“مارسو فالصوا” .. ردّا على “بروباغندا” السردين !

1
Jorgesys Html test

بقلم : عبد اللطيف السعدوني*

كثر اللغط مؤخرا حول ما يدعى بنظرية المضاربة في تجارة السمك الصناعي “السردين”، وهو خطاب من قبيل التصريحات الفارغة التي لا تأخذ طابعها الفعلي من زمن الصيد وتراكمات التاريخ . لأن تجارة السردين بالجملة تأخذ خصوصيتها من التاريخ المهني، الذي تتلاقي فيه نقط عديدة مع تثمين المنتوج على مستوى الأسواق الوطنية وعلى مستوى تموين معامل التصبير والتجميد.

فالمتعارف عليه في العرف البحري مند زمن بعيد، أن شهر مارس شهر قليل الإنتاج على مستوى الصيد، حتى أن الصيادين البرتغاليين أو ما يعرف ب”البرتقيز” قد أطلقوا على هذا الشهر عبارتهم الشهيرة “مارسو فالصو”. وذلك بعد وقوفهم من حيث الممارسة والنشاط على كون شهر مارس، موعد في السنة تتفاعل فيه جميع الظروف البيئية المؤثرة سلبا على نشاط الصيد.

فنحن نتكلم هنا عن التغيرات المناخية، فالطقس يتغيّر بإستمرار، وكأننا في فصول أربعة أو فصول ثلاثة. وبالتالي على مستوى البيئة البحرية هناك عدم إستقرار درجة حرارة المياه وبرودتها. حتى ان الكل أصبح على علم بكون مياه البحر بحرارة تحت 17 درجة، تعرف نذرة سمك السردين، والذي هو بالمناسبة سمك سطحي يقتات على العوالق البحرية، ويعيش في مناطق تمتاز بظاهرة “الأبولين” الطبيعية، أو ما تسمى “الانبثاقات المائية”، لاسيما بمنطقة تيارات الكناري التي تمتد من الواجهة الأطلسية للمغرب في إتجاه موريتانيا. وهي المنطقة التي تتسم في عمومها بالماء الدافئ. غير ان هذه المنطقة حسب الخبراء تعرف في السنوات الآخيرة مجموعة من التحديات المناخية، كان لها إنعكاس على إستقرار درجة مياه البحر. وهو ما يجعل من هذا الشهر صعبا في الصيد، ويعرف نكوسا كبيرا على مستوى الموانئ المغربية.

إن هذه الملاحظة التاريخية سرعان ما تتحوّل إلى قناعة، عند القيام بدراسة كرونولوجية أو دياكرونية للتاريخ، إذ سنلاحظ ان شهر مارس كان في عرف المهنيين حتى آواخر القرن الماضي، شهرا للراحة البيولوجية، بالنسبة للبحارة الذين ينشطون في الصيد السطحي على طول السواحل المغربية، لأنهم تشبّعوا مبدئيا بكون هذا الشهر، تقلّ فيه المصطادات السطحية الصغيرة، بإعتباره شهرا تتفاعل داخله الكثير من العوامل البحرية فيما يبنها، وتتضارب مجتمعة لتساهم في عملية النقص المذكورة.

وبناء عليه فإن الحديث عن مسألة “المضاربة” مع بداية هذا الشهر الفضيل الذي يصادف فترة صعبة كما أسلفنا الدكر، هي لا تستقيم، وتصبح مسألة من صنع الخيال يراد بها خلق نوع من “البروباغندا ” .. فمن خلال تتبع بسيط للأيام الأولى من شهر رمضان الأبرك ، نلاحظ أن اليوم الأول واليوم الثاني تميزا بوفرة للمنتوج على مستوى الأسواق، نظرا لعوامل ساهمت في تدفق المنتوج من خمسة موانئ، يتعلق الأمر بموانئ آسفي والصويرة وسيدي إفني وطانطان، وبعض المنتوج القادم من ميناء العيون. وهذا المعطى ساهم في وصول ثمن الكيلوغرام الواحد من سمك السردين، الذي يعد بالمناسبة مكونا أساسيا ضمن قفة المستهلك المغربي بإمتياز، إلى 5.50 درهما، إنسجاما مع التصريح الذي أدلى به رئيس الحكومة في المجلس الحكومي الآخير ، وهي تصريحات كانت صائبة ، لأنها مآخوذة من سوق الجملة بالهراويين، بإعتباره المعيار الحقيقي للأثمنة داخل وخارج السوق .

نحن لسنا مسؤلين على بعض الحالات الشادة التي تتضارب فيها مجموعة من العوامل منها الميزاجية وكذا المناطقية، كما وقع بمراكش في بعض المرات، التي وصل فيها ثمن الصندوق ل 280 درهم وكذا الدار البيضاء التي إرتفع الثمن بها قبل حلول رمضان لهذا الثمن. لأن الشاد لا يقاس عليه ، لكن عندما تدفّق المنتوج على مستوى سوق الهراويين، عاد الثمن لمستويات معقول بالتأرجح بين 120 درهما و130 درهما. فيما بلغ سقف الثمن على مستوى الجودة المرتفعة، كما هو الشأن لسردين آسفي 180 درهما أي ما يعادل 7,30 من داخل السوق.

فعملية المضاربة كما أراد البعض الترويج لها ، لا تأخذ حيز من العملية سواء على مستوى الصيد او البيع. لأن ظروف الصيد هي ظروف كارتية خلال هذه الفترة من السنة. والمراكب تغامر بطريقة جنونية لتوفير المنتوج. حتى أننا فقد شاهدنا فيديوها تخطف النفاس لمجموعة من مراكب السردين، كادت أن تتعرض لحوادث خطيرة بسواحل االجنوب خصوصا ببعض الموانئ التي نسميها رؤوس الموات من قبيل ميناء طانطان وميناء سيدي إفني، لأن هذا الشهر كما أسلفنا الذكر، تتواصل به عمليات المد والجزر بشكل غير محسوبة.

لذلك فنحن نؤكد بالملموس أن شهر مارس لا يقدم الطابع الحقيقي للأسواق، وكذا المقياس الدقيق للسوق، ليبقى بذلك العامل المتحكم في ارتفاع تسعرة الأسماك داخل السوق، هي ظروف الصيد . لدى فعلى المستهلك أن يعي إنسجاما مع ثقافة الإستهلاك، أن الأثمنة داخل السوق يتحكم فيها عامل العرض والطلب، كمعادلة تخضع لعملية الصيد، وما يعترضها من تحديات، طيلة شهر مارس وكذا جانب من أبريل. بالإضافة إلى عوامل البعد كما يقع مع موانئ الجنوب التي تمون 70 في المائة من الأسواق الوطنية، رفقة بعض موانئ الوسط يتقدمها ميناء آسفي. وبالتالي فتاجر الجملة يحكم عليه الشراء من الميناء ثم البيع داخل السوق.

إن الشرا من الموانئ كما هو معلوم يخضع لمنطق الدلالة شمال سيدي إفني نحو الشمال، وهي العملية التي قد ترفع الأثمنة إلى أزيد من 220 و230 درهم للصندوق داخل الميناء، فميناء آسفي مثلا بلغ ثمن الصندوق به في ثاني أيام رمضان سقف 250 درهم للصندوق. وبالتالي فهذه العملية تقدم الإنطباعات الحقيقية والنتائج الحتمية، بكون ثمن السمك يخضع منطقيا لقانون العرض والطلب، وليس لمفهوم المضاربة. لأن التاجر يشتري بالميناء بعملية محسوبة ويبيع داخل السوق، الذي يقدم حقيقة حتمية المنتوج، ومساره بمنظومة تثمين المنتوج على مستوى البيع بالتسقيط.

وحتى في حالة البيع خارج السوق كما هو الشأن لسوق السمك بالجملة بني ملال، وكذا بعض الأسواق التي تعرف نشاطا مماثلا لذات الظاهرة، فهنا يمكن ان تكون هناك مضاربة في ظل الصراع الحاصل بين القانون واللاقانون. لأن عددا من التجار هناك لا يخضعون لمنطق السوق، لعدم دخولهم للمرفق التجاري للخضوع للمعيار الحقيقي المرتبط بالدلالة. وبالتالي فهذا الشدود يدفع نحو إخضاع المستهلك لثمن متحكم فيه . ونحن من جانبنا ككنفدالية وطنية لتجار السمك بالجملة بالموانئ والأسواق المغربية، نسقط عملية التحكم في الثمن، بإعتبارها المضاربة الحقيقية.

ومن موقعنا كتمثيلية مهنية ندعو مختلف المتتبعين لإعتماد قراءة منهجية بنيوية للمنطومة من الصيد إلى تجارة السمك بالجملة، والوقوف على التضحيات الكبيرة التي يقوم بها المهنيون من أجل ضمان تموين الأسواق، وما تكلّفه العملية من أخطار تتكبّدها الأطقم البحرية في هذه الظرفية ، وكذا المصاريف الزائدة التي تثقل كاهل المراكب، نظير ما تستهلكه من مصاريف كبيرة، بسبب الإرتفاعات التي تعرفها المحروقات.

إن هذه التحديات بما لها من تأثير على العملية الإنتاجية ترخي بظلاها على البحار بالدرجة الأولى، الذي يعيش اليوم وضعا كارثيا خلال هذا الشهر المبارك ، الذي يصادف ظروف صعبة ، أرخت بظلالها على الدخل الفردي للبحار الذي إنهار إلى أدنى مستوياته. وبذلك فالتصريح بالمضاربة هو تصريح غريب خارج عن الإطار، في حالة عدم إستحضار مختلف الدفوعات التي إستقرأناها خلال هذا المقال، لدى فينبغي الرجوع إلى حقيقة الأمور، لتحقيق معادلة حقيقية تعتمد المقاربة البنيوية وليس نشر الغسيل في حبل آخر.

كتبها للبحرنيوز : عبد اللطيف السعدوني رئيس الكنفدرالية الوطنية لتجار السمك بالجملة بالموانئ والأسواق المغربية 

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

تعليق 1

  1. سلام عليكم من اواخر سبعينات وانا في علاقه قوية مع البحر كل ماقلته كلام غير صحيح ومبررات لا محل لها

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا