول الصيد الصناعي في الموانئ الجنوبية. حيث صاحب هذا تغيير في نمط العيش المغاربة. حيث  ارتفع  استهلاك الأسماك بالخصوص في المناطق الساحلية. إذ أصبح السردين الطبق الرئيسي لأغلبية الأسر، خاصة داخل الأوساط الشعبية محدودة الدخل، بسبب ضعف القدرة الشرائية وغلاء اللحوم الحمراء والبيضاء. أما في الوسط القروي فانعدام التجهيزات التي تمكن من الإحتفاظ بالأسماك، إلى جانب العادات الاستهلاكية، التي تميز العالم القروي، جعلت إستهلاك السمك ضعيفًا مقارنةً بالمدن.

ومع توالي السنوات وتحرك التقويم الهجري مقابل الميلادي بأحد عشر يوما، وبسبب هذا التحرك سيصادف الأول من مارس وسيكون يوم السبت من غرَّة رَمَضان يوم 1 أو 2 مارس سنة 2025 م، ويستمر 29 أو 30 يومًا لينتهي في إحدى الأيام من 29 إلى 30 مارس 2025 ، يعني سيبدأ مع بداية شهر مارس،  الذي يصل فيه وضع البحار الحضيض بعد أشهر من العطالة أو البطالة المقنعة، لا سيما وأن شهر مارس يقول عليه الايطاليون أنه شهر (مالطو ) أي أنه شهر (أحمق) يتميز بالإضطراب في اليوم الواحد، بين أجواء فصول الشتاء والربيع والصيف والخريف، ومنهم من قال :”ماريو فابيو كوبرى فوكو” اي (خدّاع ومجنون.)

ويقول كبار السن من البحارة نقلا عن البرتغاليين الجملة الشهيرة “مارسو فالصو” ، لأنه يعد من الأشهر الصعبة وغير المستقرة، من حيث صيد وتفريغ الأسماك السطحية الصغيرة، إذ يعدّ شهر شهرًا شحيحا وشهر المنازل، لكونه يعتبر فترة إنتقالية بين فصل الشتاء وفصل الربيع وخروج منزلة الليالي. وأمام هذه الوضعية المنتظرة في رمضان القادم، تطرح الكثير من الأسئلة حول كيفية الإستعداد لتموين السوق الوطنية بالمنتوجات البحرية، لاسيما منها السردين، بأثمنة تساير القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود، وتتيح في ذات الوقت عرضا متنوعا يغلق الباب أمام مختلف الممارسات التي من شأنها الإساءة للعملية التموينية والتجارية.

فواقع الحال يفرض قيام الإدارة والمهنة في اطار خلية متجانسة، للتفكير الجاد والمسؤول في طرق تسويقية وتموينية جديدة تساير مختلف التحديات التي تواجه المصايد المغربية، والعمل على توسيع رقعة التخزين والتجميد، والإستتثمار في بنيات قادرة على خلق نوع من التوازن بين الصيد والعرض، لإستغلال أوقات الفائض في تدبير فترة الحاجة. وستكون لنا عودة لهذا الموضوع في مقالات قادمة ..

*عبد الخالق الجيخ : عضو كنفدرالي سابق في قطاع الصيد الساحلي 

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

2 تعليق

  1. بالتوفيق وهي تجربة ممتاحة من واقع الحال الذي اصبحت مظاهرة في خبر كان من المحال
    عموما هي٣تجربة مهنية غنية بالدلالات البحرية وسيميولوجيا المهنة مع سوسيولوجيا المهني تحدث فيها بعض من ملامح سيرة ذاتية تتمثل بالوقوف في٣ضوءها الاحمر بعيدا عن كل دقات جرس الخطر
    تحياتي واحترامي

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا