الصيد التقليدي بطنجة تحديات وآفاق

0
Jorgesys Html test

نظرة أولية لميناء طنجة تجعلك تعتقد أن ثمة حالة من التداخل العشوائي بين مكونات هذا الميناء الكثير الصخب و الحركة، لكن وبقليل من التدقيق ستكتشف أن هناك في الغالب ثلاثة أصناف من المراكب موزعة توزيعا معينا على طول و عرض الحوض المائي.

TANGER (1)في جانب من الميناء تراص مدروس لمراكب كبيرة الحجم فولادية و بصواري عملاقة، هي مراكب مخصصة للصيد في أعالي البحار. و هناك صفوف متفرقة لمراكب خشبية يميزها اللون الأزرق الفاتح  بقدر ما يميزها حجمها المتوسط،هي خاصة بالصيد الساحلي. ثم هناك فئة ثالثة صغيرة الحجم، هي الأخرى موزعة في صفيفات متفرقة، أو تجدها مكملة لصفوف من المراكب المتوسطة،و على متنها فقط، و لضآلة حجمها، تستطيع أن تميز بوضوح وقوف بحار أو اثنين أو ثلاثة، إنها قوارب الصيد التقليدي موضوع الزيارة.

الصيد التقليدي بميناء طنجة مصدر رزق لأكثر من ثلاثة آلاف بحار يشتغلون في أكثر من أربعمائة قارب يميزها  تواضع معدات الصيد، فأغلب المراكب متهالكة ولا تتوفر إلا على محركات صغيرة تجعلها في بعض الأحيان عرضة للخطر خصوصا في الطقس الماطر، وهو ما يرفع من أيام العطالة عند هؤلاء البحارة.

وكانت الحكومة المغربية سنة 2008 قد خصصت أكثر من خمسة ملايير درهم لعصرنة أسطول الصيد ، وخلف برنامج  “إبحار” آمالا لدى المهنيين في تحديت معدات صيدهم ، إلا أن تحديات أخرى ما زال ينبغي رفعها في القطاع حسب تصريحات هؤلاء.

التغطية الصحية تؤرق مضجع البحارة التقليديين

يأتي هم التغطية الصحية في مقدمة انشغالات بحارة الصيد التقليدي بميناء طنجة, مطلب تجده، و بحرقة، على لسان جميع المهنيين كل و طريقته في التعبير، “بالنسبة لنقطة  التغطية الصحية، عندنا مشكل على الصعيد الوطني ليس فقط ميناء طنجة، لأن  طبيعة عملنا موسمية،عندما يشتغل  البحارلشهرين أو ثلاثة أشهر فإنه يستفيد من التغطية الصحية بشكل طبيعي، لكنه يحرم منها في فترة التوقف  كما يحرم من بطاقة رميد” بهذه العبارات لخص خالد أقلعي ممثل الصيد التقليدي بالغرفة المتوسطية طنجة مشكل التغطية الصحية، مقترحا ” أنا أقول أن البحري الذي يصل مدخوله الى 30000 درهم تقريبا ،على الأقل يجب السماح له بالتغطية الصحية طيلة العام”

بدوره أثار شابو البشير عضو الكنفدرالية الوطنية للصيد التقليدي،مشكلة أخرى تتعلق ببطء مسطرة التعويض قائلا ” هناك نوع من التباطؤ عندما يضع المهنيون تصريحاتهم لدى مندوبية الصيد ، اذ ما زال هناك بعض التأخير ، الشهر لا يبلغ حتى يمر عليه شهرآخر، و التأخير هو من طرف الادارة، لأننا نسلم الطلبات للمندوبية التي تقع عليها مسؤولية تسليم الوثائق لمصلحة الضمان الاجتماعي.”

في ميناء طنجة يشكل “الصعود الى المدينة” لوضع الوثائق لدى مصلحة الضمان الإجتماعي  كابوسا لكل بحار هنا، فالإزدحام و كثرة الإنتظار تفرض التغيب أو التوقف عن العمل،  ” لماذا لا يخصصون مكتبا خاصا بالبحارة في الميناء، يعينون موظفا أوموظفين لاستقبال الملفات؟؟” يتساءل باستغراب الخياطي يونس رئيس جمعية النورس لبحارة طنجة في إحدى التصريحات الصحفية.

“الكوطة” و السوق السوداء.. أو لما يفرز القانون عكس المنتظر

tunaaa“الكوطة” أو الكمية المحدد اصطيادها من نوع سمكي معين، ، مصطلح متداول في القاموس البحري، و لدى مهنيي الصيد التقليدي بميناء طنجة ” الكوطة” هي مرادف للريع و السوق السوداء و أشياء أخرى. فمن جهة يصرح يونس الخياطي الفاعل الجمعوي “نأتي بالثروة السمكية، لكننا نمنع من إدخالها إلى السوق، بدعوى الكوطة، ليضيع البحار و التغطية الصحية و الضمان الإجتماعي و الراحة البيولوجية و حتى الدولة بدورها تضيع.”

و من جهة أخرى يرى أحمد حسو رئيس جمعية أرباب قوارب الصيد البحري التقليدي بطنجة ” نحن نتعامل بالكوطات التي تحددها الوزارة و توزع على كل فئات الصيد البحري،الصيد التقليدي له كوطته و الصيد الساحلي وكذلك  الصيد في أعالي البحار، كل حسب اختصاصه…نحن لدينا الكوطة المخصصة لنا عندما تنتهي نتوقف عن الصيد.. مثلا هذه السنة كوطة سمك التونة المحددة لنا هي 106 طن”

بينما يرد شابو البشير الذي يشغل أيضا منصب رئيس المنصة المغاربية للصيد التقليدي ، يرد استنفاد الكوطة و منع ادخال السمك الى السوق الى عامل آخر” ازدادت على ميناء طنجة أكثر من 200 قارب ليس لها الحق في أن تصيد بطنجة، و منتوجها السمكي يباع في السوق السوداء و عندها وسائلها الخاصة التي تشتغل بها، و هذا المنتوج يصبح فيما بعد  قانونيا، بعدها يقولون لنا أن النوع السمكي انتهت الكوطة المخصصة له. شخصيا، أعتقد أنه لا يمكن أن نصل الى الكوطة المحددة، لم نصل اليها يوما، بل نتوقف عن العمل  قبلها، و لكن لما وقع هجوم القوارب هذا ..”

الإغاثة و التأمين وجهان لعملة هي حياة البحار

TANGER (1)كل سنة يسجل قطاع الصيد التقليدي، أكثر من غيره، حوادث و حالات غرق و انقلابات قوارب بالجملة على الصعيد الوطني، و لا يشكل ميناء طنجة استثناء، فعند كل بحار تقليدي هنا، تجد قصة مفجعة لحادث انقلاب مركب أو فقدان قريب أو صديق يحكيها بلوعة لا مثيل لها، ” من سيعوض  الأرواح البشرية التي تفقد في البحر؟؟ من سينجد و يساعد اليتامى و الأرامل؟؟” يتساءل يونس الخياطي بحرقة،  مضيفا ” اذا وقع  مشكل في البحر فليس هناك مكتب يسهر على اتصال دائم و مباشر بالبحار داخل البحر،اضافة الى غياب طبيب مختص”

يرى بعض المهتمين أن كثرة الحوادث المسجلة في صفوف قوارب الصيد التقليدي هي نفسها المانع من وجود تأمين خاص بهذا القطاع، فليست هناك شركة ستقبل المغامرة بتأمين قطاع بهذا الكم من الحوادث ومن الخطورة. إضافة الى غياب هيكلة واضحة لقطاع الصيد التقليدي على الصعيد الوطني وأي خطوة في هذا الإتجاه تعتبر مغامرة …

غير أن  البشير شابو ، يرى أن هناك بارقة أمل ”  نقوم بمجموعة من الاتصالات مع عدد من الشركات على أساس الاشتغال من أجل تأمين يكون في متناول الجميع، بالنسبة لنا هناك حوالي 16500 قاربا،و لتفعيل تأمين محلي سيكون الثمن مرتفعا ،أما اذا كان العدد مهما يمكن لشركة ما أن  تمنح تأمينا  في متناول الجميع و بثمن مناسب. بناء عليه سيتم الإتفاق مع الوزارة لكي يصبح الزاميا. و هذا يتطلب جهدا و عملا كبيرين، لأننا طالبنا الوزارة أن تدفع قسطا من الإشتراك، وجدنا عندها استعدادا و ترحيبا  بالمقترح ، و يمكن أن تساهم الوزارة بنسبة لا نعرف قيمتها بالضبط حتى الآن”

الفوضى و الأمن يستحثان الإنتقال الى الميناء الجديد

TANGER (3)إن الطفرة التي عرفتها طنجة بمينائها الجديد لا تكاد تلمس لها أثرا في الميناء القديم، فهذا الأخير يعيش بشكل يومي حالة من الفوضى و التصادم بين مختلف المكونات، مشهد لا يحتاج الزائر الى كثير عناء ليقف عليه ، فالكل يتدافع ليبيع أو يشتري أو يراقب أو يضايق أو يفسح الطريق .. حالة يعبر عنها بحاربالكاد يسمع صوته من كثرة الصخب و ترافع أصوات بشرية مختلطة بنعقات النوارس و هي تتقاتل على “الديشي”، “حنايا فهاد ميناء طنجة مهنيين عشوائيين”، وأضاف ملوحا بيديه يمينا و شمالا “عايشين فالشغب بحال الا كانمارسو التهريب، كتخاف على السلعة ديالك، تخاف على الأسماك ديالك، تخاف على رزقك، تخاف على مالك ..”

يفسر البشير شابو هذه الفوضى بقوله ” ميناء طنجة القديم يعرف نوعا من الفوضى مثل  الإكتضاض،  وتوافد عدد كبير من القوارب على المدينة . و هذا ليس فقط في طنجة بل في مدن أخرى .. و القوارب التي تغير نقطة الصيد المسجلة بها  من دون ترخيص تصعب معها مهمة المراقبة”

و سبق لأحمد حسو رئيس جمعية أرباب مراكب الصيد التقليدي بطنجة أن علق على مشكل الأمن داخل الميناء في تصريح متطابق ” ينبغي أن تتضافر الجهود من طرف الجميع ليسود الأمن داخل الميناء “، ثم أضاف بحماس ظاهر ” من بين النقط اللي طرحناها على رجال الأمن، ضرورة التحقق من هويات الداخلين الى الميناء، فسابقا لا يسمح بالدخول إلا لمن يحمل بطاقة السماح بالدخول (Laisser-passer)، و هناك أيضا مشكلة زوار الميناء فهم يقولون أنه من حقهم استكشاف الميناء، لكنه أيضا مكان للعمل ، فيه معدات الصيد الخاصة بالمهنيين كما أن المراكب قريبة بعضها من بعض “.

آفاق متقاطعة في أفق رد الإعتبار

ومن خلال وقوفنا على واقع قطاع الصيد التقليدي بميناء طنجة وجدنا مطالب مهنييه لا تختلف كثيراعن  مطالب غيرهم ممن ينشطون بهذا النوع من الصيد في جميع مناطق المغرب ، فالتغطية الصحية، و التأمين، و هيكلة القطاع، وتحسين ظروف الإشتغال، و القطع مع التهريب، ووضع حد لظاهرة السوق السوداء،  مطالب تتفق عليها كل الهيئات الممثلة للصيد التقليدي، كما تتفق على ضرورة  فتح قنوات للتواصل مع الجهات الوصية لإيجاد حلول آنية ناجعة و ممكنة، تعيد الإعتبار لبحار الصيد التقليدي و للأسر المتعلقة بصيده.

يذكر ان الصيد التقليدي وحسب  منظمات دولية،  يعتبر صيدا انتقائيا ، فهو يشغل أكبر عدد من اليد العاملة، و يضمن عيش شريحة عريضة من الأسر المغربية، كما يدر سنويا على صندوق المكتب الوطني للصيد البحري والجماعات أموال تعد بملايير السنتيمات .

 

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا