إهمال الجانب المجتمعي في علاقة المغاربة بالبحر خلال القرن السادس عشر

0
Jorgesys Html test

في هذا المحور يتحدث ذ محمد مهناوي ضمن مقاله  “علاقة المغاربة بالبحر خلال القرن السادس عشر” عن موضوع إهمال الجانب المجتمعي في علاقة المغاربة بالبحر بعد ان  بسط المادة العلمية وتحدث عن الخلط بين نشاط القرصنة والأسطول الحربي للدولة السعدية، حيث لا يمكن الحديث عن تطور علاقة المغاربة بالبحر يقول مهناوي  في غياب إدماج هؤلاء في المجال البحري ، وإنخراطهم في التطورات التي لحقت بالمنافع التي يوفرها هذا المجال. 

محمد مهناوي*

صحيح ان البحر ظل مهمشا ضمن اهتمامات المجتمع  المغربي ، وكانت علاقة المغاربة بالبحر محدودة حتى في زمن توفر السلطة المركزية على أسطول حربي. وإذا كان سقوط الأندلس بيد النصارى، وما رافقه من غزو وحصار إبيري لسواحل المغرب ، المصاحب بتوقف الإهتمام الرسمي بالبحر ، قد زاد من إبعاد المغاربة عن البحر، فإن كل ذلك لا يمنع من استحضار الأسلوب الذي أدارت به الدولة السعدية علاقتها بمجالها البحري ، وإنعكاسات ذلك على علاقة المغاربة بالبحر. ويمكن مقاربة هذه المسألة من خلال زاويتين:

أولا : المجال البحري والنظام الغدائي المغربي

صحيح أن المنتوجات البحرية ظلت قليلة الهمية ضمن المطبخ المغربي ، إذ كان الصيد بالأنهار وخاصة قرب المصبات أكثر أهمية من البحر، وكان الشابل في مقدمة الأسماك المصطادة ، إلا أن هذا لا يلغي اشتغال نسبة مهمة من سكان المدن الساحلية بنشاط الصيد ، فقد تحدث البحار فرناندش عن إصطياد ساكنة أزمور لكميات طائلة من الأسماك ، وخاصة الشايل . كما كان سكان هذه المدينة في السنوات الآخيرة من القرن الخامس عشر يؤدون سنويا حوالي 30000 شابلة كضريبة عينية لملك البرتغال . وعن هذه الضريبة نقرأ بالسلسلة الوثائقية البرتغالية عن حصول إتفاق بين سكان أزمور والملك البرتغالي بتاريخ 16 غشت 1486، يلزم سكان المدينة المغربية بدفع 10 ألاف شابلة كل سنة لملك البرتغال.

وفي سياق حديث الوزان عن كثرة الشابل بأزمور،  تكلم عن  كثرة الشحم بشابل أزمور، حتى أن سكان هذه المدينة كانوا ” يستصبحون به لأنه لا يوجد زيت في هذه البلاد، ويأتي التجار البرتغاليون مرة في السنة ليشتروا كمية عظيمة من هذا السمك. ومع مطلع القرن السادس عشر كان سكان بادس  ينقسمون على قسمين : ” صيادون وقراصنة … ويقتاتون على الخصوص بالسردين  وغيره من السمك، لأن الصيادين يصطادون منه كميات وافرة،  بحيث يحتاجون دائما إلى بعض الناس يساعدونهم على جر شباكهم .. اما السردين فإنهم يملحونه ويرسلونه إلى الجبال. ولا ياكل أعيان تغسة القريبة من بادس ” غير خبز الشعير والسردين والبصل …”. كما لا يرى بمدينة بليش شرق بادس بعد ان تعرضت لمجموعة من الهجومات على يد قراصنة  إسبان” غير أكواخ للصيادين الذين يوجدون في حالة استنفار باستمرار،  فلا يكادون يلمحون زورقا قادما حتى يخفوا إلى الجبل ، وسرعان ما يعودون مع عدد كبير من الجبلين للدفاع عن أنفسهم. وفي ضواحي العرائش غيضات ومروج عديدة ، يصطاد فيها كثير من سمك الأنقليس (النون) والطيور المائية…”

فهناك العديد من الإشارات التي تبين ممارسة الصيد بالسواحل والمصبات النهرية قبيل صعود نجم الدولة السعدية ، وتمكنها من توحيد المغرب ، فكان من الطبيعي أن يتطور هذا النشاط بعد أن تتمكن الدولة السعدية من التخفيف من الضغط أن يتطور هذا النشاط بعد أن تتمكن الدولة السعدية من التخفيف من الضغط الذي كان مسلطا على ساكنة المغرب الساحلي. لنعد إلى أزمور بعد ان أخلاها البرتغال ونر كيفية تعامل السلطة السعدية مع شابل هذه المدينة .

لقد حاولت الدولة السعدية إحتكار الثروة السمكية التي يزخر بها مصب نهر أم الربيع ، يحركها في ذلك هاجس الرفع من مواردها المالية. فكيف تم ذلك؟ يجيب المامول ” ” إن الشريف الذي يحكم حاليا يكري صيد الشابل في أمزمور بثمن مرتفع للتجار المسيحيين وترسو السفن المسيحية فيها بجواز” . ولهذا لا نعجب إذا وجدنا الإقامة بأزمور لم تعد تغري أحدا بعد تحريرها ، وبدت المدينة مهجورة إذا استثنينا الإدالة المخزنية.

وكان مقابل جواز إقامة سفن الصيد المسيحية من أهم الموارد الضريبية، التي كان يجنيها ممثل السلطة السعدية بأكادير   بعد تحريرها. وهكذا أسهم جشع الدولة وحاجياتها إلى الموارد المالية في تسهيل مأمورية الصيادين الأوربيين بالساحل المغربي، على حساب تلك الفئة القليلة التي إعتادت على الإسترزاق من البحر ومصبات الأنهار . ولهذا تفاقم مشكل غياب السمك بمائدة المغربي خلال النصف الثاني من القرن السادس عشر، بالمقارنة مع النصف الأول من هذا القرن، وخاصة كلما إبتعدنا من الساحل نحو الداخل .

ثانيا: دور البحر في تنشيط الحركة التجارية

معلوم أن المغرب لم يمتلك أسطولا تجاريا ، ويفسر ذلك بمجموعة من العوامل ، منها إحتكار الدولة ، وأهمية التجارة العابرة للصحراء، ويفسر أيضا بتشدد بعض الفقهاء في مسالة المتاجرة ببلاد النصارى. وهو ما جعل التجارة البحرية تنمو على هامش المجتمع المغربي ، وفي غيابه : وذلك منذ العصر الوسيط. ومعلوم أيضا أن القرن السادس عشر، شهد تحولا كبيرا في مجال التجارة البحرية، إذ تم خلاله الانتقال من التجار المتوسطية على التجارة المحيطية ، وبدأت تظهر به ملامح التجارة الدولية. غير أن كل هذا لم يؤثر في الدولة السعدية ، إذ إستمرت في إحتكار النشاط التجاري الخارجي، وظلت بالإعتماد على اليهود تقيم الحواجز بين الفئة التاجرة المغربية والتجار الأوربيين، الذين تزايدت أعدادهم بالموانئ المغربية وبجوار القصر السلطاني بمراكش.

وبذلك إنضاف إحتكار الدولة للنشاط التجاري الخارجي، إلى العوامل الأخرى ليزيد من عزلة التجارة المغربية الداخلية ، ويعمق من جهل التجار المغاربة بالتطورات التي كانت تلحق بنشاط المبادلات في شتى النواحي ، هذا فضلا عن الحد من طموحات التجار ومنعهم من الرقي الاقتصادي والاجتماعي . ويكفي ان نشير في هذا المجال للوصف البئيس، الذي نعت به ديكودي طوريس التاجر المغربي زمن السعديين ، حيث قال :” إن سكان البلاد التي ينتمي إليها ذلك العامل كسلاء يخشون مغادرة منطقتهم، إلى حد أنهم لا يتجرون مع أي احد من جيرانهم ، ولا شك أنهم سيفلسون إن حرمو الإتجار مع المسيحيين، لأن تجارتهم مع أهل تنبكتو ليس ذات بال ، فتنبكتو إقليم يوجد في اقصى مفارات ليبا ، ولا يصلون إليه إلا بمخاطر كبيرة ، حتى إنه غالبا ما يبقى الجنود الذاهبون إليه مقبورين تحت الرمال…”

خلاصة القول إن البحر ظل هامش إهتمامات الدولة السعدية ، وتتبع كيفية تعامل هذه الدولة مع القضايا المرتبطة بالبحر ، عسكرية كانت او إقتصادية وإجتماعية، يدفعنا إلى الإعتقاد بمساهمة الدولة إلى جانب العوامل الأخرى في تعميق جهل المغاربة بالبحر ، وليس العكس كما ذهبت إلى ذلك البحوث السالفة الذكر. وقد كان ذلك ضمن ظرفية تاريخية دقيقة جدا ، إذ بمرور الزمن ، أصبح من الصعب تدارك الموقف. إلا ان هذا لا يمنع من إعادة طرح الإشكالية على نحو جيد: هل كان بإمكان الدولة السعدية ان تقوم بدور مخالف لما قامت به، وتدشين مرحلة جديدة في علاقة المغاربة بالمجال البحري؟ بمعنى آخر ، هل نستطيع في التاريخ أن نتحدث وفق منهج علمي عن تاريخ الفرص الضائعة.

*نشر في “البحر في تاريخ المغرب” منشورات كلية الآداب  والعلوم الإنسانية بالمحمدية سلسلسة الندوات رقم7

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا